يصدر نظام آل سعود مصالحه في المكانة والنفوذ على حساب أزمات الأمة الإسلامية وجهود توحديها وهو ما اتضح جليا في قمة خمس دول وعشرات المنظمات انعقدت في كوالالمبور.
إذ أن نظام آل سعود الذي حاول إفشال القمة بتغييب اثنين من قيادات دول ذات ثقل ويعول عليهما في المشروع الوحدوي المأمول مارست ضغوطا إعلامية ودبلوماسية كبيرة أثناء انعقاد القمة من أجل إخراج المجتمعين، على أقل تقدير من غير إسناد شعبي دفع من أجل استكمال الأهداف التي وضعت للقمة قبل انعقادها.
والواضح أنه لا ضير من أن تدهس أمة الــ 1.7 مليار مسلم مشاكل الفقر والظلم والعوز حتى يظل آل سعود على عرش قيادته الزائف مستمر في تدجين تلك الأمة وتركيع شعوبها.
وقد انتهت قمة حجر المياه الراكدة في كوالالمبور بقليل من المأمول، وكثير مما يجب البناء عليه، فالمساحات واسعة، والعمل كثير، والجهد قليل، والخرق اتسع على الراقع.
انعقدت القمة في ظل تحديات كثيرة منها ما كان توقيته مقصودا، ومنها ما كان سابقا على القمة لكن وتيرته تزايدت كي يظهر القمة عاجزة عن حل مشكلات المسلمين، ومن ثم قتل حلم أمة في إيجاد قيادة تدير مشاكلها، حتى ولو بحلول جزئية تخفف العبء عن أمة أصبحت في مرمى كل شذاذ الأرض وأراذلها، فما كان ليُعجل بإصدار قانون الجنسية في الهند، الذي سيتضرر منه ملايين المسلمين، إلا من أجل وضع حجر جديد أمام القمة المشغولة بعشرات المشاكل، وكذلك الأمر بالنسبة لتصعيد السلطات الصينية الانتهاكات ضد الإيجور في تركستان الشرقية تزامنا مع انعقاد القمة إلا لنفس السبب.
القمة انعقدت بالأساس لوقف النزاعات القائمة منذ زمن طويل في إقليم كشمير وفي الشرق الأوسط والأوضاع في سوريا واليمن ورفع المعاناة عن الأقلية المسلمة الروهينجية في ميانمار، ووضع آليات لمكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم، وهو ما اتفق عليه زعماء كل من تركيا وماليزيا وباكستان أثناء انعقاد الدورة الــ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، آملين أن تكون القمة نواة للوحدة الإسلامية التي استهلكتها المناكفات السياسية والمصالح الضيقة والاصطفافات المتباينة في دول المنطقة، مع ذلك لم تشفع النوايا الحسنة تلك عند من أراد الزعامة رغم أن كل التجارب التي خاضها في هذا الشأن كانت مخيبة للآمال، بل على العكس كانت قراراته دوما ضد مصلحة الأمة وتترك آثارها لأزمنة بعيدة منها ما نعيش فيه الآن.
لقد سعت المملكة إلى إفشال القمة منذ اللحظة الأولى التي أعلن عن موعد انعقادها، ولم يكن ضغطها على باكستان من أجل ثنيها عن المشاركة في قمة كوالالمبور إلا واحدة من خطة إفشال القمة.
فبحسب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في تصريحاته الصحفية في ختام القمة، فإن نظام آل سعود هدد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بطرد 4 ملايين عامل باكستاني من المملكة، بل وسحب ودائع واستثمارات بالمليارات من باكستان في حال حضر عمران القمة.
لكن ما قاله الرئيس التركي لم يكن إلا واحدة من محاولات آل سعود لسحب البساط من الدول الخمس الإسلامية بالإضافة إلى إيران، ولو كانت محاولات المملكة في ذلك تستهدف إيران لكان الأمر مقبولا، لكن الأمر استهدف مخرجات القمة قبل حتى أن “يخطأ” رئيس الوزراء الماليزي ويدعو إيران، على الرغم من أن الرجل أكد لمقربين حضروا القمة وعلى صلة وثيقة بما خطط لها، بأن الهدف من إدخال إيران إلى القمة هو تحجيمها لا إنقاذها كما ظن البعض.
هذا الدور الذي لعبه آل سعود في إثناء عمران خان عن حضور القمة الإسلامية المصغرة، لعبه أيضا مع اندونيسيا، وهو ما جعل الرئيس الاندونيسي يتراجع عن المشاركة، وإيفاد نائبه، لكن حتى ذلك لم يكن ليرضي مملكة البترول، فلم يحضر حتى نائب رئيس اندونيسيا إرضاء للملكة، على أمل توفيق الأوضاع مع اندونيسيا فيما يخص العمالة والاستثمارات.
لكن المملكة ومن خلفها الإمارات، لم تكن لترضى لهذه الأمة أن تجد لنفسها مخرجاً من أزماتها، فعلى الرغم من دعوة مهاتير محمد لنظام آل سعود للحضور في القمة كعضو مراقب، وإجرائه اتصالا هاتفيا مع العاهل السعودي الملك سلمان في هذا الشأن، إلا أن الرياض رفضت القمة وما سيسفر عنها رفضا قاطعا، وهو الرفض الذي تشابه كثيرا مع الموقفين الإسرائيلي والأمريكي.
ففي ورقة تقدير موقف أصدرها يوني بن مناحيم الباحث في مركز القدس لدراسة المجتمع والدولة انتهت إلى أن القمة ستسفر عن مواقف معادية لإسرائيل ولاسيما في كل ما يتعلق بالتعاطي مع الشعب الفلسطيني وقضيته، بسبب توجهات الدول الممثلة في القمة من تل أبيب، في ظل هجوم ماهتير محمد على منظمة التعاون الإسلامي لعدم إقدامها على تحركات جدية لمساندة القضية الفلسطينية والوقوف ضد العدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو في الداخل الفلسطيني، وهو الموقف الذي لا تحب المملكة أن تظهر في خلفيته مع التقارب الكبير في الفترة الأخيرة بين الرياض وتل أبيب.