امتنعت مديرة المخابرات المركزية الأمريكية جينا هاسبل عن لقاء ولي العهد الحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان على وقع فضيحة أزمة تجسس لمرتزقته على تويتر في الولايات المتحدة الأمريكية.
واكتفت هاسبل بلقاء الملك سلمان حيث بحثا عددا من الموضوعات ذات الاهتمام، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل بشأن الاجتماع الذي حضره وزيرا الخارجية والداخلية في نظام آل سعود دون تواجد بن سلمان.
وأظهرت شكوى مقدمة يوم الأربعاء أن وزارة العدل الأمريكية تتهم اثنين من الموظفين السابقين بشركة تويتر بالتجسس لصالح نظام آل سعود الذي لم علنا على ذلك.
واتهم القضاء الأميركي ثلاثة أشخاص، هم سعوديان أحدهما موظف سابق في “تويتر” وأميركي كان يعمل في الشركة نفسها، بالتجسّس على مستخدمين لمنصّة التواصل الاجتماعي وجّهوا انتقادات للعائلة المالكة.
وقال مسؤول سعودي لصحافيّين في واشنطن مشترطاً عدم كشف اسمه إنّ المملكة لم تنظر بعد في هذه القضيّة. وأضاف “لكن يُمكنني أن أخبركم بأنّنا نتوقّع من جميع مواطنينا احترام قوانين الدول التي يعيشون فيها”.
وقال النائب العام الأميركي ديفيد أندرسون في بيان إن “الشكوى الجنائية التي كشف عنها اليوم تتّهم عناصر سعوديين بالبحث في الأنظمة الداخلية لتويتر من أجل الحصول على معلومات شخصية عن معارضين سعوديين والآلاف من مستخدمي تويتر”.
واتّهم السعودي علي آل زبارة (35 عاما) والأميركي أحمد أبو عمو (41 عاما) باستخدام صفتهما كموظفين في تويتر للحصول على عناوين بروتوكول الانترنت والبريد الالكتروني وتواريخ الولادة من حسابات على تويتر، ونقل هذه المعلومات بعد ذلك إلى الرياض.
أما السعودي أحمد المطيري (30 عاما) فهو متهم بأنه قام بدور وساطة بين الرجلين وحكومة بلده. كما يشتبه بأنه ساعد آل زبارة على الفرار من الولايات المتحدة في نهاية 2015 بعدما طرحت عليه إدارة تويتر أسئلة للمرة الأولى.
وتوتّرت العلاقات بين نظام آل سعود وواشنطن العام الماضي على خلفيّة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، في جريمة استعبدت وكالة الاستخبارات المركزية أن تكون حدثت من دون علم بن سلمان.
وسبق أن اعتبر تحليل صدر عن مركز استخباري أمريكي أن علاقات نظام آل سعود مع الولايات المتحدة الأمريكية تراجعت بشدة خاصة مع الكونغرس على خلفية انتهاكات الرياض خاصة قتل الصحفي جمال خاشقجي قبل عام.
وقال مركز ستراتفور الاستخباراتي في مقال تحليلي نشره على موقعه الإلكتروني- إن خسارة نظام آل سعود علاقاته مع الكونغرس يعني أن ثمة تشريعا جديدا مناهضا للمملكة أو عقوبات أو قرارات قد تصدر في نهاية المطاف من الكونغرس الذي يُعد أعلى هيئة تشريعية في الولايات المتحدة.
ورغم أن الرئيس دونالد ترامب سيجهض أي تشريع مناوئ للمملكة من الكونغرس في الوقت الراهن، فإن غضبا عارما إزاء أي انتهاك جديد لحقوق الإنسان من جانب الرياض، أو فوز مرشح من الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2020 من شأنه أن يُحدث تحولا في مدى قابلية البيت الأبيض أو قدرته على التراجع عن طريقة تعامله مع الكونغرس.
وفي كل الأحوال، تظل الرياض بمواجهة خطر فرض عقوبات أميركية عليها وسن تشريع معارض لها، بينما سيعمل الناشطون في الولايات المتحدة والغرب على مقاطعة الشركات التي تتعامل تجاريا مع السعودية.
ولطالما كانت علاقات نظام آل سعود مع الإدارة الأميركية مجرد “زواج مصلحة”، لكن اغتيال خاشقجي كشف الفجوة في القيم بين واشنطن والرياض، وفق مقال ستراتفور.
ووصف الموقع التابع لمركز دراسات إستراتيجي وأمني أميركي يحمل الاسم نفسه، الصحفي السعودي المغدور بأنه بات “رمزا” للتباين الصارخ بين نظرة كل من الولايات المتحدة والسعودية لحقوق الإنسان، والقيم السياسية واختلاف الرأي.
وقد أخفق محمد بن سلمان في تهدئة الغضب العارم في الولايات المتحدة، مما أدى إلى ارتفاع الأصوات في واشنطن، وخاصة داخل الكونغرس، المطالبة بإعادة النظر في التحالف مع المملكة.
وبحسب الموقع الاستخباراتي، فإن دعم البيت الأبيض الحالي للرياض هو أحد العوامل القليلة التي تغطي سوأة العلاقات بين البلدين، وربما تتعرض المملكة لعقوبات أشد وصفقات أسلحة أقل ومقاطعات أكثر في المستقبل إذا نجح الكونغرس في مبتغاه.
وتمكنت الولايات المتحدة والسعودية طيلة العقود الماضية من التستر على خلافاتهما من أجل مكاسب إستراتيجية مشتركة، غير أن المستجدات التي طرأت على صناعة الطاقة حدَّت من اعتماد واشنطن على النفط السعودي.
كما أن الناخبين الأميركيين أبدوا رغبة متزايدة في انسحاب بلادهم من الشرق الأوسط عموما.
ولعل هذا التغير جعل لانتهاكات حقوق الإنسان الأثر الأكبر على علاقات البلدين، وأضفى على جمال خاشقجي رمزية تتسم بالديمومة وهو ما من شأنه أن يدفع منتقدي الرياض نحو تضافر جهودهم.
ومع ذلك، فإن مركز ستراتفور الاستخباراتي والأمني يرى أن محمد بن سلمان يسبح ضد التيار في واشنطن.
فلطالما كانت حقوق الإنسان قضية ثانوية في العلاقة الأميركية السعودية قبل أن تصبح بعد مقتل خاشقجي نقطة خلاف رئيسة بينهما.
ويمضي المركز إلى القول إن عدد المرات التي صوّت فيها الكونغرس بشأن قضية خاشقجي تظهر مقدار الغضب الذي يعتمل في الهيئة التشريعية حتى أنها سنت قانونا يستهدف العلاقات مع الرياض.
ويزعم مقال ستراتفور أن الكونغرس لم يعد يثق بالمملكة، مشيرا إلى أنه من غير المحتمل أن يفقد بعض أعضاء تلك الهيئة التشريعية الأشد حماسة في انتقاد الرياض مقاعدهم في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل.
ثم أنه لا يوجد ضمان على أن ترامب سيفوز في انتخابات الرئاسة المقبلة، أو أن انتهاكا جديدا لحقوق الإنسان من جانب السعودية لا مناص سيجعل الرئيس الأميركي يغير رأيه بخصوص علاقات البلدين الوثيقة.
وما لم يحدث تغيير جوهري في سجل المملكة بشأن حقوق الإنسان، وتحول كبير في سمعة ولي عهدها في الغرب، فإن جريمة اغتيال خاشقجي ستظل تُفرِّق بين واشنطن والرياض.
وثمة عائق واحد ربما يحول دون النيل من علاقة واشنطن بالرياض ألا وهو احتمال نشوب صراع مع إيران يضفي على مكانة السعودية أهمية باعتبارها قاعدة عسكرية وحليفا إقليميا.
وإذا ما اندلع صراع من ذلك القبيل فإنه سيجعل من قتل خاشقجي قضية هامشية لكنه لن يطمرها، فما إن ينتهي الطارئ العسكري حتى تثار من جديد الأسئلة حول مقتل الصحفي السعودي.
ويرى مركز ستراتفور -في ختام مقاله- أن مقتل خاشقجي سيظل يطارد بن سلمان في سمعته وإرثه طيلة وجوده في مركز السلطة، مما سيخلق تهديدا لحكومات الدول والشركات التي تريد التعامل معه.
في السياق صرح السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي إن المعلومات التي بحوزة مجلس الشيوخ الأميركي تشير إلى تورط بن سلمان بشكل مباشر في الأمر باغتيال خاشقجي.
وأكد ميرفي وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أن الكونغرس عازم على تحقيق العدالة في قضية خاشقجي ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة.
وقال إن “بن سلمان كذب على الولايات المتحدة على مدار أسبوعين متتاليين، وكان يكذب على العالم بأكمله، فلماذا نصدقه الآن؟”.