تواطئ نظام آل سعود مؤخرا بكارثة أخرى لليمن والحكومة الشرعية فيه بعد صمته على سيطرة انفصاليين موالين لدولة الإمارات على العاصمة اليمنية المؤقتة عدن.
وآل سعود أطلقوا تحالفا عسكريا في الجارة الشقيقة في آذار/مارس 2015 استجابة لدعوة من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وطلبت من دول عربية بينها الإمارات المساعدة تحت يافطة التحالف العربي.
لكن آل سعود تخلّوا مؤخرا عن حماية حكومته الشرعية في عدن جهارا نهارا لصالح ميليشيات مدعومة من الإمارات، التي يفترض أنها تأتمر بأوامرها، وكان آخر أمرهم أنهم تعاملوا مع الحجاج القادمين من اليمن على اعتبارهم قادمين من دولتين، الأولى في الشمال، والثانية في الجنوب، فأعطوا كل طرف بطاقات تعرفه على أنه “يمني جنوبي” و”يمني شمالي”، كتعبير عن حرصهم على وحدة اليمن!
ويمثل انتصار الانفصاليين اليمنيين الجنوبيين المدعومين من الإمارات في عدن نكسة أخرى مهينة لجهود الحرب المملكة والحاكم الفعلي فيها محمد بن سلمان.
حيث فقدت حكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من المملكة عاصمتها، مما زاد من تقويض “شرعيتها” التي عانت من الاهتزاز الدائم منذ تدخل التحالف.
وقال بروس ريدل الخبير الأمريكي بمنطقة الخليج والذي عمل مستشاراً للبيت الأبيض لعدة رؤساء سابقين طوال 30 عاماً، إن الحليف الأقرب للرياض وهي الإمارات العربية المتحدة مسؤولة جزئياً عن مكاسب الانفصاليين, لكن الحوثيين وإيران هم الفائزون الاستراتيجيون.
وأضاف ريدل أن الإمارات العربية المتحدة، الحليفة الأقرب للمملكة، مسؤولة بشكل جزئي عن مكاسب الانفصاليين الجنوبيين.
قامت الإمارات ببناء الانفصاليين وتدريبهم لعده سنوات في عدن ومدن أخرى حسب ما قال ريدل، مضيفاً أنه عندما سحبت أبوظبي الكثير من قواتها هذا الصيف، كان الانفصاليون أحراراً للتحرك ضد الحكومة وسيطروا بسرعة.
وعندما قامت أبو ظبي بسحب معظم قواتها من الميناء، شعر الانفصاليون بالحرية للتحرك ضد حكومة هادي، واستطاعوا الانتصار بسرعة.
ويقول ريدل إن الرياض ستحاول تجاوز النزاع داخل التحالف المعادي للحوثيين، إلا أن الضرر قد حصل لحكومة هادي الضعيفة، وكذا التحالف السعودي-الإماراتي.
ويعلق الكاتب على أن الفشل الأخير هو واحد من سلسلة أخطاء إستراتيجية لقيادة آل سعود.
فالرد الأولي على دخول الحوثيين مدينة صنعاء هي جهود خرقاء من الجو لهزيمتهم، فلم يكن لعملية عاصفة الحزم أي نصيب من اسمها.
وكان غياب الأهداف الحقيقية وإستراتيجية الخروج باديا منذ البداية لحلفاء المملكة مثل باكستان وعمان، اللتين قررتا عدم المشاركة في الحرب.
كما كانت إدارة الحرب الضحية الأولى لزعيم لا تجربة له, وانتهت العملية إلى مستنقع بآثار إنسانية كارثية على الشعب اليمني.
وتضرر الأطفال تحديدا بسبب فقر التغذية والأمراض التي حرمت الملايين منهم من طفولة طبيعية.
أما الآثار طويلة الأمد على جيل من الحرب فقد بدأت تظهر، ويتحمل السعوديون نصيب الأسد من هذه الكارثة التي حلت بأفقر بلد عربي.
وكان من المفترض أن تدمر الغارات الجوية قدرات الحوثيين الصاروخية في الجولة الأولى من الحرب، إلا أن قدراتهم تطورت وبثبات مع الحرب، وها هم اليوم يستهدفون وبشكل منتظم المدن الحدودية وأحيانا عمق المملكة.
ويقدم الإيرانيون وحزب الله الخبرات بكلفة قليلة، بل وقام الحوثيون أنفسهم بجمع التبرعات لمساعدة حزب الله على تمويل عملياته في سوريا.
تشير بعض التقارير إلى سقوط حوالي 3000 جندي سعودي وجرح 20000 آخرين، رغم محاولات الجيش تجنب وجود عسكري على الأرض.
ويقول ريدل إن كلفة الحرب على الرياض من الصعب تقديرها نظرا للثقافة السرية والمغلقة فيها، إلا أنه من الواضح أن سلطات آل سعود حاولت منع النقد العام للحرب في اليمن من خلال شراء دعم المدن الحدودية وعائلات الجنود والمحاربين القدماء.
وفي الوقت الذي أكد فيه السعوديون الطبيعة الطائفية ضد العدو الشيعي من أجل الحصول على دعم المؤسسة الوهابية، إلا أن إثارة المشاعر الطائفية تترك آثارها في الداخل والخارج.
ويشير إلى أن ولي العهد هو المحرك الرئيسي وراء الحرب السعودية، إذ يقف بحق وراء القرار المتهور للتدخل، خصوصا الفشل في التخطيط وسوء الإدارة وتجويع ملايين الأبرياء.
ولأنه يحظى بدعم والده الملك سلمان، فمن الصعوبة بمكان مناقشة مسار الحرب في المملكة، خصوصا مع الأجانب, فجمال خاشقجي الذي انتقد سياسات الأمير دفع حياته ثمنا لهذا النقد.
ويرى الكاتب أن رئيسين أمريكيين دعما الحرب، واحد منهما على تردد والآخر بحماسة.
وكانت النتيجة الإجمالية للحرب هي انتصار إستراتيجي لإيران التي أدخلت أعداءها العرب في مستنقع اليمن، الذي باتوا غير قادرين على الخروج منه، فيما يواصل حليفها الحوثي إطلاق الصواريخ على الرياض، وطهران آمنة.
ويضيف الكاتب أن الكونغرس يحاول وقف هذا الجنون في اليمن، رغم محاولات الرئيس التصويت ضد قراراته، لكن المعركة لم تنته بعد.
وستكون الخطوة القادمة هي وضع شرط لصفقات الأسلحة مع السعوديين والإماراتيين ضمن قانون صلاحيات الدفاع، مما سيجعل من لجوء الرئيس للفيتو أمرا صعبا.
ويقول ريدل إن الشراكة الأمريكية-السعودية التي مضى عليها 75 عاما نجت من أزمات عام 1973 و1979 وبعد 2001.
ولطالما حظيت بدعم نواب الحزبين، إلا أن الوضع هذا لم يعد قائما. وبمواصلته الحرب في اليمن، يقوم ولي العهد بالتلاعب بعلاقة ضمنت بقاء المملكة ولعقود.
وعلى الأمريكيين والسعوديين الحريصين على الشراكة التحرك ووقف الحرب وحماية الأطفال.