قالت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية إن ولي العهد محمد بن سلمان يخاطر بأموال صندوق الاستثمارات السعودي في مشاريع مكلفة لكنها عديمة الفائدة.
وأشارت المجلة إلى أنه قبل 6 سنوات، لم يكن أحد خارج السعودية تقريبا يسمع عن “صندوق الاستثمارات العامة”
وهو كيان يمتلك حصصا حكومية في شركات كبرى، ويعمل به عدد من الموظفين يقل عن المتواجد في متجر تجاري عادي.
وأضافت: أما اليوم يطمح هذا الصندوق إلى أن يصبح أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم.
فقد أنفق المليارات العام الماضي على الاستثمارات الأجنبية، وشراء حصص في شركات النفط الغربية، وخطوط الرحلات البحرية، وحتى تقديم عطاءات لشراء نيوكاسل يونايتد، وهو نادٍ إنجليزي لكرة القدم.
في الداخل، يقوم الصندوق حاليا ببناء منتجعات ومركز مالي، ومدينة مستقبلية على البحر الأحمر.
تهدف صناديق الثروة السيادية في الخليج إلى التجهيز لمستقبل ما بعد النفط.
وقد تكون هذه مهمة متناقضة؛ فالصناديق تدير الثروة النفطية بينما تستثمر في مشاريع محفوفة بالمخاطر لدفع التنويع الاقتصادي في الوطن (بعيدا عن النفط).
ويحاول صندوق الاستثمارات العامة القيام بالأمرين في آن واحد وعلى نطاق واسع. ومع ذلك، فإن طموحه غير المحدود تهدده الحقائق الصعبة للرياضيات.
في 31 مارس/آذار الماضي، أعلن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان عن خطة لاستثمار 27 تريليون ريال (7 تريليونات دولار) في مشاريع محلية على مدار العقد المقبل.
ويجب النظر إلى هذه الأرقام بتشكك. فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للسعودية العام الماضي 2.5 تريليون ريال.
وهذا يعني أن هدف الأمير “بن سلمان” هو استثمار سنوي بحجم اقتصاد المملكة بأكمله، مع العلم أن نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي في هذا البلد بلغت 27% في العام الماضي.
ويأمل الأمير السعودي أيضا، أن تجتذب المملكة 500 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة ومكلفة على مدى العقد المقبل
وهو يبدو متفائلا في بلد بلغ فيه إجمالي التدفقات الوافدة 106 مليارات دولار على مدى العقد الماضي.
ومحور خطته برنامج يسمى “شريك”، الذي سيشهد قيام العشرات من الشركات السعودية المدرجة في البورصة بتخفيض توزيعاتها للأرباح، وتوجيه 5 تريليونات ريال إلى الاستثمار المحلي.
وتعد شركتا “أرامكو” (عملاق النفط الحكومية ) و”سابك” (للبتروكيماويات المملوكة لأرامكو )، أكبر كيانين في هذه الشركة المستهدفة.
وبالتالي، فإن أي تخفيضات في توزيعات الأرباح ستؤثر بشدة على المساهم الأكبر في “أرامكو”، وهو الدولة السعودية.
رهانات وضغوطات
وهذا يعني المزيد من الضغط على ميزانية المملكة، التي تقلصت بنسبة 7% هذا العام، ويتم استهلاكها بشكل متزايد من خلال البنود المتكررة.
في عام 2020، خصصت وزارة المالية السعودية 173 مليار ريال للإنفاق الرأسمالي؛ أي 17% من إجمالي المصروفات.
لكن الإنفاق الفعلي كان أقل؛ حيث بلغ 137 مليار ريال جراء إلغاء أو تأجيل مشاريع مع معاناة الاقتصاد السعودي من انخفاض أسعار النفط وتداعيات وباء “كورونا”.
وتُخصص ميزانية هذا العام 101 مليار ريال فقط (10% من المصروفات) للإنفاق الرأسمالي.
ويأتي المزيد من الاستثمار من مصادر خارج الميزانية العمومية مثل صندوق الاستثمارات العامة، الذي يقول إنه سيستثمر 150 مليار ريال سنويا بين عامي 2021 و2025 في كل شيء من الزراعة إلى الفضاء.
ويثير هذا النوع من التنمية المكلفة من أعلى إلى أسفل قلق بعض رجال الأعمال السعوديين، الذين يخشون من أن الصندوق سيزاحم القطاع الخاص.
لكن بالنسبة لولي العهد، لا يتحرك صندوق الاستثمارات العامة بالسرعة الكافية؛ فهو يريد من الصندوق أن يستثمر حوالي 800 مليار دولار على مدى العقد المقبل؛ أي ضعف مستوى إنفاقه الحالي.
كما أن هدفه يقزم الأصول الحالية لصندوق الاستثمارات العامة، التي تقدر بنحو 400 مليار دولار.
ولزيادة رأس المال، قال “بن سلمان”، في يناير/كانون الثاني الماضي، إن الحكومة قد تبيع حصصا أخرى من أسهم “أرامكو”، وتحويل الأموال إلى صندوق الاستثمارات العامة.
وكان صافي الدخل لـ”أرامكو” بلغ العام الماضي 49 مليار دولار؛ الأمر الذي أجبرها على الاقتراض لدفع أرباح بقيمة 75 مليار دولار (وهو المبلغ الذي ضمنته خلال طرحها العام الأولي).
ويمكن لصندوق الاستثمارات العامة بيع حصص في شركات أخرى إلى السكان المحليين؛ ما يعني أن المستثمرين السعوديين سيمولونه.
وفي مارس/آذار الماضي، وافقت السعودية على اقتراض 15 مليار دولار من بنوك أجنبية، وهي المرة الثالثة منذ 2018 التي تستدين فيها.
صندوق مبادلة
ولا يعد صندوق الاستثمارات العامة الصندوق الوحيد في المنطقة الذي يتطلع إلى النمو السريع.
فقد شهد صندوق “مبادلة”، وهو صندوق ثروة سيادي في أبوظبي، اندفاعا في الإنفاق في عام 2020.
إذ وجه استثمارات كبيرة في شركات التكنولوجيا التي كانت مهيأة للربح أثناء الوباء
ويبحث الآن عن استثمارات جديدة في الولايات المتحدة على أمل الاستفادة من خطة الرئيس “جو بايدن” لإنفاق تريليوني دولار على البنية التحتية.
لكن “مبادلة” كان أكثر حذرا بشأن توظيف رأس المال في الداخل.
فالإمارات لديها مليون مواطن فقط، ومعظم الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكومية مستمدة من قطاعات أخرى غير النفط.
يراهن “بن سلمان” على النقل السريع للثروة؛ فالأموال التي تراكمت لأجيال في خزائن الدولة ستغرق الاقتصاد السعودي خلال عقد من الزمان.
إن الاستعجال مطلوب بعد عقود من تباطؤ عملية صنع السياسات، لكنه رهان محفوف بالمخاطر.
فقد يساعد ضخ المزيد من الاستثمارات صناعات مثل السياحة والتكنولوجيا.
لكن ذلك قد يُفرغ خزائن صندوق الاستثمارات العامة ببساطة لشراء أشياء مكلفة جدا، ولكنها عديمة الفائدة.