أقحم نظام آل سعود خلافاته السياسية مع دول إقليمية في المنهاج الدراسية في المملكة في واحدة من أحدث سقطاته المتتالية.
وقبل أيام تصدر وسم “المناهج الجديدة” قائمة الأكثر تداولا في المملكة إثر نشر مغردين صورا قالوا إنها للمناهج الجديدة التي شهدت تغييرات جذرية في محتواها، خاصة فيما يتعلق بنشأة الدول السعودية المتعاقبة والمعارك التي خاضتها ضد الدولة العثمانية.
ورغم أن تلك التعديلات لم تصدر رسميا حتى الآن، فإن الصور التي تداولها المغردون تظهر كيف حاربت الدولة العثمانية الدولة السعودية الأولى والثانية وساندت بعض الزعماء المحليين ضد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة.
وزعمت تلك المناهج تعذيب العثمانيين لبعض أئمة الدولة السعودية الأولى، والتضييق على أهالي منطقتي الأحساء وعسير، وتهجير أهالي المدينة المنورة.
كما أوردت تلك المناهج معارك وأحداثا كانت تحاول فيها قوات الدولة العثمانية بسط نفوذها على مناطق القبائل المختلفة في الجزيرة العربية، واصفة تلك القوات بالغازية.
وجاءت تلك التوصيفات في سياق طرح المناهج لتاريخ الجزيرة العربية والحضارات والدول التي تعاقبت عليها.
وبينما رحب عدد من المغردين بهذه التغييرات التي اعتبروها ضربة لآخر معاقل من يسمونهم “الإخونج” في التعليم، معتبرين أن المناهج كانت “مختطفة” من قبلهم في العقود الماضية، رأى آخرون أنه مهما تغيرت المناهج وتلوعب بها لتوافق الثقافة الغالبة فسيأتي يوم لتوافق الكتاب والسنة.
ويسعى نظام آل سعود إلى إعادة صياغة المناهج الدراسية وتخليصها من أي تأثير لجماعة الإخوان المسلمين وإبعاد أي موظف يتعاطف معهم، بحسب بيان نشر العام الماضي على لسان وزير التعليم السابق أحمد العيسى.
كما تعمل الوزارة على محاربة ما وصفته بالفكر المتطرف من خلال إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوها من منهج جماعة الإخوان المحظورة.
وكان محمد بن سلمان قال في حوار مع شبكة التلفزيون الأميركية “سي.بي.أس” إن عناصر من الإخوان التي تعتبرها السعودية “جماعة إرهابية”، تسللوا إلى المدارس.
وكان العديد من نشطاء الإخوان في مصر فروا إلى المملكة في ستينيات القرن الماضي إثر ملاحقة نظام الرئيس جمال عبد الناصر لهم، وتم توظيف أعداد هائلة منهم في التدريس والقطاع العام.
وتعتقل سلطات آل سعود عددا من المشايخ والعلماء والدعاة المحسوبين على تيار الصحوة، أبرزهم سلمان العودة، وسفر الحوالي، وعوض القرني.
ولا يخفي المسؤولون الأميركيون مطالبتهم بشن كعركة حقيقية وسريعة مع “المتطرفين” داخل مناهج التعليم باعتبارها الفضاء الأكثر تأثيرا على عقول الطلاب.
وتزعم واشنطن بضرورة محاصرة كل أسباب التطرف، وملاحقتها في أوكارها وحواضنها مثل المقررات المدرسية التي من شأنها أن تكون البذرة الأولى في زرع الذهنية التكفيرية والثقافة العدائية البعيدة عن روح المجتمع وقيمه الشعبية الأصيلة.
وسبق أن قالت اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية في بيان إنها قارنت 12 كتابا دينيا ضمن المنهج الدراسي بالمدارس الثانوية في 2017-2018 مع نسخ من الفترة 2012-2014، وأظهرت أن الكتب الحالية “لا تحتوي فقط على عدد من الفقرات المتعصبة والتحريضية، بل تحتوي كذلك على عدة فقرات يعتقد على وجه الخصوص أنها حذفت من كتب سابقة”.
وذكرت هذه اللجنة أن من أمثلة المحتويات التي وصفتها بـ”المتعصبة” في بعض المقررات التعليمية السعودية، فقرات تمجد “الجهاد” باعتباره قتالا ضد غير المسلمين وتنص على قتل المرتدين وغير المسلمين وتحذر المسلمين من مصاحبتهم.
ويتفق مراقبون بأنه ليس الغريب في تغيير المملكة مناهجها الدراسية التي بالفعل عفا عليها الزمن، في ظل توفر الفضاء المفتوح، لا سيما الإنترنت والعالم الافتراضي، وسهولة البحث عن معلومة أو حقيقة خالية من مبالغات أو تقييد أو توجيه من قبل الإدارات المدرسية والحكومات، إلا أن تدخّل جمعيات أمريكية في إعداد المناهج الدراسية الجديدة ووضع المعايير لها يهدد بحدوث كارثة مجتمعية لا قبل للرياض بها؛ تتمثّل في وضع ألغام فكرية في المناهج الجديدة توافق ما تريده تلك المنظّمات، وإحداث تحوّلات ونزاعات خطيرة، وجني نتائج عكسية تنسف في نهاية المطاف قيم ومبادئ المجتمع السعودي القائمة على الدين الإسلامي.