هاجمت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية هجوما عنيفا على ولي العهد محمد بن سلمان ووصفته بأنه متغطرس ومثير للاشمئزاز، داعية الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى عدم الخضوع لابتزازه.
وقالت الصحيفة إن محمد بن سلمان أظهر في مقابلته مع مجلة اتلانتك الأمريكية لامبالاة متغطرسة مثيرة للاشمئزاز.
وأكدت الصحيفة أن بايدن كان محقًا في الإبقاء على مسافة من الحاكم الشاب ولي العهد السعودي، حتى في الوقت الذي يأمل فيه محمد بن سلمان استخدام احتياطاته النفطية لانتزاع احترام الرئيس.
وشددت الصحيفة على أنه لا يجب على بايدن التسرع في التقارب مع محمد بن سلمان. حيث يواصل محمد بن سلمان السخرية والبلطجة، رافضًا إدانة الغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا، بينما يقترح علاقات أوثق مع الصين.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إنه مهما حاول محمد بن سلمان التقارب مع الصين، فمن غير المرجح أن تضع بكين طائرات حربية على مدرج مطار الطائف لإنقاذ السعودية، كما فعلت الولايات المتحدة في 1991. أو تنقل عددا كبيرًا من بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ لمساعدة السعودية في الدفاع ضد الصواريخ الحوثية.
وأوضحت الصحيفة أن العلاقة الطويلة بين الولايات المتحدة والسعودية ستستمر في الصعود والهبوط. لكن في جميع التعاملات مع السعودية، يجب على بايدن أن يلتزم بالمبادئ التي اهتم بها خاشقجي بشغف، مهما كان ذلك يزعج الملك العابس في الرياض.
وتؤكد دلائل نفسية وعلمية سيطرة مرض جنون العظمة على شخصية ولي العهد محمد بن سلمان بما ينطوي عليه من اضطراب شامل.
ولخّص الصحفي Graeme Wood من مجلة The Atlantic، شخصية بن سلمان بأنه مصاب بمرض جنون العظمة خلال المقابلة المطولة التي جرت معه مؤخرا.
وجنون العظمة حالة من وهم الاعتقاد، يبالغ فيها الإنسان بوصف نفسه بخلاف واقعه فيدّعي امتلاك قابليات استثنائية وقدرات جبارة أو مواهب مميزة أو علاقات مهمة ليس لها وجود حقيقي.
هذه الأوهام تقنعه بأنه مضّطهد من قبل الآخرين وبأن السبب الرئيسي لاضطهاده هو كونه شخص عظيم ومهمّ للغاية.
وبحسب الدراسات الطبية يتخذ مرض (جنون العظمة) أشكالًا مختلفة، من أهم أعراضها:
– الشك دائمًا في دوافع أو أفعال الآخرين.
– عدم الوثوق بالغرباء أو المعارف أو الأحباء بدرجة مبالغ بها.
– الاعتقاد بأن لديك دورًا أو أهمية خاصة في العالم غير معترف بها، أو تم إحباطها من الآخرين.
ولم تكن مجلة The Atlantic أول من وصف بن سلمان بـ (جنون العظمة) فقد سبقتها عدة صحف منها Washington Post في 2018 وDaily Mail في 2019 وNational Interest وMiddle East Monitor في 2020، عند كلامهم عن تصرفاته الغريبة.
ولقاء بن سلمان مع The Atlantic كشف بصورة واضحة (جنون العظمة) والذي تجلّى في أكثر من موضع، ليؤكد حقيقتين متناقضتين:
الأولى: إحساسه بالتفوق ورغبته بالتميّز والانفراد في كل شيء.
والثانية: شعوره بالاضطهاد والخوف وإحساسه بظلم الآخرين له.
ومن الأمثلة التي تؤكد إصابته بـ (جنون العظمة):
وصف بن سلمان مشاريعه بأنها فريدة ولا مثيل لها في جميع دول العالم، واستخدم أكثر من عبارة لتأكيد ذلك: “إننا لا نحاول أن نكون مثل دبي أو أمريكا.. أعطني مثالًا على أن أحد المشاريع منسوخة؟.. لا يوجد”.
وتمادى ولي العهد في الافتخار برؤية 2030 وقال بأنها “لن تفشل أبدًا، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشالها، وأنه يمكنك إبطاؤها بنسبة 5%، هذا أكثر ما تستطيع فعله”.
وذلك على الرغم من أن الأرقام تؤكد أن الرؤية لم تقدم الكثير للمملكة بعد سنوات من إطلاقها، وكذلك العديد من مشاريعها متلكئة وتواجه تعثرا شديدا.
في المقابل، حاول بن سلمان تقديم نفسه بأنه “المختار” للحفاظ على إرث العائلة المالكة، فادّعى أنّ هنالك أكثر من 5000 فرد من عائلة آل سعود، وأعضاء هيئة البيعة اختاروه لكي يحمي المصالح الخاصة بالملكية، بينما هو أكثر من نكّل بأفراد العائلة المالكة، فاعتقل بعضهم وعذّب آخرين.
وجعل بن سلمان من نفسه مؤتمَنًا من قبل الأسرة المالكة والشعب لـ “الحفاظ على مصالح الشعب السعودي”، حين حكَم على الملكية الدستورية، بأنها لن تنجح وتُعدُّ خيانة وانقلاب على 14 مليون مواطن سعودي.
في حين أنه لم يأت ببيعة من الشعب أو الأسرة المالكة، بل جاء بانقلاب شهير على ابن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف.
وقدّم ابن سلمان نفسه كمتبحّر في الشرع بقوله “إن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل من الملك”، وكأنه أفنى نصف عمره في مجالس العلم وبين بطون الكتب! وحصر مهمة المفتي في “الإجابة على الأسئلة اليومية للناس” لينفرد هو باتخاذ القرارات المهمة وكأنه أحد الخلفاء الراشدين.
وقدّم بن سلمان دليلًا آخر على جهله بحديثه عن “توثيق الأحاديث النبوية” وكأنها لم تخضع لعمليات الضبط والتدوين والتوثيق على مدار قرون، وتكلّم عن “حديث الخبر” وأجاز الاستدلال به بـ “شرط أن يكون في مصلحة الناس”، فجمع بين نقيضين: فضح جهله والتفاخر بما ليس فيه.
وفي خضمّ إعجابه بنفسه كـ “مفتي” أباح توفير ما يجذب السياح للمملكة كالموسيقى والعادات الدخيلة على المجتمع، من أجل توفير الوظائف للشعب والنهوض باقتصاد البلد، مبررًا ذلك بقاعدة: “اختر الضرر الأصغر بدل الضرر الأكبر”.
لكن جوهر تبريره استند على قاعدة ميكافيلي:”الغاية تبرّر الوسيلة”.
أما السقطة الكبرى فكانت في معرض حديثه عن اعتقالات الريتز كارلتون، حين قال: “الخيار الثاني: كان سؤالهم ما إذا كانوا يرغبون بأن يسلكوا طريق المفاوضات، وقد اختار 95% منهم طريق المفاوضات، لذا لم يكونوا مجرمين”.
فوضع قاعدة غبية بأن (أي متهم يختار طريق المفاوضات لن يصبح مجرمًا).
وما يؤكد إصابته بـ (جنون العظمة) تناقضه عند الحديث عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تشرين أول/أكتوبر 2018.
ففي الوقت الذي استصغر من شأنه بقوله إنه لم يقرأ أي مقال كامل له أبدًا، وقلّل من شناعة الجريمة بقوله “أن خاشقجي لن يكون من بين أول 1000 شخص على القائمة، إن كانت هناك عملية أخرى ستجري من هذا القبيل”.
وبدل التعاطف مع خاشقجي الذي قُطّعت جثته بطريقة بشعة، أظهر “مظلوميته وشعوره بالاضطهاد” بعدم تطبيق المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته، وأنه شعر بـ “الألم” لأنه لم ينل هذا الحق.
مما يدل على شعوره بالنقص الداخلي والرغبة بالتعاطف معه.
تضمن المقال الكثير من الأمثلة التي تؤكد اضطراب شخصية بن سلمان وإصابته بـ (جنون العظمة).
هذا المرض الذي يدفع صاحبه للعيش في “عالم نرجسي” من أوهام العظمة من جهة،ويجعله يشعر بالظلم والاضطهاد من قبل الآخرين من جهة أخرى، مما يدفعه للعدوانية والانتقام منهم، خصوصًا إن كان صاحب سلطة.
حاول بن سلمان تقديم نفسه كـ “عظيم”، فعرض إنجازاته “الوهمية” وتطرّق للكلام في أكثر من تخصّص مظنّة أن يكون ذلك مدعاةٍ للفخر، فكثرت سقطاته ولغطاته، وبرزت عيوبه التي كان يُخفي بعضها بسكوته.
ليُثبت أنه لا يمتلك مقوّمات “العظَمة” التي يدعيها لنفسه، بل يمتلك مرضًا اسمه “جنون العظمة”.