قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية اليوم إن المكتسبات العريضة للنساء السعوديات التي أعلنتها السعودية ستبدأ في تفكيك نظام ولاية الرجل التمييزي بالمملكة.
جاء الإعلان عن هذه التغييرات بينما تقبع العديد من الناشطات اللاتي طالبن بهذه الإصلاحات رهن المحاكمة أو في الاحتجاز، انتقاما منهن على نشاطهن الحقوقي.
هذه التغييرات القانونية التي صدرت بموجب قرار لمجلس الوزراء وصدق عليها مرسوم ملكي رقم م.134، ستسمح للنساء السعوديات باستصدار جوازات السفر دون الحاجة لموافقة الأقارب الذكور، وتسجيل مواليدهن، والاستفادة من تدابير حماية جديدة من التمييز بالعمل. أعلنت مصادر رسمية سعودية أن النساء فوق 21 سنة لم يعدن بحاجة لإذن ولي الأمر الذكر للسفر للخارج، لكن قرار مجلس الوزراء لا يشير إلى حرية النساء في السفر.
قالت روثنا بيغم باحثة أولى في حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: “الإصلاحات القانونية السعودية التي طال انتظارها تمد النساء السعوديات بدرجة أكبر من السيطرة على حياتهن. لكنه انتصار تشوبه المرارة، فالنساء السعوديات الشجاعات اللاتي طالبن بهذه التغييرات ما زلن وراء القضبان أو تواجهن محاكمات جائرة”.
قرار مجلس الوزراء الصادر في 31 يوليو/تموز 2019 الذي نُشر في الجريدة الرسمية في 1 أغسطس/آب، يُعدل “نظام وثائق السفر” والأحوال المدنية” و “نظام العمل”. أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى قالوا إن التغييرات يبدأ نفاذها في أواخر أكتوبر/تشرين الأول.
أفاد “مركز التواصل الدولي” السعودي ووسائل إعلامية محلية بأن التغييرات ستسمح للنساء أيضا بمغادرة البلاد دون الحاجة إلى إذن من ولي الأمر الذكر، لكن قرار مجلس الوزراء لم يذكر أي تغييرات إزاء هذا المطلب.
على سلطات آل سعود أن توضح فورا إن كان بإمكان النساء السعوديات مغادرة المملكة دون إذن، مع ضمان أن تسمح جميع الأنظمة والإجراءات والمنصات الإلكترونية بذلك الآن. حتى 2 أغسطس/آب كان تطبيق “ابشر” للهاتف الخلوي لا يزال يسمح للرجال بقبول أو رفض سفر من يعيلون من النساء.
تسمح التغييرات في نظام وثائق السفر “لحاملي الجنسية العربية السعودية” بالحصول على جواز السفر السعودي.
كما ألغت القواعد الجديدة مادة كانت تسمح للرجال بضم زوجاتهم وبناتهم غير المتزوجات إلى جوازات سفرهم. هذه الإصلاحات تعني أن النساء الآن بحاجة لاستصدار جوازات سفر فردية للسفر للخارج، لكن لن تحتجن إلى أن يقدّم ولي الأمر الذكر طلب استصدار جواز السفر ويستلمه نيابة عنهن. وفرت السفارة السعودية في واشنطن صحيفة وقائع نصت على أن التعديلات على نظام وثائق السفر يبدأ سريانها في أواخر أغسطس/آب.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الإصلاحات تشمل مكتسبات مهمة للنساء بخصوص مسائل الأحوال المدنية. حذفت الحكومة عبارات تطالب النساء بالعيش مع أزواجهن. كما أصبح بإمكان النساء تسجيل ولادات أطفالهن في مكاتب الأحوال المدنية، وكان هذا مقتصرا فيما سبق على الآباء أو أقارب الأب.
وسيُسمح للنساء بإخطار مكاتب الأحوال المدنية بوقائع الوفاة أو الزواج أو الطلاق، وبالحصول على السجلات الأسرية. تسمح التعديلات للنساء – إضافة إلى أزواجهن – بأن يُعتبرن “رب الأسرة” بخصوص الأطفال، ما سيُحسّن قدرة النساء السعوديات على إجراء المعاملات الحكومية نيابة عن أطفالهن.
وأخيرا، توضح التغييرات في نظام العمل أن “العامل” قد يكون أنثى أو ذكرا. يُحظر على أصحاب العمل فصل أو تهديد النساء بالفصل أثناء الحمل أو إجازة الأمومة، أو إذا مرضن جراء الحمل أو الولادة. لا تزال إجازة الأمومة 180 يوما.
تشمل التغييرات أيضا تدابير حماية جديدة ضد التمييز في العمل: “المواطنون متساوون في حق العمل دون أي تمييز على أساس الجنس أو الإعاقة أو السن أو أي شكل من أشكال التمييز الأخرى”. هذا التقدّم الكبير يعني أنه من غير القانوني لأصحاب العمل بالقطاع الخاص مطالبة الموظفات المحتملات بتحصيل موافقة أولياء أمرهن الذكور للعمل. نصت صحيفة وقائع السفارة السعودية على أن هذه المادة الجديدة تقتضي المساواة في الأجور بين النساء والرجال.
قالت هيومن رايتس ووتش إن قرار 31 يوليو/تموز سوف يتطلب تغييرات عديدة في اللوائح التنفيذية الفرعية لكي يكون لها أثر فعلي. هناك نصوص أخرى، مثل النصوص الخاصة بمناهضة التمييز في نظام العمل المُعدل، تحتاج إلى تهيئة نظام قوي لمراقبة التمييز في مكان العمل ولاتخاذ إجراءات ضد المخالفين.
التعديلات الجديدة هي الإصلاحات الأكثر جذرية لحقوق المرأة في السعودية على الإطلاق، وهي أول ضربة حقيقية لنظام ولاية الرجل في البلاد الذي سمح للرجال بالتحكم إلى حد كبير بحياة النساء السعوديات منذ المولد إلى الممات.
وثقت هيومن رايتس ووتش كيف كان مطلوبا من كل امرأة سعودية بموجب هذا النظام أن يكون لها ولي أمر، عادة ما يكون الأب أو الزوج، وقد يكون حتى الأخ أو الابن، وله قدرة اتخاذ قرارات مهمة كثيرة نيابة عنها. بينما تُعدّ التغييرات الجديدة مهمة، ما زال على النساء السعوديات الحصول على موافقة ولي الأمر للزواج أو للخروج من السجن أو المأوى.
تزامنت التطورات الأخيرة في مجال حقوق المرأة في السعودية مع اشتداد حملة القمع على المعارضين، والنشطاء الحقوقيين، ورجال الدين المستقلين. في 2018، امتد هذا القمع إلى ناشطات حقوقيات بارزات بالمملكة كن يطالبن بإنهاء نظام ولاية الرجل.
في 15 مايو/أيار 2018، قبل أسابيع من رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في 24 يونيو/حزيران، بدأت السلطات السعودية في اعتقال نشاطات حقوقيات بارزات، واتهام بعضهن بجرائم خطيرة مثل الخيانة.
بدأت منظمات حقوقية في نوفمبر/تشرين الثاني تتطرق إلى اتهامات بأن المحققين السعوديين عذبوا 4 على الأقل من هؤلاء النساء، بما يشمل عن طريق الصدمات الكهربائية والجلد، وتعريضهن للتحرش والاعتداء الجنسيين.
بدأ نظام آل سعود محاكمة هؤلاء النساء في مارس/آذار متهمة إياهن بـ “جرائم” متصلة في الأغلب بالعمل الحقوقي السلمي، وتشمل تعزيز حقوق المرأة والمطالبة بإنهاء نظام ولاية الرجل. بينما أخلي سبيل الكثير من النساء في انتظار نتائج المحاكمات، ما زالت 5 على الأقل منهن في الاحتجاز، ومنهن لجين الهذلول وسمر بدوي ونسيمة السادة.
قالت بيغم: “على سلطات آل سعود أن تُفرِج فورا عن ناشطات حقوق المرأة اللاتي طالبن تحديدا بالإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة وتسقِط جميع الاتهامات ضدهن. ينبغي أن تكون هذه بداية نهاية نظام ولاية الرجل سيئ السمعة، وأن تعمل الحكومة فورا على تفكيك ما تبقى منه”.