أدانت 19 منظمة دولية سماح فرنسا باستخدام أحد موانئها في مرور شحنة أسلحة إلى آل سعود على لخفية جرائم النظام بحق المدنيين في اليمن.
وقالت المنظمات في بيان مشترك “تقود السعودية منذ أشهر حرباً بلا هوادة ضد الشعب اليمني، ترتكب فيها فظائع ضد شعب أعزل. لا يمكننا قبول أن يوضع ميناء شيربورغ في خدمة هذا النزاع، باسم مصالح بعض تجار السلاح وزبائنهم”.
ووجهت المنظمات رسالتها إلى رئيس الحكومة الفرنسي إدوار فيليب، تطالبه فيها بالكشف عن نوع الأسلحة التي تعتزم السفينة السعودية شحنها من ميناء شيربورغ، إضافة إلى إصدار قرار بتعليق شحن هذه الأسلحة إلى المملكة.
وحذرت المنظمات الحقوقية الحكومة الفرنسية من أن مواصلتها بيع أسلحة للسعودية والإمارات يعرضها للمساءلة الجنائية بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب في اليمن، كما طالبت الحكومة الفرنسية بالحصول على ضمانات من الرياض بعدم استخدام هذه الأسلحة الفرنسية ضد المدنيين.
وقد وصلت سفينة الشحن السعودية “بحري ينبع”، التي يُشتبه في أنها ستحمل أسلحة، وجهتها الحرب في اليمن، أمس إلى ميناء شيربورغ الفرنسي.
وقبيل وصولها، رفع عشرات المتظاهرين لافتات في شيربورغ ضد رسوّ السفينة. وكتب على بعض اللافتات: “أوقفوا مبيعات الأسلحة غير القانونية”، و”مبيعات أسلحة غير قانونية، ليس في مينائي” و”جرائم حرب في اليمن، 230 ألف قتيل”.
“وجاء في بيان آخر وقعه “الحزب الاشتراكي”، والحزب اليساري المتشدد “فرنسا الأبية”، و”حزب الخضر-أوروبا البيئية”، و”الحزب الشيوعي” و”الكونفيدرالية العامة للعمل”، أن “فرنسا واحدة من الدول الخمس الأولى الأكثر مبيعاً للسلاح. ومن الواجب على جميع المواطنين التدخل لمنع هذه التجارة، خصوصاً حينما تكون موجهة لقمع الشعوب”.
وتم تقديم طعن لإيقاف عملية الشحن موقتاً أمام المحكمة الإدارية في باريس، بحسب قلم المحكمة. وقالت ثلاث منظمات قدمت الطعن، في بيان، إن “سفينة الشحن هذه تنقل أسلحة، وهي تستعد لشحن أسلحة فرنسية. ويمثل مجرد عبورها انتهاكاً صارخاً لالتزامات فرنسا الدولية”.
كما شهد ميناء مدينة شيربورغ غرب فرنسا وقفة احتجاجية أول أمس لعشرات من الناشطين الفرنسيين يمثلون كبرى المنظمات الحقوقية والنقابية إضافة إلى منتخبين محليين، بهدف منع سفينة سعودية من الرسو في الميناء.
وتأتي هذه التحركات بعد ما وصلتهم معلومات تفيد بأن السفينة تعتزم شحن أسلحة فرنسية، يعتقد أن النظام السعودي يستخدمها في حربه في اليمن.
وتعتبر هذه الاحتجاجات الثانية من نوعها في فرنسا في أقل من عام، بعدما نجحت المنظمات الحقوقية العام الماضي في منع نفس السفينة السعودية “بحري ينبع” من الرسو في ميناء لوهافر، بهدف شحن دفعة جديدة من مدافع سيزار الفرنسية المتطورة التي كشفت تحقيقات صحفية فرنسية أن السعودية تستخدمها في اليمن.
وكشف المتحدث باسم منظمة العفو الدولية في فرنسا إيميرك إيلوين أن منظمته تملك معلومات شبه مؤكدة تفيد بأن سفينة “بحري ينبع” تحمل على متنها أسلحة كندية وأميركية.
كما أكد أن السفينة السعودية ترغب بالرسو في ميناء شيربورغ بهدف شحن أسلحة فرنسية، لأن السعودية كانت وقعت عقودا بملايين الدولارات مع عدد من الشركات الفرنسية لشراء أسلحة متطورة، بحسب تقديره.
يشار إلى أن التقرير السنوي للبرلمان الفرنسي لعام 2019 بشأن بيع الأسلحة، كشف أن السعودية باتت ثالث زبون لفرنسا، حيث اقتنت ما قيمته مليار دولار من الأسلحة عام 2018. كما يفيد التقرير بأن السعودية اشترت ما قيمته 11 مليار دولار من الأسلحة الفرنسية على مدى السنوات العشر الماضية.
وأوضح إيلوين أن المنظمات الحقوقية الفرنسية ستواصل الضغط على حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون بهدف تعليق بيع الأسلحة لكل من السعودية والإمارات، لأنهما ضالعتان في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اليمن، بحسب وصفه.
وكشف المتحدث باسم منظمة العفو الدولية للجزيرة نت أنه تم رفع شكوى في ديسمبر/كانون الأول الماضي على ثلاث شركات فرنسية لبيع الأسلحة أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بتهمة التواطؤ والمشاركة في ارتكاب جرائم حرب في اليمن، بسبب بيعها أسلحة فتاكة ومتطورة لكل من السعودية والإمارات.
في السياق نفسه، أكد المحامي عبد المجيد المراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “إيفدي” لحقوق الإنسان ومقرها في باريس، أن فرنسا تنتهك المواثيق والمعاهدات الدولية بمواصلتها بيع أسلحة للسعودية، معتبرا أنها ليست متواطئة فقط بل مشاركة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في اليمن على يد القوات السعودية والإماراتية، بحسب تعبيره.
واعتبر أنه لا توجد ضمانات، كما لا توجد آلية لمراقبة الأسلحة الفرنسية والأوروبية التي تقتنيها السعودية، بل إن التقارير الدولية والأممية كشفت أن هذه الأسلحة استخدمت على نطاق واسع في قتل المدنيين في اليمن.
وأكد المراري أن منظمته ستتقدم بشكوى أمام المحكمة الإدارية في باريس لمنع شحن هذه الأسلحة من ميناء شيربورغ، كما أنها ستتحرك بمعية مجموعة من المنظمات الدولية لمنع السفينة السعودية من إكمال طريقها باتجاه موانئ أوروبية أخرى في كل من إسبانيا وإيطاليا.
يشار إلى أن ميناء أونفرز في بلجيكا شهد بدوره قبل أيام وقفات احتجاجية لمنظمات حقوقية، وهو ما تسبب في منع رسو السفينة السعودية في الميناء، بعدما كانت تعتزم شحن معدات وأسلحة عسكرية بلجيكية، قبل إكمال طريقها باتجاه ألمانيا وفرنسا.
ونجحت احتجاجات قادتها منظمات غير حكومية، في منع السفينة نفسها من الرسو في فرنسا في أيار/ مايو الماضي، عندما كانت تستعد لنقل شحنة أسلحة للرياض.
وتتعرض فرنسا لانتقادات شديدة لاستمرارها في بيع الأسلحة للحكومة السعودية، في الوقت الذي تواصل فيه الأخيرة عمليتها العسكرية المستمرة منذ خمس سنوات في اليمن ضد جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) المدعومة من إيران.