تتعمد سلطات آل سعود تعذيب معتقلي الرأي جسديا ونفسيا وإهمالهم طبيا في عملية قتل بطيء تخالف كافة الأعراف والقوانين الدولية.
من ذلك ما يتعرض له الداعية والأكاديمي عوض القرني الذي أكدت مصادر حقوقية حضر إلى قاعة محاكمته قبل يومين على كرسي متحرك نظراً لتدهور حالته الصحية.
وقد أمضى القرني أكثر من شهرين في المستشفى، إثر الإهمال الصحي المتعمد في السجن، والذي كان أقساه جرعة الدواء الخاطئة التي أعطيت له عمداً.
وكان من المقرر أن تقوم محكمة الجزاء المختصة بقضايا الإرهاب بالنطق بالحكم على عوض القرني والداعية البارز سلمان العودة، أول أمس الخميس، لكن السلطات قررت إعادة سلسلة المحاكمات من جديد بعد طلب النيابة العامة، وهو إجراء تقول عائلة العودة إنه “يستهدف إيذاء ابنها سلمان العودة خصوصا أنه لا يزال في الحبس الانفرادي”.
وكانت سلطات آل سعود اعتقلت عوض القرني وسلمان العودة ضمن ما عرف بـ”حملة سبتمبر” عام 2017 والتي استهدفت تيار “الصحوة” الديني، أكبر التيارات في البلاد على الإطلاق، والذي توعد ولي العهد، محمد بن سلمان، بالعمل على سحقه والقضاء عليه.
وطالبت النيابة العامة في نظام آل سعود بإعدام القرني والعودة إضافة إلى علي العمري، ووجهت لهم عشرات التهم من بينها “الإفساد في الأرض” و”عدم الدعاء لولي الأمر” و”الانضمام لمنظمات محظورة” في إشارة إلى رابطة علماء المسلمين.
وأبدت منظمات دولية متعددة قلقها على ظروف احتجاز القرني والعودة، وطالبت سلطات آل سعود بالإفراج عنهما في أسرع وقت من السجون السعودية التي يعاني المعتقلون فيها من التعذيب الجسدي والنفسي.
ويتعرض المعتقلون في السجن للإهمال المتعمد وعدم السماح لهم بأخذ الأدوية بانتظام، كما هو الحال مع سلمان العودة وعوض القرني.
وقد حول ولي العهد محمد بن سلمان منذ قدومه للسلطة سجون السلطات بالمملكة إلى مسالخ بشرية ومقابر جماعية من يدخلها يتعرض لأسوأ أنواع التعذيب والتنكيل حد الوفاة بفعل سوء المعاملة والإهمال الطبي.
وتوفي العديد من معتقلي الرأي تباعا في سجون سلطات آل سعود منذ قدوم محمد بن سلمان إلى السلطة، منهم: الشيخ فهد القاضي، والشيخ سليمان الدويش، والشيخ أحمد العماري، والكاتب تركي الجاسر، واللواء علي القحطاني.
كما توفى داخل سجون آل سعود: الفنان الشعبي محمد باني الرويلي، والشاب حسن الربح، والشيخ صالح الضميري، وأحمد الشايع، وبشير المطلق، ومحمد رصب الحساوي.
ويعتقد أن هناك أسماء أخرى قد تكون قد توفيت ولم يفصح عنها سلطات آل سعود.
ويستخدم بن سلمان أسلوب القمع مع جميع معارضيه وجميع مواطنين المملكة، إذ أنه يحكم المملكة بقبضة من حديد من خلال حملات الاعتقال التي يشرف عليها ومن خلال التعذيب الجسدي والنفسي الذي يتعرض له المعتقلين داخل السجون.
وشهدت المملكة، خلال العامين الماضيين، اعتقال المئات من النشطاء والحقوقيين، الذين حاولوا -فيما يبدو- التعبير عن رأيهم الذي يعارض ما تشهده المملكة من تغييرات، وسط مطالبات حقوقية بالكشف عن مصيرهم وتوفير العدالة لهم.
وطالبت منظمات دولية عديدة بإجراء تحقيق دولي بظروف معتقلي الرأي في سجون آل سعود لا سيما في ظل ما يتعرضون له من سوء معاملة وتعذيب.
وأعربت المنظمات عن إدانتها الشديدة لسوء أوضاع معتقلي الرأي في المملكة التي تملك سجلا سيئا في معاملة المعتقلين المعارضين للنظام بما في ذلك شبهات تعذيب وإهمال طبي.
كما طالبت بتحقيق دولي مستقل في سوء أوضاع اعتقال المعارضين في سجون آل سعود وتجاهل السلطات في المملكة المطالب الداعية لتوفير الرعاية الصحية لهم ووقف انتهاكات سوء المعاملة وأشكال التعذيب النفسي والجسدي بحقهم.
وسبق أن كشفت المنظمات الحقوقية -وبينها منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش- في تقارير متعددة عن تعرض معتقلي الرأي في سجون آل سعود لأساليب تعذيب مختلفة لا تفرق أحيانا بين سن المعتقل أو جنسه.
وتحدثت المنظمات الحقوقية عن إخضاع سجينات الرأي والناشطات الحقوقيات المعتقلات للمعاملة الحاطة بالكرامة والتحرش الجنسي.
وتختلف التقديرات بشأن عدد معتقلي الرأي في سجون آل سعود في ظل التعتيم الكبير، وفي آخر إحصائية له أشار حساب “معتقلي الرأي” إلى وجود 2613 سجينا سياسيا من جميع الشرائح والفئات يتوزعون على سجون عدة.
ويرجح ناشطون أن يكون الرقم يخص فقط المعتقلين منذ سبتمبر/أيلول 2017، حيث زادت وتيرة الاعتقالات بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العرش في يونيو/حزيران 2017.
وحسب توثيقات حقوقية، فإن أساليب التعذيب في سجون آل سعود -وفق كثير من شهادات المفرج عنهم- كثيرة ومرعبة، ومن أهمها:
الضرب والجلد: يتعرض المعتقل للصفع والضرب بشتى أنواع الوسائل المتاحة من سياط وعصي حديدية وخشبية عليها مسامير، وذلك على مختلف أنحاء الجسم بدءا من الرأس إلى الظهر إلى الذراعين والساقين، ولا تستثنى المناطق الحساسة في الجسم.
الصعق بالكهرباء: يتم ربط جسم المعتقل بأسلاك كهربائية إلى مصدر للكهرباء القوية، ثم يتم تشغيل أقصى طاقة للكهرباء لتمر عبر جسم المعتقل مسببة له آلاما وحروقا، وتتكرر هذه العملية مرات عديدة حتى يفقد المعتقل وعيه، تتم إعادة العملية عدة مرات، وأحيانا يتم رشه بالماء ليصبح جسمه ناقلا ومستقبلا للكهرباء فتتضاعف الآلام والحروق.
التعليق: يتم تقييد يدي المعتقل وقدميه، ثم تعليقه إما من اليدين أو مقلوب الرأس (أي تعليقه من القدمين) لساعات طويلة من دون توقف، وفي الأغلب يصار إلى تعليق المعتقل بعد نزع ثيابه إمعانا في الإذلال، كما يتم رشه بماء مثلج أو إلقاء أوساخ عليه وتركها تسيل على أنحاء جسمه.
خلع الثياب: يجبر المعتقلون على خلع ثيابهم تحت التهديد والصراخ والشتائم، وفي الأغلب يتم إجبار مجموعة من المعتقلين على خلع الثياب أمام بعضهم البعض بشكل حاط للكرامة وما يعنيه ذلك من إذلال وإهانة.
المنع من النوم: يوضع المعتقلون في زنازين قريبة من غرف التعذيب ليسمعوا صراخ من يتعذبون بجوارهم بشكل مستمر، ما يمنعهم من النوم، كما يوضع المعتقل في غرفة فيها إضاءة متحركة أو مصدر صوت متكرر برتابة تكسر الصمت وتنبه اليقظ وتمنع النوم، مثل قطرات ماء تنزل بشكل متواتر كل بضع ثوان بما ينبه الجهاز العصبي ويمنع النوم لأيام متتالية.
الإيهام بالغرق: يتم غمر رأس المعتقل في الماء حتى يقارب على الاختناق ثم يتم إخراجه بعنف، فلا يكاد يستنشق الهواء حتى يتم غمر رأسه مجددا في الماء وهكذا حتى يفقد المعتقل وعيه، وفي الأغلب يستخدم ماء مثلج ومتسخ في الوقت ذاته من أجل زيادة الألم.
إطفاء السجائر في الجسم: يقوم السجان أو المحقق بإحراق أجزاء من جسم المعتقل -بما فيها المناطق الحساسة- من خلال إطفاء سيجارة مشتعلة فيه، وهذه الطريقة بالطبع تترك آثارا دائمة على الجسم، لدفع المعتقل إلى الاعتراف بتهم لا علاقة بها.
الإهمال الصحي المتعمد: مع عمليات التعذيب التي يتعرض لها وتترك ندوبا جروحا وأحيانا كسورا يُلقى المعتقل في زنزانة خالية من جميع الشروط الصحية (التهوية، أشعة الشمس..) فتتفاقم حالته، ولا يتلقى أدوية أو مسكنات، ولا يسمح لطبيب السجن بالكشف عليه إلا إذا تعكرت حالته جروحه، وهو ما تسبب بتشوهات وإعاقات للكثيرين.
قلع الأظافر: أشار بعض المعتقلين المفرج عنهم إلى أن السجانين يعمدون إلى استعمال الكماشات لقلع أظافر السجناء كشكل من أشكال التعذيب، كما يستهدفون الأظافر خلال ضرب السجين لإحداث أكبر ألم ممكن.
العناق والتقبيل القسريان: نقلت منظمة العفو الدولية عن مصادرها أن بعض السجينات تعرضن لتحرش جنسي والعناق والتقبيل القسريين من قبل سجانين ملثمين، لكنها لم تكشف عن هويات النساء خوفا من تعرض مصادرها للانتقام.