تحاول سلطات آل سعود التغطية على انتهاكاتها وجرائمها التي ترتكبها من خلال التأثير عبر الإعلام وفتح قنوات تلفزيونية والتسويق للمملكة عبر هذه القنوات وعبر الذباب الالكتروني، إضافة إلى الدفع لشركات عالمية لتجميل صورة المملكة.
وقبل أيام، أعلنت شركة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق إطلاق قناة تلفزيونية اسمُها “الشرق” ستكون “مساهمةً كبيرةً في الفضاء الإعلامي العربي، تسعى لبث برامجها الخاصة السامة التي تديرها سلطات آل سعود.
وكانت صحفٌ عالميةٌ كبرى، أميركيةٌ وبريطانيةٌ خصوصا، تخوض في أمر المملكة بما أكّد صورةً للحكم فيها بالغة الشناعة، وخصوصا لولي العهد، محمد بن سلمان، وذلك بمناسبة مرور عام على قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في الجريمة المروّعة المعلومة، والتي لم تفلح ملايين الدولارات التي قبضتها شركاتُ علاقاتٍ عامة في الولايات المتحدة وأوروبا، في تحييد ولي العهد عن المسؤولية المباشرة عنها (الجريمة)، وفي استعادة صورةٍ له كان عملٌ كثيرٌ قد تم لترويجها، أميرا صاحب مشروع إصلاحي في المملكة، وتحديثيا منفتحا.
ومن مفارقاتٍ تحضر هنا أن الرجل حظي ببعض الثناء في حينه في “نيويورك تايمز”، وغيرها من صحفٍ لا تقصّر منذ عام في تحطيم اسمه ومكانته، بل إن خاشقجي نفسَه ساهم في الإعلام الأميركي إلى حد ما في امتداح خطواتٍ لبن سلمان، ولم يسمّ نفسَه كاتبا معارضا، وإنما داعية إصلاح “في رقبته بيعةٌ للملك وولي عهده” على ما قال مرة.
ما حفلت به الأسبوع الماضي صحافاتٌ عديدة في العالم وبلغةٍ شديدة الوضوح، في التذكير بفداحة جريمة تغييب خاشقجي وفي التأكيد على وجوب معاقبة المرتكبين والمسؤولين، دلّ على أن ورطة محمد بن سلمان والحكم في المملكة عموما ثقيلةٌ.
وحِرص الأسرة الإعلامية والحقوقية العريضة في الغرب على بقاء قضية خاشقجي حيةً في ذاكرة العالم أمرٌ ليس في وسع المملكة أن تتعامل معه بالكيفية التي نرى، وإنْ دفع خبراء علاقاتٍ عامةٍ تتعامل معهم مؤسسة ولاية العهد بن سلمان إلى أن يُشهر، قبل أيام، في البرنامج التلفزيوني الشهير “60 دقيقة” في قناة سي بي إس الأميركية، مسؤوليته عن الجريمة، وأن يصفها نكراء، وأن يقرّ بعمل بعض مرتكبيها معه، وأن يؤكّد أن اقتصاصا سيتم منهم.
والظاهر أن نقصان الثقة في منظومة العدالة ومسطرتها في المملكة مهولٌ في الميديا الأميركية، وفي اللوبيات الناشطة في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل تأثير أقوال محمد بن سلمان هذه ضئيلا، وإنْ تعد تطوّرا ملحوظا عما كان يقوله السعوديون الرسميون طوال عام.
وعندما تلحّ تقارير ومقالاتُ رأي في “نيويورك تايمز” وغيرها على ربط قتل خاشقجي، في ذكراه الأولى، مع مشهدٍ أعرض، من عناوينِه مواصلة المسؤول السعودي الأهم حربا مدمّرة في اليمن، تسبّبت بكارثةٍ إنسانيةٍ كبرى هناك، وكذا اعتقال نساء إصلاحياتٍ، فذلك يعني أن حل مشكلة ازورار شركات علاقاتٍ عامةٍ أميركيةٍ عن الاستمرار في العمل مع المملكة لا يتم بتقوية شركاتٍ أخرى جهودَها في مقابل أموالٍ أكثر.
وقد أوضحت شيئا من هذه التفاصيل “الإندبندنت” البريطانية، وذكرت “واشنطن بوست” أن الشركة المتخصّصة باتصال الأزمات “إم إس إل” حصلت من آل سعود منذ قتل خاشقجي على مبلغ 18 مليون دولار.