يظهر ولي العهد محمد بن سلمان تصميمه على المضي في محادثات التطبيع بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية وذلك رغم دموية إسرائيل في غزة في إطار حربها المستمرة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وكشفت تقارير إسرائيلية وأمريكية عن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يعتزم السفر إلى السعودية هذا الأسبوع لإجراء محادثات مع بن سلمان، وسط مسعى أمريكي لإحراز تقدم نحو تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل.
وبحسب موقع (تايمز أوف اسرائيل) العبري فقد استؤنفت محادثات التطبيع بين السعودية وإسرائيل في الأشهر الأخيرة، حيث ذكر وزير الخارجية الأمريكي في 21 مارس، إن الولايات المتحدة والمملكة حققتا “تقدما جيدا” في المحادثات حول تطبيع العلاقات.
وأورد الموقع أن محمد بن سلمان يعتقد أن ابرام صفقة دفاع مشترك تضمن له المزيد من الحماية الأمريكية ووعود حول المشروع النووي السعودي ستكون أسباباً كافية لصفقة تطبيع مع إسرائيل.
من جهته نقل موقع (Axios) الأمريكي عن الرئيس جو بايدن حول صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية، قوله “لن أخوض في التفاصيل الآن، لكن السعوديون مستعدون للاعتراف الكامل بإسرائيل”.
يأتي ذلك فيما تستعد السعودية لاستضافة قمة Fintech Revolution المتعلقة بالتمويل الرقمي يومي 29 و30 نيسان/أبريل 2024 في الرياض.
ويعرف هذا المؤتمر بعلاقاته النشطة بالجانب الإسرائيلي ونظم سابقاً قمماً مخصصة لمتحدثين إسرائيليين.
ومنذ أشهر أكدت خطوة تدشين مشروع الجسر البري بين الإمارات وإسرائيل مرورا بالسعودية مضي محمد بن سلمان في مسار التطبيع العلني مع تل أبيب.
ولا تعد فكرة الجسر البري بين الخليج وإسرائيل وليدة لتداعيات حرب غزة، ولكنّ الحرب وما تبعها من هجمات الحوثيين ضد السفن الإسرائيلية حفزت من سرعة البدء في تنفيذ المشروع.
وسبق أن عرضت وزارة الخارجية الإسرائيلية خطة إنشاء هذا الطريق البري على المبعوث الأمريكي الخاص، آموس هوكشتاين، بحسب يديعوت أحرنوت في يوليو/تموز الماضي.
ونقل المسؤولون في إدارة بايدن الخطة للدول المعنية: الإمارات والسعودية والأردن، بالإضافة للبحرين وسلطنة عمان.
وبالفعل، شركة وقعت “تراكنت” الإسرائيلية، في أيلول/ سبتمبر الماضي، اتفاقية مع كل من الإمارات والبحرين، في المنامة، تمهيدًا لبدء تشغيل الخط البري.
ومع تصاعد هجمات الحوثيين وإثبات جديتهم في تهديد الملاحة المرتبطة بالاحتلال ردا على الحرب الإسرائيلية على غزة، باتت الحاجة ملحة لتشغيل الخط البري، بحسب تصريح “حنان فريدمان”، رئيسة “تراكنت”، خلال توقيعها الاتفاق مع شركة “بيورترانس” الإماراتية للخدمات اللوجستية (Puretrans FZCO).
ولا تنبع أهمية تشغيل هذا الجسر في كونه يربط بريا بين الإمارات ودولة الاحتلال، حيث كان النقل البري قائما بالفعل بين الجانبين، فقد كانت الشاحنات تصل بالفعل من الإمارات إلى ميناء حيفا مرورا بالسعودية ثم عبر الأردن.
لكنها لا تتحرك كخط مباشر وإنما يتغير السائقين والشاحنات عند المعابر الحدودية، وذلك لعدم وجود اتفاق مباشر بين السعودية والاحتلال، مما يطيل المدة.
لكن الآن، بات وصول شاحنة واحدة وسائق واحد من دبي إلى ميناء حيفا مباشرة، دون تغيير عند المعابر الحدودية بين الدول، وهو ما يعكس التوصل لاتفاق بين جميع الدول المشتركة في المسار، لتوحيد الشاحنات وقبول رخص القيادة للسائقين المصرح لهم بالسفر.
ولذلك؛ فكما أن الخطوة لا تترك مجالا للشك حول تمسك كل من الإمارات والبحرين بنظرتهما الاستراتيجية للشراكة مع إسـرائيل، فإنها تشير أيضا إلى أن السعودية تواصل المضي قدما في مسار صفقة التطبيع مع إسـرائيل.
خاصة في ظل استراتيجية المملكة التي تتعامل مع هذا الأمر في سياق أوسع يشمل شراكة أمنية ودفاعية مع الولايات المتحدة.
وتعاملت الرياض منذ بدء الحرب الإسـرائيلية على غزة بنهج دبلوماسي حذر، حيث انتقدت الانتهاكات الإسـرائيلية في غزة وطالبت بالوقف الفوري لإطلاق النار، لكن لم تظهر أي رغبة في استخدام الأدوات المتاحة لديها للضغط على الولايات المتحدة وإسـرائيل مثل قدرتها على خفض إنتاج النفط.
وبالرغم أن الحرب الإسـرائيلية في غزة عطلت مؤقتا الجهود الدبلوماسية متعلقة بمسار التطبيع بين السعودية وإسـرائيل، فلا تزال الحسابات التي دفعت الرياض إلى مسار التطبيع قائمة.
ويروج محمد بن سلمان أن طموح المملكة للريادة الاقتصادية في الشرق الأوسط يتطلب ضمان استقرار طويل الأجل وفي ظل علاقات قوية مع واشنطن.
ولا توجد مؤشرات على أن السعودية قد غيرت هذا التقدير نتيجة حرب غزة، وإن كان للقضية الفلسطينية وزن نسبي أكبر في مفاوضات التطبيع، بعد أن أعادتها حرب غزة مجددا إلى قلب الأجندة الإقليمية.
من جهة أخرى، يعد الجسر البري أسرع من قناة السويس بنحو 10 أيام، حيث يستغرق 3-4 أيام فقط. لذا تبرز أهمية الجسر على نحو خاص في حالة نقل البضائع ذات الصلاحية قصيرة المدة، مثل المنتجات الغذائية الطازجة.
وبالرغم من أن تكلفة استخدام الجسر البري أعلى من قناة السويس، فإن ارتفاع تكاليف التأمين البحري في الوقت الراهن جراء التوترات عند مضيق باب المندب جعلت الطريق البري أقل تكلفة.