أعلن الكاتب ورجل الأعمال السعودي علي الشهابي بشكل مفاجئ، أن مركز “المؤسسة العربية” الذي يترأسه ـ ويعد أكبر مؤسسة بحثية في أمريكا كانت تعمل على تلميع صورة ابن سلمان ـ ومقره واشنطن، سيوقف أنشطته نهائياً.
وأوضح “الشهابي في تغريدة” له بتويتر أن أعضاء مجلس إدارة المؤسسة العربية قرروا إغلاقها، موضحاً أنه “نتيجة لاستمرار الخلافات بين مانحي المؤسسة أصبح استمرار أنشطتها أمراً صعباً”.
ولم يتضح بعدُ ماهية الخلافات التي أدت إلى إنهاء عمل المركز البحثي المقرب من سلطات الرياض، لكن المملكة واجهت خلال الفترة الأخيرة انتقادات لاذعة بسبب سياستيها الخارجية والداخلية، مثل حربها في اليمن وانتهاكات حقوق الإنسان داخل المملكة، وهو ما جعل الدفاع عنها شبه مستحيل في دول عدة.
وقد كشفت مصادر صحافية بعض التفاصيل، مؤكدة أن هذا المركز كان واحداً من بين أدوات تلميع صورة المملكة في واشنطن، وبهذا ينضم المركز إلى عدد من شركات العلاقات العامة التي خسرتها الرياض بعد اغتيال خاشقجي.
التزامن لافت وكذلك السبب المعلن، حيث يزعم كلاهما أن شح أو انقطاع التمويل أجبرهما على هذه الخطوة. لكن في الأمر ما يتعدى ذلك ليتصل بتعثر خطاب الترويج الذي كان كلاهما يضطلع به.
يذكر أن المؤسسة العربية تأسست عام 2017 بهدف تغطية القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي.
والمعروف عن رئيس المؤسسة أنه من أشد المدافعين عن السياسات الملكية، سواء عبر تغريداته أو داخل أروقة العاصمة الأمريكية.
وكان الشهابي قد تعرض لانتقادات بسبب دفاعه عن ولي العهد عقب تصفية الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر 2018.
وقد أشاد الكاتب السعودي الشهر الماضي بوصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمحمد بن سلمان بأنه “صديق”، وأنه “قام بدور أساسي في الانفتاح الذي تشهده المملكة”.
وكان دورها توفير خطاب سعودي غير رسمي في واشنطن، يتولى تلميع الصورة وتسويغ السياسات والخطوات التي تعتمدها الرياض والعمل على تلطيف الانتقادات والترويج للتوجهات الجديدة، من خلال الإطلالات والكتابات الإعلامية وبناء شبكة اتصالات وعلاقات مع الأوساط المؤثرة وبالتنسيق مع الدبلوماسية السعودية ومستشاريها في العاصمة الأميركية.
ولوحظ في الآونة الأخيرة أن حضورها الخافت أصلاً قد تراجع, في حيثيات الإقفال قال الشهابي إن “الخلافات بين الممولين للمركز جعلت من مواصلة المهمة أمراً صعباً”. فهو يقول بصورة مبطّنة أن المملكة قطعت التمويل.
ويبدو أن المملكة لم تكن راضية عن أداء هذه الأخيرة في التصدي للحملة الكاسحة ضدها في الكونغرس وفي وسائل الإعلام.
وبالتحديد بعد جريمة اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، والتي كان من المتعذر على أي ماكينة دعائية كبح ردة الفعل عليها.
لكن ثمة من يعزو الاقفال إلى أسباب إضافية تتصل بفضيحة أخلاقية. فحسب المعلومات التي تسربت من مكتب المحامي أن إحدى العاملات في المكتب أقامت دعوى تحرش جنسي وإهانة وتهديد وسوء معاملة ضد الشهابي وبما استوجب الانسحاب من الساحة بعدما صار من المتعذر متابعة المهمة، بعدما اجتمع الإفلاس الدعائي مع الإفلاس الأخلاقي.
ومن جهته يغلق مركز “المشروع الإسرائيلي” مكتبه بعدما تراجعت التبرعات بنسبة 50% على حد ما قال مديره التنفيذي.
وكان هذا المشروع قد أبصر النور حوالي عام 2002 للنهوض بمهمة محددة تُعنى بالتركيز على الصحافيين وأصحاب الرأي بشكل خاص.
طوال هذه المدة، كان دورها يقوم على رصد أهل هذا القطاع لفرز المؤيد عن المناوئ فيه لإسرائيل، بحيث يجري تكريم الأول واستضافته بزيارات خاصة لإسرائيل تتخللها جولات توفر مادة إعلامية لا بد أن تتبعها تغطية تضج بالاشادة بالدولة العبرية.
ومن ناحية ثانية كان دورها الرصدي يصوب على المتمردين على هذا النمط من الصحافيين، لعزلهم وتشويه صورتهم والترويج للنفور منهم.
والمعروف أن هذا المركز نهض واستمر بدعم القوى المحسوبة على الحزب الديمقراطي من اليهود الأميركيين وأنصارهم. لكن في الآونة الأخيرة، جرى نوع من التململ في صفوف هذه القوى من التمادي الاسرائيلي والتغطية الأميركية الترامبية له.
وقد تبدّى ذلك بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة من خلال عدة جمعيات شبابية وصحف مثل حركة “صوت من أجل السلام” المناوئة للصهيونية والمتسارع صعودها وحركة “إذا لم يكن الآن” المؤيدة لحل الدولتين والداعمة لحركة مقاطعة البضائع الإسرائيلية المصنوعة في المستوطنات.
وكذلك استخدام هذه الجهات وغيرها وسائل التواصل الاجتماعي لنقل الاعتراضات على سياسات إسرائيل والتشديد على حل الدولتين، وما يرافق ذلك من تنامي مخاوف شرائح يهودية كثيرة من “مخاطر تحول إسرائيل إلى دولة أبارتايد” ومواصلة السير في “الطريق الحالي المدمر لإسرائيل”، كما قال الاستاذ الجامعي إريك اولترمن في مقالته.
وقد ظهرت كتابات أخرى حول هذه المواضيع ومن نفس الموقع الاعتراضي في مطبوعات مثل جريدة “تابلت” ، كما في نشاطات مؤسسات ومنظمات يهودية أخرى مثل مؤسسة “الأسس من أجل السلام في الشرق الأوسط”.
ويشير كل ذلك لصعود حراك معارض لإسرائيل بدأ يتصاعد من الخندق الديمقراطي يبدو أن مركز “المشروع الاسرائيلي” هو أول ضحاياه.
ماكينة الترويج والتلميع لإسرائيل والرياض بدأت ولأسباب مختلفة تفقد من زخمها ولو بوتيرة بطيئة، لكنها التراجع يزداد ويتوسع.