كشف توثيق حقوقي أن قرابة 70 ألف مواطن ومواطنة ممنوعون من السفر في السعودية في إطار سياسة الانتقام من المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان.
وقالت منظمة سند لحقوق الإنسان إن السعودية تعد حاليا الدولة الأكثر استخداما لعقوبة المنع من السفر بشكل عشوائي وجماعي.
وأبرزت المنظمة في تقرير لها أن التنقل والسفر حق أصيل من حقوق الإنسان، لا يشعر به إلا من حُرمه، وحين يُمنع أحدٌ من الخروج من مكان ما، فهو إشارة إلى أن البقاء في هذا المكان هو نوع من العقوبة، أو أن يُخشى أن ينطق هذا الفرد بشيء لا يمكنه البوح به داخل وطنه.
وذكرت المنظمة أن ذلك ما ينطبق بشكل تام على السعودية في عهد محمد بن سلمان، الأمر الذي يجعلها أكبر سجن في العالم.
وأضافت “ليس من المستغرب أن يتم اقتران مصطلح ”المنع من السفر“ مع دولة كالسعودية. يمكن القول أنها حاليا الدولة الأكثر استخداماً لهذا النوع من العقاب بشكل عشوائي وجماعي”.
وأشارت مصادر خاصة ل“سند“ إلى أن عدد الممنوعين من السفر في البلاد يتجاوز 70 ألف مواطن ومواطنة، بما فيهم عائلات المعتقلين والناشطين والمعارضين بأكملها، إضافة إلي عائلات من أسرة آل سعود نفسها والمقربين منهم.
ولا يعرف الممنوعون من السفر عادة أنهم كذلك إلا في المطار أو في المنافذ البرية، حيث يتم إخبارهم حينها بأنهم ممنوعون من السفر بأمر أمن الدولة، دون إبداء أسباب أو أحكام قضائية تفسر أسباب المنع.
وبحسب منظمة سند فإن عقوبة المنع من السفر لم تكن وليدة عهد محمد سلمان، فقد تم فرضها بشكل عشوائي على العديد من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السابق، ولكن ولي العهد يستخدم هذه الأداة بشكل أكثر تعسفية وبدون مبرر قانوني أو أخلاقي أو حتى إنساني.
وبشكل غير مسبوق في التاريخ السعودي، فإن محمد بن سلمان يستخدم هذه الوسيلة للضغط على أبناء عمومته وقرابته والمقربين من الدولة، في خطوة تشير بشكل واضح إلى مدى التخبط الذي وصل إليه على جميع الأصعدة.
وأكدت المنظمة أن السعودية بفرضها المنع من السفر على آلاف المواطنين تناقض بشكل صريح إعلان الأمم المتحدة بالنشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان، والذي يتيح الحق لأي شخص في التواصل مع المنظمات الدولية من غير تدخل (المادة 5)، والحق في التماس ومشاركة ونشر المعلومات حول حقوق الإنسان (المادة 6).
كما أن السعودية تنتهك بشكل صارخ الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والتي وقعت المملكة على الالتزام به عام 2009، حيث تمثل حالات حظر السفر هذه خرقاً لهذا الميثاق والذي يكفل “لكل شخصٍ الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده“.
ومن الناحية القانونية، فإن السعودية باستخدامها عقوبة المنع من السفر بهذه الطريقة التعسفية تخالف الأنظمة التي وضعتها سواء من خلال قرارات مجلس الوزراء أو أنظمة الإجراءات الجزائية بما في ذلك نظام وثائق السفر الصادر في عام 2000.
وأشارت المنظمة إلى أن النظام السعودي لا يسمح بفرض عقوبة المنع من السفر على المواطنين إلا من خلال حكم قضائي، وأن يكون بسبب أمني أو بسبب دعوى قضائية.
وهذا لا ينطبق بحال على الممنوعين من السفر حالياً في السعودية، حيث إنهم لم يخضعوا لأي محاكمات عادلة ولم يتم توجيه حكم قضائي بالمنع من السفر.
كما أن القانون السعودي يلزم الجهات الأمنية بإبلاغ الممنوعين من السفر بقرار المنع في مدة لا تتجاوز أسبوعين من القرار، الأمر الذي لا يحدث إطلاقا.
وتشمل قائمة الممنوعين من السفر أطيافاً مختلفة من المجتمع السعودي، فبدءاً بالمعتقلين المفرج عنهم، حيث تصدر عادة أحكام جائرة بالمنع من السفر بعد كل حكم إفراج.
ولكن مثل حال استمرار بقاء المعتقلين حتى بعد انتهاء محكوميات السجن، فإن المنع من السفر عادة لا يرفع حتى بعد انتهاء الحكم.
كما تشمل قائمة الممنوعين من السفر عائلات المعتقلين والمعارضين في الخارج بما في ذلك الأطفال والعجائز، ويتم استخدامهم بشكل معلن كرهائن حتى يتم الضغط أو إجبار المعتقل أو الناشط على السكوت.
وأكدت المنظمة أن احتجاز المواطنين كرهائن لإجبار أفراد على السكوت أو الاعتراف أو التعاون هو من أسوأ ما أنتجته الأنظمة القمعية عبر التاريخ. لكن مع تسارع آلة القمع السعودية، أصبحت بشكل واضح جزءًا أساسياً من حكم محمد بن سلمان.
وقالت إن معاناة المعتقلين في السجون السعودية لا تقتصر على الاعتقال التعسفي فحسب، بل تستمر معهم ومع عائلاتهم حتى بعد الإفراج من خلال عدة انتهاكات ومضايقات.
وأوضحت أن ذلك يبدأ من المنع من السفر لأجل غير مسمى، مروراً بإعادة المحاكمات وزيادة المحكوميات، وصولاً إلى أساور التتبع والمراقبة المستمرة، هذا فضلاً عن إعادة الاعتقال التعسفي دون أوامر قضائية.
وأضافت أن نشر الوعي بحقوق الممنوعين من السفر في السعودية واجب المنظمات الحقوقية في العالم، دون تمييز بينهم، كما يجب الضغط على الحكومة السعودية للرفع الفوري لحظر السفر المفروض دون مبرر قانوني أو أمر قضائي على آلاف المواطنين والمواطنات.