قال موقع “ميدل إيست آي” البريطاني إن سلطات آل سعود تزيد معاناة المسلمين من أقلية الروهينغا المسلمة عبر اعتقالهم وترحيلهم.
وأورد الموقع قصة الروهينغي محمد فاروق الذي خسر كل شيء بعد سنوات من العمل الشاق في المملكة، ليجد نفسه أخيرا في تلال بنجلاديش كلاجئ بعيداً عن وطنه ومنزله في ميانمار.
ومثل المئات من الروهينجا الآخرين، غادر فاروق موطنه مكرهاً متوجهاً إلى السعودية، بعد أن اضطروا لرشوة بعض المسؤولين في بنجلاديش لمنحهم جوازات سفر، حيث قيل لهم إنهم سيجدون ملاذاً وفرصة في السعودية بموجب قانون للملك السابق “عبدالله بن عبدالعزيز”.
لفترة من الوقت، تمتع فاروق بالقليل من حرية العمل وكسب المال مستفيدا من لغته الإنجليزية، وبدأ بإرسال أمواله إلى عائلته لكي تخرج من الفقر، ولكن الاسرة فقدت كل شيء عندما أجبر الجيش البورمي الروهينجا على الفرار إلى بنجلاديش، في حملة وصفتها الأمم المتحدة بأنها ابادة جماعية.
وبعد ذلك بوقت قصير، احتجزت شرطة الهجرة في المملكة فاروق وأرسلته إلى مركز احتجاز الشميسي، المليء بالروهينجا وغيرهم من المهاجرين.
ووصف فاروق ما جرى بأن الشفقة والإنسانية انتهت في المملكة بعد وفاة الملك عبدالله، مشيرا إلى أن سياسات ولي العهد محمد بن سلمان جعلت من الصعب على الروهينجا الحصول على تصاريح إقامة ومعاقبة أي شخص لم يفعل ذلك، على الرغم من الحماية التي سبق منحها للأقلية المسلمة بسبب انعدام حصول أفرادها على الجنسية، إذ تعتبرهم حكومة ميانمار “مهاجرين غير نظاميين” من بنجلاديش، فيما تصنفهم الأمم المتحدة بـ”الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم”.
ومنذ 25 أغسطس/آب 2017، يشن الجيش في ميانمار وميليشيات بوذية متطرفة، حملة عسكرية ومجازر وحشية ضد الروهينجا في إقليم أراكان.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قرارا يدعم حقوق اللاجئين الروهينجا المسلمين والأقليات في ميانمار.
وتتعرض أقلية الروهينغا المسلمة إلى حملة التطهير مروعة ينفذها الجيش البورمي منذ عام 2017 ويمارس خلال ذلك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ما أجبر مئات آلاف من أفراد الأقلية على الفرار.
وظن مئات ممن نجوا بأرواحهم أن لجوئهم إلى المملكة العربية السعودية حيث أرض الحرمين ومهد الإسلام سيخلصهم من جحيم ما لقوه لكن وجدودا جرائم آل سعود بانتظارهم ولا ترحمهم.
وسبق أن تم الكشف عن إضراب أكثر من ألف محتجز من مسلمي الروهينغا عن الطعام داخل مركز الشميسي في المملكة، وإساءة معاملتهم وانتهاك حقوقهم الإنسانية والتهديد بإبعادهم إلى ميانمار أو بنغلاديش.
ووثق هذه الانتهاكات الكاتب المتخصص بفض النزاعات والإرهاب الأسترالي سي جي ويرلمان، في مقال أوردته صحيفة “”بايلاين تايمز”، بناء على اتصالات قام بها مع سجين من مسلمي الروهينغا يسمى فيصل ثار ثكين أوائل شهر إبريل/ نيسان، وهو شاب يبلغ من العمر 20 عاما، تم احتجازه مع والديه في مركز الشميسي منذ عام 2013.
ولم يخف السجين في الشهادة التي جاءت على لسانه، أنه أصبح يفضل الموت على العيش داخل مركز احتجاز سعودي، ويرفض استمرار اعتقاله المفتوح هو وأقرانه، وتهديد السعودية بإبعادهم إلى ميانمار أو بنغلاديش.
ونقل الكاتب عن السجين الروهينغي، قوله: “نقوم بهذا الإضراب عن الطعام احتجاجا على استمرار اعتقالنا، ولمطالبة الحكومة بإطلاق سراحنا، أو منحنا الإقامة، حتى نتمكن من العمل في السعودية لتوفير المعيشة لنا ولعائلاتنا”.
وقدّم الكاتب وصفا لمركز الاعتقال، الشميسي، قائلا إنه مجمع شاسع، يمتد على مساحة 2.5 مليون متر مربع، على الطريق الذي يصل مدينة جدة بمكة المكرمة، ومصمم ليضم أكثر من 30 ألف مهاجر غير مسجل، ينتظرون الإبعاد من السعودية.
وقال إنّ “الحياة داخله تحولت من سيئة إلى أسوأ، إلى مخيفة، لحوالي ألف من لاجئي الروهينغا المسلمين، الذين أصبح الشميسي بالنسبة لهم مكان إقامتهم المؤقت بينما ينتظرون البت في مصيرهم الغامض”.
ووفقا للمصدر نفسه، فإن السلطات السعودية أنهت الإضراب بعد أسبوعين من بدايته، باستخدام وسائل التعذيب، لإكراه اللاجئين المحتجزين على قبول وجباتهم.
وقال ويرلمان: “وصف لي ثكين كيف رد الحرس السعوديون على الإضراب عن الطعام بإزالة فرشاتهم ووسائدهم وبطانياتهم، وأجبروهم على قضاء ساعات في الخارج في الشمس دون أي ظل، وفي فيديو أرسله لي، يظهر حوالي 10 أشخاص من الروهينغا يحاولون النوم معا على أرض إسمنتية في غرفة مكتظة، ليست لها نوافذ”.
وأفاد ويرلمان بأن انتهاكات السلطات السعودية لم تتوقف عند إهمال احتجاجات المحتجزين الروهينغا فحسب، لكنها أيضا تحدّت دعوات الأمم المتحدة لمنحهم اللجوء، إذ تم تكبيل العشرات منهم واقتيادهم إلى مطار جدة الدولي للإبعاد. وأكد الكاتب الأسترالي أن معاملة لاجئي الروهينغا في السعودية تفتقد للرحمة، كما أن “ترحيل الناجين من الإبادة الجماعية إلى بنغلاديش أو ميانمار أمر غير معقول على الإطلاق”.
وبيّن أن السجين الروهينغي ثكين حرم من والديه عندما كان عمره 14 سنة، ولم تسمح له الشرطة السعودية برؤيتهما ولو لمرة واحدة خلال 6 أعوام، بسبب حمله جواز سفر مزورا، بعدما قامت السعودية بتطبيق نظام هجرة يعتمد على البصمة لملاحقة اللاجئين الذين يفتقدون إلى الوثائق.
وذكر أن “ثكين كان قد قضى في البلد سنة حينها، فقد انضم إلى أبويه اللذين فرا من ميانمار عام 2004، بعد قيام الجيش والمليشيات البوذية المتطرفة بتدمير المساجد والمدارس الدينية في أنحاء البلاد، وترك حينها بعهدة أخته الأكبر منه، ليستطيعا تجميع ما يكفي من المال لجلبه من ميانمار، وهو ما فعلاه في عام 2012”.
وأضاف أن “والديه حصلا على الإقامة في السعودية بعدما باعا ممتلكاتهما في ميانمار، للحصول على جوازات سفر مزورة من مهرب للبشر، وقبل أن يتم تطبيق نظام البصمة للهجرة عام 2011”.
أما الروهينغا الذين وصلوا إلى السعودية بعد عام 2011 فقد كانوا غير محظوظين بتاتا، وفقا لما نقله ويرلمان عن المدون والمنسق لتحالف “حرروا الروهينغا”، روي ناي سان لوين، الذي أشار إلى أنهم “لم يستطيعوا الحصول على الإقامة وكان عليهم البقاء بشكل غير قانوني، وكثيرون منهم تم اعتقالهم على نقاط تفتيش مختلفة، أو خلال مداهمات، لأن بصماتهم سجلت بناء على جوازات السفر التي كانوا يحملونها لدى وصولهم”.
ويقول ويرلمان إن “هذه ليست هي المرة الأولى التي يسلط فيها الضوء على إساءة معاملة السعودية للاجئين الروهينغا وانتهاك حقوقهم الإنسانية، لافتا إلى نشر موقع “ميدل إيست آي” تسجيلا مرئيا مسربا من مركز الشميسي يظهر أدلة على هذه الانتهاكات، ويسمع فيه شخص من الروهينغا يقول: “لم نعد نملك سوى قتل أنفسنا”.
وبناء على حديث جمع بين ويرلمان والمتخصص في حقوق الإنسان في المنظمة غير الحكومية الدولية “فورتيفاي رايتس” جون كوينلي، شرح له هذا الأخير كيف تنتهك السعودية القانون الدولي عندما تعامل اللاجئين وكأنهم مجرمون، داعيا إلى حماية الناجين من الإبادة الجماعية وليس سجنهم إلى أجل غير مسمى في مراكز احتجاز، كما طالب الحكومة السعودية بضرورة إنهاء احتجاز اللاجئين الروهينغا.. وتسوية وضعهم القانوني، ومنحهم حرية الحركة واستخدام الخدمات الطبية والتعليمية.
ووفقا للكاتب الأسترالي، فإنّ “السعودية تظهر مقاومة عنيدة لضغط المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، التي أعربت من خلال مقررها الخاص عن إدانتها لسوء معاملة السعودية للاجئين الروهينغا في يناير/كانون الثاني، وهو الشهر ذاته الذي قامت فيه السعودية بإبعاد 12 منهم إلى بنغلاديش”.
ويرفض كاتب المقال “إبعاد الناجين من الإبادة الجماعية للروهينغا إلى بنغلاديش أو ميانمار، خصوصاً أن هؤلاء اللاجئين ليسوا مسؤولية بنغلاديش، وفي وقت لا تزال فيه الإبادة مستمرة في ميانمار”. ويقول إن “الحجج والأدلة تشير إلى أن ميانمار جددت حملة التطهير لنصف مليون من الروهينغا بقوا في البلد، مستخدمة حجة مهاجمة جيش أركان الانفصالي لمهاجمة قرى الروهينغا”.
ويوضح الكاتب الأسترالي في نهاية مقاله أنّ السجين الروهينغي ثكين “لا يريد سوى أن يكون مع والديه، اللذين يعيشان في مخيم لاجئين في مكة، على أن يبحث لاحقا عن وظيفة وزوجة ويتمكن من تأسيس حياته من جديد، لقد قال لي وهو ينفجر باكيا: أفتقد أمي كثيرا”، متابعا “لقد سرقت منه ميانمار طفولته، فيما سلبت السعودية سنين مراهقته، ويجب أن لا يسمح لأي منهما بحرمانه من مستقبله”.