
بعد نحو عقد من إطلاق رؤية 2030 التي وعدت بتحول اقتصادي واجتماعي شامل، يواجه ولي العهد محمد بن سلمان انتقادات متزايدة بسبب فشل معظم وعود الرؤية في تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، مقابل التركيز المفرط على بناء منتجعات سياحية فاخرة واستضافة الحفلات العالمية والمشاهير، فيما يعيش المواطن السعودي أزمات اقتصادية متزايدة وتراجعا في الخدمات العامة.
وحين أطلق بن سلمان رؤيته عام 2016، أعلن عن أهداف طموحة: توليد 200 جيجاواط من الطاقة النظيفة، واستقطاب 100 مليون سائح سنويا، وتحسين جودة الحياة في المدن السعودية لتدخل ثلاث منها قائمة أفضل 100 مدينة عالمية. كما وعد بعدم فرض ضرائب على السلع الأساسية مثل المياه والألبان، وبالتحول إلى اقتصاد متنوع غير نفطي.
لكن بعد تسع سنوات من الدعاية المكثفة، تبدو الحصيلة بعيدة تماما عن الأهداف المعلنة. فمشاريع الطاقة المتجددة لم تتجاوز إنتاج بضعة جيجاواط فقط، بينما لا تزال المملكة تعتمد على النفط لتغطية أكثر من 90% من صادراتها.
كما فشلت وزارة السياحة في تحقيق رقم 100 مليون سائح، واضطرت إلى احتساب المواطنين والمقيمين المحليين ضمن “عدد السياح” لتضخيم الإحصاءات الرسمية.
أما الوعود بعدم فرض ضرائب على الاحتياجات الأساسية، فانهارت مع قرارات متتالية بزيادة أسعار المياه والكهرباء، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، وهي الأعلى في المنطقة.
وفي المقابل، ظلت المدن السعودية خارج أي تصنيف دولي بارز من حيث جودة الحياة أو البنية التحتية أو الاستدامة البيئية.
تراجع الخدمات وتجميد المشاريع الحيوية
في الوقت الذي ضُخّت فيه المليارات في بناء منتجعات فاخرة للأجانب على سواحل البحر الأحمر، توقفت مشاريع كانت تعد أكثر حيوية للمواطنين.
فقد توقف مشروع توسعة الحرم النبوي منذ سنوات، كما تم تجميد مشاريع بناء المجمعات الصحية في مدن مثل الجوف وسكاكا، وسط تردي الخدمات الطبية العامة وازدحام المستشفيات.
و ما زالت البنية التحتية في عدد من المدن، خصوصا في المناطق الشمالية، تعاني من الإهمال. طرق رئيسية لم يتم إصلاحها منذ أكثر من 20 عاما، وازدادت أزمات المرور والاختناقات في الرياض وجدة والدمام إلى مستويات غير مسبوقة.
حتى مشروع مترو الرياض، الذي تروج له الحكومة كأحد رموز الرؤية، بدأ فعليًا في عهد الملك عبدالله، وتأخر إنجازه لسنوات بسبب التغييرات الإدارية والبيروقراطية في العهد الجديد.
“نيوم”.. حلم لم يتحقق
من أبرز مشاريع الرؤية وأكثرها إثارة للجدل مشروع نيوم، الذي وصفه بن سلمان بأنه “مدينة المستقبل”. لكن بعد خمس سنوات من الوعود، ما زال المشروع في حالة ارتباك إداري وتمويل غامض.
مصادر اقتصادية أكدت أن شركة تونوموس، الذراع التكنولوجي لنيوم، أغلقت مكاتبها وغادر مدراؤها الأجانب دون تحقيق أي إنجاز فعلي. أما مشروع “ذا لاين”، الذي رُوّج له كمدينة خطية ثورية بطول 170 كيلومتراً، فقد تقلصت خططه إلى بضعة كيلومترات فقط، فيما توقفت الإنشاءات في أجزاء واسعة منه بسبب نقص التمويل وهروب المستثمرين.
ويقول مراقبون إن نيوم تحولت من “مشروع رؤية وطنية” إلى منصة دعائية فاخرة لاستعراض الأفكار الغريبة دون تنفيذ حقيقي، حيث تنفق مليارات الدولارات على حملات تسويقية ومنشآت تجريبية خالية من السكان.
منتجعات للأجانب.. ولايكات على إنستغرام
يرى منتقدون أن “الرؤية” انحرفت عن أهدافها الاقتصادية والتنموية لتتحول إلى مشروع ترفيهي موجّه للأجانب والمشاهير.
فالمملكة تبني منتجعات على الطراز المالديفي في البحر الأحمر، وتستضيف حفلات لمغنين غربيين مثل باك ستريت بويز وجينيفر لوبيز، وتنظم عروض مصارعة من نوع WWE بتكاليف ضخمة، في حين يعيش المواطن العادي تحت ضغط اقتصادي متزايد.
وتشير تقارير إلى أن أغلب رواد هذه المنتجعات مستضافون على حساب الدولة أو بدعوات رسمية، ما يجعل عائدها الاقتصادي شبه معدوم. ويؤكد مراقبون أن النجاح في هذه المشاريع يُقاس حالياً بعدد “اللايكات” على إنستغرام وحجم التغطية الإعلامية، لا بالجدوى التنموية أو مردود الاستثمار.
وتصف وسائل إعلام أجنبية المشهد السعودي الحالي بأنه “اقتصاد الواجهة”، حيث تُضخ المليارات في مظاهر الحداثة – من دور السينما والمهرجانات الموسيقية إلى سباقات الفورمولا 1 – بينما تبقى المشكلات البنيوية في الاقتصاد والتعليم والصحة دون حلول حقيقية.
من رؤية وطنية إلى “رؤية مراهقة”
يقول محللون إن محمد بن سلمان حوّل الرؤية من خطة تحول وطني إلى مشروع شخصي يسعى من خلاله لتحقيق “أحلام مراهقته”، على حد وصف أحد المراقبين الخليجيين. فبدلاً من الاستثمار في التصنيع والتقنية والتعليم، ركز على إحياء رموز ثقافة البوب الغربية من التسعينيات، مثل جريندايزر وباك ستريت بويز وألعاب الفيديو، إلى جانب إطلاق خطوط طيران وشعارات مستوحاة من “النوستالجيا” القديمة.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه يعكس فهماً سطحياً للتنمية، حيث يتم استبدال إصلاح الاقتصاد الحقيقي بـ”الترفيه الجماعي” والتغليف التسويقي الفاخر. فالمملكة التي وعدت بأن تكون مركزاً عالمياً للطاقة النظيفة والتقنية، أصبحت تُقاس إنجازاتها بعدد الحفلات الفنية وعدد المتابعين على المنصات الرقمية.
وبعد مرور ما يقرب من عشر سنوات على إطلاق “رؤية 2030”، يتفق كثير من المراقبين على أن حصيلتها لم تتجاوز بناء منتجعات للأجانب والترويج لصورة منمقة عن “السعودية الجديدة”.
أما المواطن السعودي، الذي وعدته الرؤية بالازدهار والفرص، فما زال يواجه ارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات وغياب الشفافية.
وبينما تتحدث الحكومة عن “تحقيق المستهدفات”، يبدو أن النجاح الوحيد حتى الآن هو نجاح تسويقي على إنستغرام — حيث تتحول التنمية إلى صورة، والرؤية إلى دعاية، والمستقبل إلى حفلة لا تنتهي.