اعتبرت أوساط سياسية دولية أن ولي العهد الحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان عمد إلى تكريس تحالفه العلني مع روسيا من جهة ودعم الحزب الجمهوري الأمريكي من جهة أخرى عبر سياسة النفط.
وجاء قرار منظمة “أوبك بلاس” بتخفيض سقف الإنتاج اليومي من النفط بمعدل مليوني برميل يومياً كان مفاجئاً للولايات المتحدة والحلفاء في أوروبا، في لحظة هي الأصعب وهي تدير معركتها ضد روسيا.
لاسيما أن القرار جاء بعد توجه الاتحاد الأوروبي لفرض سقف لسعر النفط الروسي في اطار استخدام ما تملكه من أدوات لإضعاف روسيا، بهدف حرمانها من تمويل الجهد العسكري في أوكرانيا.
كان رد روسيا على ذلك التوجه على لسان نائب رئيس وزرائها الكسندر نوفاك بأنه إذا قررت الدول الغربية تنفيذ هذه الخطوة فإن الشركات الروسية لن ترسل إمدادات النفط الى الدول التي تعتمد هذا السقف.
وعلى أبواب الشتاء تصبح إمدادات النفط في أهميتها تشبه إمدادات الخطوط العسكرية في ميدان المعركة إذا ما تقطعت تلك الخطوط .
بالتأكيد قرار “أوبك بلاس” يصب في صالح روسيا ومباشرة في خدمة المجهود العسكري الروسي الذي بدأ يتعثر بشكل واضح في الأشهر والأسابيع الماضية في الأراضي الأوكرانية، وينسحب من مناطق كان قد سيطر عليها.
ويأتي تهديد روسيا في الفترة الأخيرة باستعمال السلاح النووي كتعبير عن هذا التعثر وتعبيراً عن حالة ضعف، فلو كان الأمر غير ذلك لما ذهبت روسيا في تهديدها نحو السلاح الأخير دون تدرج.
البيت الأبيض الذي يشعر بخيبة أمل وغضب كبيرين من قرار منظمة أوبك أمر بسحب عشرة ملايين من برميل من الاحتياطي الأميركي.
وهذه ليست المرة الأولى في هذه الحرب، فبعد شهر على بدايتها أمر بايدن بسحب مليون برميل لمدة ستة أشهر.
وبات الآن واضحا أنه يجري الضغط على إدارة بايدن أكثر وخصوصاً بعد أن برز الاستقرار اللافت للاقتصاد الأميركي في الأزمة وصعود الدولار وسط هبوط باقي العملات الأوروبية.
تحسباً للأزمة ولمزيد من الضغط جاء بايدن منتصف تموز/يوليو الماضي للسعودية في زيارة ملتبسة بعد تعهده بعدم لقاء محمد بن سلمان المتهم من واشنطن بمقتل جمال خاشقجي، ما اعتُبر تنازلاً أميركياً اقتضته لحظة ضعف فرضتها أولويات الحرب.
حينها لم يأخذ بايدن ما جاء من أجله في رحلته الى الرياض، وتمت بعض الاستجابة الخجولة غير القاطعة والتلكؤ بأن طاقة الانتاج أقل مما تطلبه الولايات المتحدة، وخصوصا أن الخليج أراد أن ينحو بنفسه عن اصطفافات الحرب وتداعياتها.
وخشية السعودية من الظهور بإضعاف روسيا وخشية إغضابها والخوف تحت ردة الفعل دعم الحوثيين بأسلحة كاسرة للتوازن، فقد حرصت ألا تبدو أنها تدعم طرفاً في مقابل الآخر.
لكن الأبرز من ذلك أن السعودية التي تمتاز بعلاقاتها مع الجمهوريين وشهدت أفضل حالاتها في عصر ترامب لا تتوق لمساعدة بايدن والديمقراطيين، وآخر ما تريده هو فوزه بولاية ثانية.
خصوصاً أن الاستطلاعات لم تكن حينها تسير في صالح ساكن البيت الأبيض وحزبه مع تصريحات ترامب نيته الاعلان عن عودته للترشح في الانتخابات التي ستجري بعد عامين.
وردا على توجهات محمد بن سلمان، طالب مشرعون ديمقراطيون في واشنطن بإجراءات انتقامية ضد السعودية بعد قرار منظمة “الأوبك بلس” تخفيض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميا ابتداء من الشهر المقبل.
وقالت مجلة “فانيتي فير” الأمريكية إن المشرعين طالبوا بعقوبات على السعودية لإن قرار المنظمة يعزز موطئ قدم روسيا في سوق النفط العالمية.
وفي رد مشترك، قدم النواب الديمقراطيون توم مالينوفسكي وشون كاستن وسوزان وايلد مشروع قانون، من شأنه سحب القوات وأنظمة الأسلحة الأميركية من السعودية، الزعيم الفعلي لمنظمة أوبك، ومن الإمارات.
وكتب المشرعون الثلاثة: “لطالما اعتمد كلا البلدين على وجود عسكري أميركي في الخليج لحماية أمنهما وحقولهما النفطية”. “لا نرى أي سبب يدعو القوات الأميركية والمقاولين إلى الاستمرار في تقديم هذه الخدمة للبلدان التي تعمل بنشاط ضدنا”، وفق المجلة.
ووصف المشرعون قرار أوبك بأنه “نقطة تحول في علاقتنا مع شركائنا الخليجيين”، مشيرين إلى أن الرياض إن أرادت مساعدة فلاديمير بوتين، فعليها أن تتطلع إليه للدفاع عنها”.
وقال النائب رو خانا، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، لصحيفة واشنطن بوست إن “جو بايدن يجب أن يوضح أننا سنتوقف عن تزويد السعوديين بالأسلحة وقطع الغيار الجوية إذا قاموا بتعزيز قوة بوتين من خلال إجراء تخفيضات كبيرة في الإنتاج”.
وأكد عضو الكونغرس أن السعوديين “يحتاجوننا أكثر بكثير مما نحتاجهم”، وفق ما تنقل المجلة.
ويقترح مشروع القانون الذي حمل عنوان “قانون الشراكة المتوترة”، بحسب صفحة المشرع توم مالينوفسكي الرسمية، فرض نقل القوات الأميركية وأنظمة الدفاع الصاروخي.
ومن شأن مشروع القانون أيضا نقل المعدات وأنظمة الدفاع إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط لغرض حماية القوات الأميركية في أماكن أخرى.
ونقلت “فانيتي فير” أن النائب روبن غاليغو، الرئيس الديمقراطي للجنة الفرعية للقوات المسلحة في مجلس النواب، أعلن موقفا مماثلا، حاثا الولايات المتحدة على سحب بطاريات الدفاع الصاروخي باتريوت، التي أظهرت نتائج في حماية السعودية من الهجمات التي شنت على المنشآت النفطية والناقلات في الخليج العربي.
ويمكن أن يكون خفض أوبك للإنتاج بمثابة نعمة إيرادات لروسيا، ثالث أكبر منتج للنفط في العالم.
وللحد من الموارد التي يمكن أن تضعها روسيا في جهودها الحربية في أوكرانيا، أمضى الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي في التحضير لفرض سقف سعري على واردات الطاقة الروسية إلى دوله الأعضاء.
لكن الانخفاض المفاجئ الذي أعلنته أوبك بنسبة 2٪ في إنتاج النفط العالمي يمكن أن يقاوم هذه الخطة من خلال دفع أسعار النفط إلى الارتفاع وجعل المستهلكين اليائسين أكثر اعتمادا على الغاز الروسي، وفق المجلة.
ويشير قرار مجموعة “أوبك بلاس” خفض إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يوميا، إلى نية المنخرطين فيها الحفاظ على مستوى المعروض في السوق الدولية بما يضمن استقرار الأسعار أو ارتفاعها مجددا بعد انخفاض نسبي شهدته خلال الأشهر الأخيرة.
والسعودية هي أكبر منتج منفرد للنفط داخل أوبك، وتنتج أكثر من 10 ملايين برميل في اليوم.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتي تسببت في ارتفاع الأسعار، كسبت موسكو نحو 120 مليار دولار بفضل صادراتها النفطية، وفقا لتقرير نشره “مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف” ومقره فنلندا، أوائل سبتمبر.