آل سعود يغرقون في مستنقع اليمن
بعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات شمالية عدة في سبتمبر/أيلول 2015، أعلنت الرياض إطلاق “عاصفة الحزم” لاستعادة الشرعية، غير أن المطاف انتهى بها في “مستنقع اليمن”، متكبدة خسائر في الأرواح والعتاد، فضلا عن استهداف مواقع حيوية عسكرية ونفطية داخل المملكة.
في حين أن الرياض اعتقدت أنها حربا خاطفة لن تستغرق سوى بضعة أشهر للقضاء على جماعة متمردة، ها هي المملكة تتجرع كأس الحرب التي شنتها ضد مليشيات الحوثي، فترتد تلك الحرب عليها خسائر عسكرية واقتصادية لم يُفصح بعد عن أبعادها.
وكانت قد كشفت جماعة الحوثي السبت الماضي عن تنفيذها مؤخرا عملية عسكرية كبرى في محور نجران بالمملكة، أطلقت عليها اسم “نصر من الله”، سقط خلالها ثلاثة ألوية عسكرية وآلاف الأسرى، بينهم مئات السعوديين من الجنود والضباط.
وفي ظل غياب تقديرات رسمية أو شبه رسمية سعودية عن الخسائر التي تتكبدها في حربها باليمن، ذكر موقع “راصد اليمن” المقرب من الحوثيين أن قواتهم دمرت أكثر من 170 دبابة في مناطق جازان ونجران وعسير، وهي المناطق المتاخمة للحدود اليمنية.
كما دمرت جماعة الحوثي 32 دبابة وثلاثين مدرعة وأكثر من مئة آلية مختلفة، إضافة إلى طائرتي أف 16 اعترفت الرياض بواحدة منها، في حين ذكرت أن الأخرى سقطت نتيجة خلل فني، وأسقطت الجماعة ثلاث مروحيات حربية من نوع أباتشي في المناطق الحدودية وثلاث طائرات استطلاع.
وفي مايو/أيار العام الماضي، أعلنت سلطات آل سعود مقتل 12 جنديا سعوديا في أسبوع واحد، جراء مواجهات حدودية مع الحوثيين، كما ذكرت وسائل إعلام سعودية أن ما لا يقل عن ألف جندي سعودي قتلوا منذ بداية الحرب في مارس/آذار 2015 وحتى أواسط العام الماضي، في حين تقول مصادر مناهضة للحرب إن الرقم أكبر من ذلك بكثير.
وكانت وسائل إعلام سعودية قالت في بداية عاصفة الحزم إن تكاليف الحرب التي شنتها الرياض ضد تمرد الحوثيين على الحكومة الشرعية؛ قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات شهريا، مشيرة إلى أن تلك التكاليف لن تشكل عبئا على ميزانية الدفاع والأمن السعوديين.
وذكرت تقديرات تشير إلى أن الرياض قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهريا على الضربات الجوية باستخدام مئة طائرة، كما أشارت إلى أن الحملة الجوية التي قد تستمر أكثر من خمسة أشهر ربما ستكلف المملكة أكثر من مليار دولار.
وحسب تقارير سعودية، فإن تكلفة الطائرات المشاركة بالحرب تصل إلى نحو 230 مليون دولار شهريا، تشمل التشغيل والذخائر والصيانة، أي أكثر من ثمانية مليارات دولار في ثلاث سنوات فقط.
وإذا كانت الدفاعات الجوية للحوثيين تمثل نقطة ضعفهم في الحرب، فإنها استطاعت -مساعدة إيران كما تقول السعودية- أن تنقل المعركة إلى الداخل السعودي عبر استهدافها بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة كبدتها خسائر بشرية واقتصادية.
وتعتمد الرياض على صواريخ الباتريوت الأميركية كمنظومة دفاع جوية لصد صواريخ الحوثي الباليستية، وتبلغ تكلفة صاروخ الباتريوت ثلاثة ملايين دولار، ويستلزم إسقاط صاروخ باليستي ثلاثة صواريخ باتريوت على الأقل.
وفي أبريل/نيسان من العام الماضي، صرح المتحدث باسم التحالف السعودي الإماراتي العقيد تركي المالكي بأن الحوثيين أطلقوا 119 صاروخا باليستيا على المملكة، أي أن اعتراض تلك الصواريخ فقط يكلف الرياض عشرات الملايين من الدولارات.
ونشر موقع فورين بوليسي على الإنترنت تقريرا في ديسمبر/كانون الأول 2016 ذكر فيه أن الحرب في اليمن كلفت الرياض 5.3 مليارات دولار فقط من ميزانية الدفاع خلال عام 2015.
وأضاف الموقع أن الرياض بدأت بيع أصولها في الأسواق الأوروبية، مشيرا إلى تقديرات أعدتها رويترز ذكرت فيها أن المملكة تنفق 175 مليون دولار شهريا للتفجيرات في اليمن، وخمسمئة مليون دولار إضافية للتوغلات البرية، كما أجبرت هذه النفقات غير المتوقعة الرياض على بيع 1.2 مليار دولار من حيازاتها البالغة 9.2 مليارات دولار في الأسهم الأوروبية.
كما كانت لحرب اليمن أيضا آثار غير مسبوقة على الاحتياطات الأجنبية السعودية، فخلال عام 2015 فقط، انخفضت الاحتياطات الأجنبية السعودية من 732 مليار دولار إلى 623 مليار دولار في أقل من 12 شهرا.
ولم تعد تهديدات الحوثيين العسكرية على الحدود الجنوبية، وإنما باتت الرياض مهددة في قلبها ومنشآتها الحيوية، خاصة النفطية منها، إلى جانب المطارات.
فإلى جانب الخسائر العسكرية، استهدف الحوثيون منشأتي بقيق وخريص التابعتين لشركة أرامكو شرقي المملكة بطائرات مسيرة، وتعد المنشأتان القلب النابض لصناعة النفط في المملكة، إذ يصل إليهما معظم الخام المستخرج للمعالجة، قبل تحويله للتصدير أو التكرير، وأدت الضربات إلى خفض إنتاج المملكة من النفط الخام بمقدار 5.7 ملايين برميل في اليوم، وهو ما يعادل نصف إنتاج الدولة من النفط تقريبا.
وفي حين صرح ولي العهد محمد بن سلمان أكثر من مرة بأن اجتياح صنعاء وتخليصها من الحوثيين لن يستغرق سوى أيام وبالقوات السعودية فقط، تقول الوقائع على الأرض إن مليشيا متمردة استطاعت تكبيد رابع أكبر دولة في العالم إنفاقا على السلاح خسائر المخفي منها أضعاف ما هو معلن.