التحول الناعم في السماح للمشروبات الكحولية في السعودية

تدرّج نظام ولي العهد محمد بن سلمان في استعمال القوة الناعمة، تمهيدًا للسماح للمشروبات الكحولية وببيع وشرب الخمور في رؤيته للمملكة وكسر حرمة بلاد الحرمين.

وعلى مدار السنوات الماضية، ظهرت مؤشرات متعددة عن التحولات التدريجية في قوانين الكحول بالسعودية، من تصريحات المسؤولين إلى قرارات مثيرة للجدل، جميعها تؤكد تحولًا لا يمكن تجاهله. إليكم التفاصيل:

والبداية من تقديم بن سلمان في مقابلة مع “بلومبيرغ” في 2017 وعدًا بعدم السماح للكحول إطلاقًا داخل السعودية، ولا حتى في مدينة مثل “نيوم”.

في حينه قال بن سلمان: “يمكننا أن نطبق 98% من المعايير المطبقة في مدن مماثلة، لكن هناك 2% لا نستطيع أن نفعلها، مثل الكحول على سبيل المثال.. الأجنبي إذا أراد الخمر يمكنه الذهاب إلى مصر أو الأردن”.

لاحقا اجتمع بن سلمان مع عدد من النجوم في إحدى ليالي أبريل 2018 في منزل “مردوخ”، منهم كان “ذا روك” الذي نشر مُعبرًا عن سعادته عن ما وصفه بـ”ليلة تاريخية”.

كتب في منشوره: “أتطلع إلى زيارتي الأولى قريبًا إلى السعودية. سأكون متأكدًا من إحضار أفضل أنواع التكيلا لمشاركتها مع صاحب السمو الملكي وعائلته”.

وقد قام “ذا روك” بعد ذلك بتعديل منشوره على “إنستغرام” في محاولة محتملة لتبديد الشكوك حول مشاركة بن سلمان في تلك الأمسية: “شكرًا للجميع على هذه الليلة الرائعة. لحسن الحظ، لقد أحضرت التكيلا الخاصة بي”.

من جهة أخرى وخلال مقابلة “ابن سلمان” لصحيفة “ذا أتلانتك”، كتب الصحفي “غرايم وود”: “سألت ولي العهد عما إذا كان سيتم بيع الكحول قريبًا في المملكة. كان هذا هو السؤال السياسي الوحيد الذي رفض الإجابة عليه”.

في تعليق لاحق لنفس الصحفي، قال إن الحكومة السعودية سلّمت نصًا مُنقحًا إلى قناة “العربية” وحذفت منه الجزء المتعلق ببيع الكحول في السعودية، وبرر “وود” ذلك بأن “رفضه الإجابة على هذا السؤال يشير إلى أن مثل هذا التغيير ممكن”.

وفي مطلع 2022، تحدث ضيف “عبدالله المديفر”، “سعد الصويان”، عن شراء المشروبات الكحولية في الابتعاث، ووصفها بـ”القويريرات”، كما أشار إلى البارات بـ”محلات الوناسة”.

كتب بعدها بأيام “عبدالله بن بخيت” على صحيفة “عكاظ” تقريرًا بعنوان “سعد الصويان و’قُوَيْريرات الوناسة’!”

كتب في مطلع تقريره: “من يتخيل أن يذهب شاب سعودي إلى البلاد المفتوحة دون أن تمتد يده إلى القويريرات في محلات الوناسة”.

وأضاف: “كل من أسهم في بناء هذه النهضة تعرض لإغراء قويريرات الوناسة، بعضهم خاض التجربة وبعضهم اجتنبها بيد أنهم جميعًا عادوا وأسهموا في بناء بلادهم”.

يعتقد “بن بخيت” بأن قضية الخمور “تافهة عند البشر الآخرين وفي الحضارة الإسلامية”.

يشير الكاتب السعودي في مقاله إلى التالي:

أهمية طرح مسألة شرب الخمر في الإعلام السعودي بجرأة.

الأغنياء “محبو الوناسة” (أي شرب الخمور) أغنوا بأموالهم عصابات تهريب الخمر الجيد.

حان وقت التحرر من “الفوبيا” التي زرعها “دعاة الصحوة”.

يجب لفت الانتباه إلى المبالغ المالية الضخمة التي تصرف خارج المملكة من جيوب طالبي هذا النوع من المتعة.

وختم مقاله بسؤال “هل قانون حظر دخول الخمور البلاد منع دخول الخمور وأوقف تعاطيها؟”، في توصية واضحة إلى السعي نحو تقنين الخمور في بلاد الحرمين الشريفين.

بدورها طرحت منصة “استطلاع السعودية” في يونيو 2019 سؤالًا للسعوديين، نصّه: “هل تؤيد السماح بتوفير البيرة الكحولية لغير المسلمين المتواجدين في السعودية؟”

وفي يونيو 2020 طرحت المنصة سؤالًا آخرًا نصّه: “ما رأيك بالسماح ببيع المشروبات الكحولية في المملكة من خلال الأسواق الحرة في المطارات الدولية فقط ؟”

وفي نوفمبر 2019 أشارت “ذا تلغراف” إلى إمكانية استنساخ تجربة دبي في السعودية، بفرضية أنه من أجل بناء قطاع سياحي مزدهر، “في مرحلة ما، قد تضطر إلى تغيير سياسة منع الكحول”.

ويضيف التقرير أنه على الرغم من الحظر الصارم المفروض على استهلاك المشروبات الكحولية على المسلمين في دبي، إلا أن الزوار الأجانب يسمح لهم بزيارات الحانات والنوادي الفنادق.

من جهتها نشرت “وول ستريت جورنال” تقريرًا في سبتمبر 2022، تقول فيه أن الحكومة السعودية تخطط لتقديم النبيذ والكوكتيلات والشمبانيا في “نيوم”، تحديدًا في جزيرة “سندالة” التي تم افتتاحها مؤخرًا.

وفقًا لمصادر ووثائق التخطيط التي اطلعت عليها الصحيفة، فيتوقع أن تُقدم الجزيرة “بار نبيذ ممتاز وبار كوكتيل منفصل وبار للشمبانيا والحلويات”.

كما صرّح المدير الإداري للسياحة في “نيوم” في 2022، “أندرو ماكيفوي”، قائلًا: “فيما يتعلق بالكحول، فإن السعودية لديها وجهة نظر بأن نيوم ستكون سلطة خاصة بها، وهذا ليس مستبعدًا”.

وبالرغم من تأكيد محمد بن سلمان  في 2017 بأن الأجنبي داخل السعودية إذا “أراد الخمر يمكنه الذهاب إلى مصر أو الأردن”، إلا أنه في يناير من هذا العام، أعلنت “رويترز” عن افتتاح السعودية أول متجر للكحول في الحي الدبلوماسي بالرياض، الأول منذ أكثر من 70 عامًا.

وقال مستشار سعودي مقرب من الديوان الملكي في المملكة لموقع CNBC: “إنها خطوة صغيرة لفتح مبيعات الكحول لغير المسلمين في السعودية في نهاية المطاف، للفنادق وأماكن أخرى”.

وفي فبراير من هذا العام، ناقشت صحيفة “ذا إيكونوميست” وصول “ثقافة البار” إلى السعودية، ولكن “من دون خمر”.

يشير التقرير إلى انتشار ظاهرة “الموكتيل”، مشروبات يُعدّها “خبراء مزج المشروبات”، تمامًا كما في البارات الغربية، ولكنها بدون كحول.

يقول التقرير: “الناس يعتادون على نوع مختلف من الحياة الليلية. إذا كنت تخطط لتخفيف الحظر، فستكون هذه طريقة ذكية للبدء: أولًا عوِّد الجمهور مع مشهد المقامرين [الزبائن] الذين يطلبون الويسكي الحامض، ثم أضف الويسكي لاحقًا”.

وفي يونيو من هذا العام، أكدّت صحيفة “التلغراف” أن السعودية تشهد “تحولًا تدريجيًا” لبيع الكحول.

يقول التقرير أن الفنادق الفخمة امتلأت بالبارات التي تقدم “البيرة والمشروبات الروحية الخالية من الخمر”، وذلك بهدف تسهيل عملية الانتقال الناعم عند تغيير قانون المنع.

في العام الماضي، قامت “الخطوط السعودية” المملوكة من قبل الحكومة بإضافة مشروبات “موكتيل” تصنعها شركة “سي بيليسيمي” الإيطالية كي يتم تقديمها على متن رحلاتها.

شركة “سي بيليسيمي” لها خطّين اثنين، الأول للمشروبات الكحولية والثاني للمشروبات غير الكحولية، إلا أن الخطّين يتشاركان في أسلوب تقديم واحد.

“أول ملهى ليلي في السعودية”.. عنوان تقرير نشرته “ذا تايمز” البريطانية في مايو الماضي، يتحدث عن “ملهى بيست هاوس” الليلي في الرياض.

على الرغم من توفر بار يقدم “الموكتيلات” غير الكحولية، إلا أن هذا الملهى معروف بتهريب المشروبات الكحولية بانتظام إلى الحفلات التي تقام فيه، كما أشارت الصحيفة.

في تقرير آخر لـ”بيلبورد” عن حفلات “مدل بيست”، نقلت الكاتبة عن أحد الموظفين في هذه الحفلات قوله بأن المشروبات الكحولية يتم جلبها من البحرين، وأنه وراء الكواليس “الجميع هنا ثملون”.

ولتلبية رغبات رجال الأعمال الأجانب، وفر النظام السعودي الكحول عبر “حلول غير رسمية”، تشمل المجمعات الخاصة والحفلات والبارات المغلقة.

ففي نوفمبر الجاري، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن السعودية تجاوزت حظرها الرسمي على الكحول و”انحنت” لتلبية رغبات ضيوفها من رجال الأعمال.

وبالمحصلة تقدّم حكومة محمد بن سلمان عددًا “لا يحصى من الحلول” حتى لا يُحرم الضيوف من أخذ الاستمتاع بشرب الكحول في السعودية.

ويؤكد التقرير أن الخمر “متاح بسهولة في المجمعات الخاصة للعائلات المحلية البارزة والمستثمرين المرتبطين بالحكومة”، كما شهدت حفلات ما بعد منتصف الليل باب سريّ يُؤدي إلى بار يُقدم جرعات الويسكي.