يجمع مراقبون على أن ولي العهد محمد بن سلمان في صراعه من أجل الظفر بالعرش في المملكة يقوض مستقبل عائلة آل سعود من خلال حربه التي يخوضها على كبار الأمراء.
ومؤخرا كشفت صحيفة واشنطن بوست بالاستناد إلى مصادر سعودية وأميركية أن لجنة مكافحة الفساد التابعة لمحمد بن سلمان، توشك على الانتهاء من تحقيق مُفصل في مزاعم فساد وخيانة بحق ولي العهد السابق، محمد بن نايف، بعد مرور أربعة أشهر على اعتقاله.
وتعد هذه الخطوة، في حال حصولها، أول حدث بهذا الحجم في السعودية وداخل عائلة آل سعود التي بقيت متماسكةً أمام كل الهزات والامتحانات التي عرفتها المملكة منذ تأسيسها.
وقبل أن يصل الملك سلمان إلى عرش المملكة في يناير/ كانون الثاني 2015، كان هناك مركزان للقوة في السعودية، هما وزارتا الداخلية والحرس الوطني.
ولذلك قرر الملك سلمان ضربهما كي يمهد الطريق لنجله محمد الذي عينه وليا للعهد عام 2017، بعدما أزاح محمد بن نايف من المنصب الذي كان قد عينه فيه عام 2015.
وأثارت هذه الخطوة ردود فعل غاضبة في الأوساط السعودية، وخصوصا ضمن العائلة المالكة التي حافظت على قدر كبير من التوازن داخلها، والتي لم تصل، على الرغم من صراعات داخلية كثيرة، إلى حروب علنية فيها على قدر من الشراسة التي شنها سلمان ونجله ضد أقرب الإخوة.
وقد بدأ سلمان بتصفية نفوذ شقيقه الملك الذي سبقه على العرش عبد الله الذي بنى جهاز الحرس الوطني على مدى خمسة عقود حتى حوّله إلى جيش خاص يتفوق على الجيش الرسمي، ووضع على رأسه في عام 2010 نجله الثالث متعب الذي كان أحد المرشحين لعرش المملكة.
وقد أطاح بن سلمان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 بالأمير متعب، ومن بعد ذلك كان أحد ضيوف فندق ريتز كارلتون الذي اعتقل فيه بن سلمان غالبية أمراء الأسرة السعودية.
وسبق إبعاد الأمير متعب إعفاء أخويه مشعل وتركي من منصبيهما، أميرين على منطقتي مكة والرياض، عام 2015، وبذلك تم ضرب هذا المركز والسيطرة عليه.
وفي المركز الثاني، وزارة الداخلية، كان يتمترس محمد بن نايف الذي ورث الوزارة عن والده نايف عبد العزيز، أحد السديريين السبعة، والذي يعود له دور بناء الوزارة منذ تسلمها في عام 1975.
ولكن يسجّل لنجله محمد إنجاز تحقيق النصر في الحرب ضد تنظيم القاعدة منذ هجمات “11 سبتمبر” في 2001، والتي تأجّجت بقوة داخل السعودية، ووصلت إلى الذروة في مايو/ أيار 2003، عندما هاجم عناصر من “القاعدة” مجمّعا سكنيا يسكنه أجانب في الرياض، فقتلوا 35 شخصا، بينهم عشرة أميركيين، وهو الحادث الذي هرع على أثره مدير “سي آي إيه” آنذاك، جورج تينيت، إلى الرياض، لعقد اجتماع عاجل مع ولي العهد في حينه، عبد الله بن عبد العزيز، حذّره فيه من أن العائلة المالكة تواجه تهديدا خطيرا.
ويومها أوكل الأمير عبد الله الملف إلى محمد بن نايف بحضور والده. ويشهد الأميركيون على نجاح بن نايف في إنجاز مهمة القضاء على القاعدة في السعودية خلال ثلاث سنوات، واتّبع لذلك أسلوبي الحزم والمناصحة.
ويعترف تينيت في كتابه “في مركز العاصفة”، الذي نشر عام 2007، بدور بن نايف، ويقول إنه “شخصٌ طورنا فيه قدرا كبيرا من الثقة والاحترام، وإن نجاحات عديدة في تفتيت القاعدة في المملكة هي نتيجة جهوده الشجاعة”.
يجزم العارفون بالشأن السعودي أن تصفية إرث الملك عبد الله والأمير نايف ليس بهذه السهولة. وعلى الرغم من أن محمد بن سلمان يتصرّف على أساس أن الوضع استتب له بعد ضرب هذين المركزين، فهناك جمرٌ كثير يعتمل تحت الرماد، فالحرس مؤسسة موازية عمرها نصف قرن، وبناها الملك عبد الله لتكون موالية له، وكذلك الداخلية التي بناها الأمير نايف.
ولذلك يرجّح أن تكون لمحاكمة بن نايف انعكاسات سلبية جدا على بن سلمان الذي يحضر نفسه لاعتلاء العرش، فيما يبقي الخطر الجسيم يهدد مستقبل عائلة آل سعود بفعل تهور الأمير الطائش.