تظهر الإحصائيات الرسمية تضاعف مديونية المملكة 16 ضعفا في عهد الملك سلمان وأبنه ولي العهد محمد الذي روج طويلا لخطط اقتصادية وتعهدات تحولت إلى سراب ضمن رؤية 2030.
وتقف حرب اليمن العبثية ودعم الميليشيات في ليبيا وسوريا ومناطق أخرى على رأس أسباب تفاقم عجز اقتصاد المملكة فضلا عن تبذير أموال المملكة على توافه الأمور، إضافةً إلى انخفاض أسعار النفط (التي كانت بسبب حماقة بن سلمان) كل ذلك أدى إلى وقوع المملكة بهذه الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ومؤخرا أن أعلنت وزارة المالية في نظام آل سعود نهاية الشهر الماضي، أنّ المملكة باعت صكوكاً (سندات دين إسلامية) محلية بقيمة 15.568 مليار ريال (4.15 مليارات دولار)، في مارس/ آذار الماضي.
وبلغ الدين العام للمملكة 678 مليار ريال (181 مليار دولار)، حتى نهاية 2019، يشكل 24% من الناتج المحلي، حسب بيانات رسمية
وتقف عدة اعتبارات وراء مواجهة المملكة أسوأ أزمة مالية في تاريخها تشمل أزمة انخفاض النفط وأزمة جائحة فيروس كورونا فضلا عن فشل خطط ولي العهد محمد بن سلمان وخطته المعروفة باسم رؤية 2030.
وقرر نظام آل سعود منذ أيام وقف صرف بدل غلاء المعيشة لمواطنيها بدءاً من يونيو/ حزيران المقبل، وزادت نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءاً من يوليو/ تموز 2020.
وتأتي هذه الإجراءات استكمالاً للقرارات المتخذة مسبقاً بخفض الإنفاق في الميزانية بنسبة 5% وتجميد نشاطات وإلغاء أخرى، للحد من تفاقم الآثار السلبية لأزمة كورونا من مختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والاقتصادية على البلاد.
وتبلغ قيمة الإجراءات التقشفية بالمملكة نحو 100 مليار ريال (26.66 مليار دولار)، شملت إلغاء أو تمديد أو تأجيل بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي.
لكن قد لا يقتصر الأمر على وقف بدل الغلاء وزيادة ضريبة القيمة المضافة وإلغاء بعض المشروعات، وإنما قد تطاول الإجراءات التقشفية رواتب الموظفين، حيث كشفت الحكومة، الأسبوع الماضي، عن “تشكيل لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية التي تصرف لجميع العاملين والمتعاقدين.. والرفع بالتوصيات خلال 30 يوماً”.
وهوت عائدات تصدير النفط خلال الربع الأول بنسبة 24% على أساس سنوي إلى 34 مليار دولار، وتراجعت الأصول الاحتياطية للمملكة إلى أدنى مستوى منذ 9 سنوات، إلى 473.3 مليار دولار.
وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، في الأول من مايو/ أيار، النظرة المستقبلية للمملكة من “مستقرة” إلى “سلبية”، بسبب المخاطر التي يمكن أن تواجهها المملكة من جراء تذبذب أسعار النفط الناتج من أزمة كورونا، ومن عدم اليقين الناتج من تعامل المملكة للتخفيف من آثار هذه العوامل، من خلال موازنة الديون والإيرادات النفطية.
وفي مارس/آذار الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من اندثار ثروات المملكة في عام 2035، إذا لم تتخذ “إصلاحات جذرية في سياساتها المالية” التي ترتكز أساساً على عائدات النفط مثل باقي دول الخليج، التي توقع أن تندثر أيضاً ثرواتها في سنوات متفاوتة، لتكون البحرين الأقرب إلى هذا السيناريو عام 2024.
من جهتها قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، في مقال تحليلي إن تفشي فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط تسببا معاً في إرهاق المملكة وووضعها أمام أسوأ أزمة مالية منذ عقود.
وتسببت الأزمتان في آلام غير معتادة في جميع أنحاء المملكة، بحسب تعبير الصحيفة، بما في ذلك بين العاملين في القطاع الخاص وأصحاب الأعمال الذين يراهن عليهم بن سلمان لتوجيه الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط.
ووضع عجز الموازنة الآخذ في الاتساع الحكومة أمام المهمة الصعبة المتمثلة في محاولة تخفيف الإيرادات، وكبح الإنفاق، وتقديم الدعم المالي للسعوديين.
وجاءت بعد ذلك إجراءات التقشف المؤلمة التي فرضتها الحكومة في وقت سابق من هذا الأسبوع، بما في ذلك زيادة ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف مما يهدد بمزيد من الصعوبات وربما الاستياء على نطاق أوسع.
وعندما انتشر الفيروس في مارس/آذار، تزامن ذلك مع اعتقال ولي العهد لكبار أفراد من العائلة المالكة ومع حرب نفطية بين السعودية وروسيا تسببت في انخفاض أسعار النفط الخام وتسببت في حدوث شقاق بين المملكة وإدارة ترامب.
ومع ذلك كافحت حكومة آل سعود التي نالت الثناء لاستجابتها السريعة للوباء، لاحتواء انتشار الفيروس الذي أصاب أكثر من 40 ألف شخص في المملكة حتى الآن. ولكن مع تفاقم التفشي، أصبحت القطاعات الاقتصادية المتوسعة حديثًا مثل السياحة والترفيه خاملة.
وقالت كارين يونغ، وهي خبيرة الاقتصاد السياسي في منطقة الخليج بمعهد “أميركان إنتربرايز”، إن الحديث الصريح لوزير المالية وإجراءات التقشف الجديدة هي أحدث إشارة للعموم بأن “الأوقات تغيرت”. وتابعت “يبدو المستقبل مختلفا. ستكون الأمور مختلفة بالنسبة للشباب السعودي”.
وأشارت ياسمين فاروق، وهي زميلة زائرة ببرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى أن الحكومة السعودية تتحدث منذ سنوات عن إنهاء دولة الرفاهية لكنها تكافح من أجل تنفيذ ذلك، وغالباً ما تنعكس التغييرات عليها بعد سحب مزايا من المواطنين.
وقالت فاروق إن رسائل الحكومة أثناء الوباء كانت متناقضة في الواقع، فبالإضافة إلى الحديث عن التضحية المشتركة، أطلق المسؤولون وعوداً بأن تقوم المملكة بعمل أفضل من الدول الأخرى لرعاية مواطنيها، وقالت إن هذا التعهد أدى إلى “إحساس أكبر بالأمان… ثم بدأت قرارات التقشف”.
وساقت “واشنطن بوست” قصة رجل الأعمال صافي مروان البالغ من العمر 29 عاما، كنمودج لتأثر رواد الأعمال بالأزمة الحالية. فقد عمل مروان في شركة بناء عائلته لبضع سنوات بعد إنهائه دراسته في أميركا، ثم أسس شركة LocoSonix، التي تبيع ألواح التزلج ومعدات رياضية أخرى للشباب، وجاء تأسيسه لشركته بوقت جيد مع تخفيف بعض القيود الاجتماعية في السعودية خصوصا على النساء، وصار مسموحا لهم بالمشاركة في الأنشطة الخارجية بحرية أكبر. وقد كشف مروان أن معظم عملائه من النساء والفتيات.
لكن الانكماش الاقتصادي شكل تحديا غير متوقع لمروان وعائلته. وحتى قبل حدوث الوباء، اضطرت شركة البناء التابعة لعائلته إلى تقليص قوتها العاملة. وهو الآن يشعر بالقلق من زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف، مما سيؤثر على مبيعاته، إذ سيجد صعوبات في إغراء الناس بشراء السلع المعروضة في متجره، وهي منتجات جديدة في السوق السعودية يعتقد كثير من العملاء أن أسعارها مبالغ فيها بالفعل.
ومع ذلك، يؤكد مروان أنه نجا حتى الآن من الأزمة، وزاد المبيعات عبر الإنترنت أثناء الإغلاق وجذب المئات من المتابعين الجدد إلى حسابه على إنستغرام أثناء محاولته بناء علامته التجارية. لكن الشركات الأخرى سوف تجد صعوبة في التكيف. وقال مروان إن السؤال الأكبر الذي ترك الجميع في حيرة من أمرهم هو: إلى أين يتجه الوباء والبلد بعد ذلك؟