لا تخالف سلطات آل سعود، قواعد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بشن اعتقالات تعسفية بحق المثقفين والمعارضين ونشطاء حقوق الإنسان، بل تعدت ذلك لتخالف ذات القوانين التي نصت على أبسط حقوقهم.
وينص البند 37 من قواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، بحسب مجلس حقوق الإنسان على أنه: يسمح للسجين في ظل الرقابة الضرورية، بالاتصال بأسرته وبذوي السمعة الحسنة من أصدقائه على فترات منتظمة بالمراسلة وبتلقي الزيارات على السواء.
ورغم أن الحقوق المعمولة بها في دول العالم، إلا أن سلطات آل سعود، تحرم مئات المعتقلين السياسيين في سجونها من حقهم في الزيارات والاتصالات أيضا.
وكشف حساب “معتقلي الرأي” في “تويتر”، النقاب عن حرمان سلطات آل سعود الداعية الإسلامي والمفكر د. سلمان العودة، من الاتصال بعائلته خلال أيام عيد الفطر المبارك.
وأكد الحساب الشهير أن الحرمان من الاتصال شمل جميع معتقلي حملة سبتمبر 2017.
ومنذ سيطرة محمد بن سلمان على الحكم بعد صعوده لكرسي ولاية العهد على حساب ابن عمه محمد بن نايف في حزيران 2017 شنت سلطات آل سعود حملات منظمة لاعتقال عدد كبير من تيار الصحوة والدعاة والنشطاء والصحافيين وغيرهم من العائلة المالكة.
ونفذت سلطات آل سعود حملة اعتقالات شرسة داخل المملكة، في سبتمبر/ أيلول 2017م شملت رموز تيار الصحوة من أكاديميين واقتصاديين وكتاب وصحفيين وشعراء وروائيين ومفكرين.
وطالت الاعتقالات علماء بارزين مثل: سلمان العودة وناصر العمر وعوض القرني وعلي العمري، والأكاديمي في المعهد العالي للقضاء عبد العزيز الفوزان، وإمام الحرم المكي صالح آل طالب، والشيخ سفر الحوالي، فضلا عن ناشطين وناشطات ليبراليات.
وتعرض هؤلاء للتعذيب والمعاملة القاسية داخل السجون ومحاكمة عدد قليل منهم ومطالبة نيابة آل سعود العامة بإعدامهم في حين يوجد عدد كبير منهم لم يتم محاكمتهم ولا تعرف أخبارهم.
ومنع نظام آل سعود بقية رموز التيار من الخطابة والكتابة والظهور في وسائل التواصل الاجتماعي، وقام بإجبار عدد من الدعاة، الموالين له أصلاً، بالتوقف عن الحديث في الشأن العام، قبل أن يقوم بجولات اعتقال أخرى لعلماء.
وبعد شهر واحد من حملة اعتقالات سبتمبر قال محمد بن سلمان إنه “سيدمرهم الآن وفوراً”, وذلك خلال مؤتمر الاستثمار السعودي في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، في إشارة إلى “تيار الصحوة”، محملاً إياه مسؤولية التطرف في البلاد.
وفي 15 مايو/ أيار 2018م اعتقلت ذات السلطات ناشطات تصدرن حملات حقوقية للمطالبة بتحسين أوضاع النساء في المملكة، وفي مقدمتها منح المرأة حق قيادة المركبات، وتخفيف ولاية الرجل عليها في شؤون أخرى، أبرزها السفر والتنقل.
وفي أبريل/نيسان 2019، شنت سلطات آل سعود حملة اعتقالات جديدة، استهدفت مؤيدين لحقوق المرأة وكتابا ومثقفين، وذوي ارتباط بالناشطات المعتقلات بالمملكة.
ووثقت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان اعتقال سلطات آل سعود 87 امرأة منذ ولاية سلمان وابنه حكم المملكة (2015-2020).
ولا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها ضد ناشطي حقوق الإنسان، لكنها الأكثر قسوة من بينهم والأوسع نطاقا، حيث كانت هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها السلطات الناشطات استهدافا جماعيا عام 2018.
وذكرت المنظمة الأوربية السعودية أن هناك 50 معتقلة حاليا في سجن “ذهبان” بمدينة جدة، فيما أفرجت السلطات عن ٨ لكن محاكمتهن لا زالت قائمة، و8 نساء أفرج عنهن نهائيا.
وقالت إن مصير واحدة من المعتقلات ما زال مجهولا.
وتوفيت المعتقلة حنان الذبياني داخل سجن “ذهبان” في 10 أكتوبر 2016م، الأمر الذى قوبل بتنديد حقوقي دولي واسع ومطالبات بالإفراج عن معتقلات الرأي.
كما توفى، في إبريل/ نيسان المنصرم الدكتور عبد الله الحامد الذي يطلق عليه لقب “شيخ الحقوقيين” في السعودية، وذلك جراء الإهمال الطبي.
وكتب حساب “معتقلي الرأي” السعودي على تويتر “إنا لله وإنا إليه راجعون.. توفي صباح اليوم الجمعة الدكتور أبو بلال عبد الله الحامد في السجن، وذلك نتيجة الإهمال الصحي المتعمد الذي أوصله إلى جلطة دماغية أودت بحياته”.
وأضاف أن وفاة الحامد في السجن “ليس أمرًا عاديا، فهو اغتيال متعمد قامت به السلطات السعودية بعد أن تركته إدارة السجن في غيبوبة عدة ساعات قبل نقله إلى المستشفى”.
ورأى حساب “معتقلي الرأي” أن “السكوت عن هذه الجريمة قد يتسبب في وفاة آخرين من المعتقلين الأحرار”.
ومؤخرا، قدمت مجموعة حقوقية سعودية، للأمم المتحدة، تقريرا يستعرض الانتهاكات السعودية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة، والذين يتعاونون مع الأمم المتحدة.
وأفادت (منظمة القسط ومجموعة منّا لحقوق الإنسان)، بأن تقريرهما يحتوي معلومات مستجدّة حول سبعة نشطاء تعرضوا للأعمال الانتقامية من قِبل السلطات السعودية خلال 2019م.
والتقرير الحقوقي سيرفد التقرير السنوي للأمين العام عن الأعمال الانتقامية الممارسة ضد الأفراد المتعاونين مع الأمم المتحدة الذي سيقدم لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2020.
وأدرجت المملكة أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة في التقرير السنوي منذ بدء إصداره في 2010، وذلك انعكاسٌ لاستمرارية سياسة السلطات السعودية الرامية لتضييق الخناق على الأصوات الناقدة والحقوقية والمعارِضة وتكميم الأفواه.
ويسلط التقرير الضوء على النسق المستمر من التخويف والأعمال الانتقامية من قِبل سلطات آل سعود ضد المدافعين عن حقوق الإنسان المتعاونين مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
ومن هؤلاء المستهدفين سمر بدوي ولجين الهذلول اللتين تعاونتا مع اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو)، فيما تزال بدوي والهذلول في السجن وتواجهان محاكمةً بتهم من بينها التواصل مع أجهزة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وسبق أن دعت منظمة العفو الدولية آل سعود إلى الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع سجناء الرأي والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان المحتجزين لمجرد ممارستهم السلمية لحريتهم في التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها والتجمع السلمي.