يعاني المعتقلون في السجون السعودية من أوضاع إنسانية مأساوية مأساوية صادمة نتيجة الإهمال والتضييق الذي تمارسه السلطات السعودية.
وأكدت مها القحطاني زوجة الأكاديمي المعتقل الدكتور محمد القحطاني، استمرار إغلاق الأبواب أمام أهالي المعتقلين والتجاهل التام من المسؤولين.
وكشفت القحطاني عن حصول انتهاكات على (جناح ٨أ) في إصلاحية الرياض، منها عدم السماح للمعتقلين بالخروج إلى التشميس، والسماح بالتدخين داخل الممرات والجناح، مما أدى إلى تلوث المكان بالدخان وتسبب بضيق التنفس للذين يعانون من مرض الربو وغيرهم من كبار السن.
كما تحدثت القحطاني في تغريدة لها على حسابها في تويتر، عن زج مجموعة من المرضى النفسيين الذين يسببون مشاكل عديدة في الجناح ذاته.
وفي وقت سابق دعت منظمات حقوقية للسماح بدخول مراقبين مستقلين لمعاينة أوضاع المعتقلين ومعاناتهم في سجون المملكة، وسط تعتيم من قبل السلطات والجهات المسؤولة عن السجون.
سجون سرية
لا تكتفي السلطات السعودية بممارسة القمع وشنّ حملات اعتقال كبيرة ضد الناشطين السياسيين والناشطات الحقوقيات وإيداعهم السجن.
بل إنها تقوم بإخفاء العشرات منهم في سجون سرية من دون معرفة ذويهم أي أمر عنهم، فضلاً عن وجود شكوك بتعرض بعضهم للقتل بسبب التعذيب، وفق ما تقول منظمات حقوقية سعودية تنشط خارج البلاد.
ووثقت منظمة “القسط“ لحقوق الإنسان في تقرير لها بداية العام الحالي خمس حالات من الاختفاء القسري في السعودية.
بدورها رصدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في أكثر من تقرير عن الإخفاء القسري في السعودية والمخاوف على مصير هؤلاء المخفيين.
فيما قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في أحد تقاريرها أن الاحتجاز التعسفي يطاول الآلاف في السعودية.
منذ وصول الأمير محمد بن سلمان إلى سدة ولاية العهد، في يونيو/حزيران العام 2017، بدأ سعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي والذراع الأمني لبن سلمان، ببناء نظام سجون سرية عبر “رئاسة أمن الدولة“.
وجهاز أمن الدولة جهاز أمني تم تشكيله ليتولى الأمور الأمنية الخاصة بولي العهد من اعتقال وتحقيق وتعذيب وسجن، بعيداً عن إدارات السجون التابعة لوزارة الداخلية.
وتقوم السلطات السعودية بإيداع المعتقلين الذين تنوي تعذيبهم لإجبارهم على الإدلاء باعترافات، في “شقق مفروشة” أو مجمّعات سكنية تابعة لرئاسة أمن الدولة، تنتشر في طول البلاد وعرضها.
شهادات صادمة
أدلى الكثير من معتقلي الرأي بشهادات لأهاليهم، تؤكد أنهم احتُجزوا لفترات طويلة داخل السجون السرية، كان من أبرزهم الطبيب الأميركي السعودي وليد فتيحي، والناشطة لجين الهذلول.
وكشفت علياء الهذلول، شقيقة لجين، الناشطة الحقوقية والسياسية النسوية التي اعتقلت في مايو/أيار العام 2018، أن شقيقتها أخفيت في شقة مفروشة تابعة لرئاسة أمن الدولة، وتعرضت في هذه الشقة، التي تصنف بأنها معتقل غير رسمي، لحملات تعذيب وضرب من قبل الأجهزة الأمنية بإشراف سعود القحطاني.
وقالت علياء الهذلول، في مقالة كتبتها في صحيفة “نيويورك تايمز“، إن شقيقتها تعرضت للتهديد بالاغتصاب والقتل وإلقاء جثتها في الصرف الصحي من قبل سعود القحطاني داخل السجن السري.
وأضافت أن لجين أخبرت عائلتها، في اتصال، أنها تمكث في فندق، لكنه ليس فندقاً مثل “ريتز كارلتون“، في إشارة إلى مدى سوء السجن السري الذي يقع داخل الشقة المفروشة.
ونقلت السلطات لجين الهذلول لاحقاً إلى سجن ذهبان، وأعطتها رقماً وملفاً تعريفياً كسجينة رسمية، ثم نقلتها بعد ذلك إلى سجن الحائر في الرياض، لتكشف بذلك عن مصيرها الرسمي وتجعلها سجينة رسمية.
لكن المئات من المعتقلين الآخرين لا يزالون تحت طائلة الإخفاء القسري داخل السجون السرية المنتشرة في البلاد. ويعد الشيخ سلمان الدويش أبرز المختفين قسرياً في البلاد حتى الآن، وسط شكوك حول تعرضه للقتل بعد سلسلة من عمليات التعذيب على يد الأمنيين التابعين لولي العهد.
وكان الدويش، وهو أحد المحسوبين على ولي العهد السابق محمد بن نايف، قد اعتُقل في إبريل/نيسان العام 2016 عقب سلسلة تغريدات حذر فيها الملك سلمان بن عبد العزيز من منح الثقة لابنه محمد، ووصفه بالمراهق والمدلل.
ونقل الدويش بعد اعتقاله إلى السجون السعودية الرسمية. لكن مع وصول محمد بن سلمان إلى سدة ولاية العهد، أصدرت السلطات أمراً بالإفراج عنه وإخراجه من السجن، وتسلمته رئاسة أمن الدولة، التي قامت بتعذيبه داخل سجونها السرية ما أدى لانقطاع أخباره، وسط حديث حساب “معتقلي الرأي” أنه تعرض للقتل.
اعتقال بعد تجسس
اعتقلت رئاسة أمن الدولة، في مارس/آذار 2018، الصحافي والكاتب السعودي المعارض تركي الجاسر، وهو أحد أبرز مفكري “تيار الصحوة“، والذي يعد أكبر تيار ديني في البلاد، وذلك بعد اكتشاف السلطات إدارة الجاسر لحساب وهمي في موقع “تويتر” تحت اسم “كشكول“.
وذكرت صحيفة “ميرور” أن هناك موظفاً تابعاً للنظام السعودي في مكتب موقع “تويتر” في دبي قام بتسريب بياناته إلى السلطات ما أدى إلى اعتقاله.
ونقل الجاسر فوراً إلى معتقل سري، وتعرض هناك إلى عمليات تعذيب أدت إلى مقتله، وفق ما يقول الناشط والمعارض السعودي عمر بن عبد العزيز الزهراني.
وتعمد السلطات إلى استئجار شقق في عمارات وبنايات ونزل تقع على أطراف المدن، وأمام الخطوط السريعة التي تربط مناطق البلاد ببعضها، إذ يسكن هذه البنايات غالباً مسافرون يتوقفون للاستراحة من عناء الطريق أو عمال وافدون يعملون في المشاريع الحكومية، مثل رصف الطرق وبناء المراكز الحكومية وسط الصحراء.
وبحسب معارض سعودي بارز مقيم في الولايات المتحدة، فإن المعتقلات السرية تنقسم إلى قسمين، قسم تتم فيه عمليات التعذيب، وغالباً ما يكون المجمّع السكني الذي تتم فيه هذه العمليات مملوكاً للحكومة بالكامل.
وقسم يتم فيه إيداع المعتقلين لغرض إخفائهم فقط، كما هو الحال مع الداعية الإسلامي عبد العزيز الطريفي، الذي يتم نقله بين سجن الحائر والسجون السرية عدة مرات، إضافة إلى أمير قبيلة شمر، نواف الرشيد، الذي اعتقل في الكويت وأخفي في “منزل” تابع لأمن الدولة في الرياض، من دون أن يتعرض لعمليات تعذيب قبل أن يتم الإفراج عنه في ما بعد.
وعن السبب الذي يدفع السلطات لإيداع المعتقلين في السجون السرية بدلاً من السجون الرسمية، قال المعارض، الذي فر من البلاد عقب وصول بن سلمان لسدة ولاية العهد، إنه “على الرغم من استبداد بن سلمان الجنوني، وسيطرته المطلقة على الدولة، إلا أن البيروقراطية الحكومية واشتراط وجود أوراق لكل سجين وملف تعريفي رسمي له في وزارة الداخلية يعرّض هذه المعلومات للتسريب.
كما أن وجود كاميرات في السجون الرئيسية الكبرى يعني أن مقاطع التعذيب قد تُسرّب من قبل متعاطفين مع المعتقلين، الذين يتمتعون بشعبية كبيرة، أو من قبل أبناء عمومتهم، خصوصاً أن السعودية مجتمع قبلي كبير.
لذلك فإنه يعمد إلى وضعهم في سجون سرية وتعذيبهم كيفما يحلو له، ومن ثم نقلهم إلى السجون الرسمية حين الانتهاء منهم“.