معتقلة رأي تتعرض للانتهاكات الممنهجة داخل سجنها في السعودية
أبلغت معتقلة الرأي الناشطة في مجال حقوق المرأة مناهل العتيبي، المعتقلة في سجن الملز بالرياض والمحكوم عليها بالسجن 11 عاما بسبب اختيارها الملابس التي ترتديها ودعمها لحقوق المرأة، عائلتها هاتفيا بأنها تتعرض للانتهاكات الممنهجة والمزيد من الاعتداءات في السجن.
وأكدت منظمة القسط لحقوق الإنسان، على ضرورة منح المراقبين الدوليّين المستقلين إمكانية الوصول إلى السجناء، في ظل فشل السلطات السعودية في حماية المعتقلين.
وذكرت القسط بأن العتيبي، قالت في مقابلة إعلامية لقناة الإخبارية الألمانية، إنها قد شعرت بالحرية في التعبير عن آرائها وعدم إلزامها بالعباءة بناء على تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان، مؤكدة أن رغم ذلك حُكم على العتيبي لممارستها هذه الحريات على وجه التحديد.
بعد أكثر من شهر من الإخفاء القسري، اتصلت مناهل العتيبي لتخبر عائلتها بأنها قد تعرض على المزيد من الاعتداءات في السجن.
يشار إلى أن مناهل العتيبي محتجزة على خلفية دعمهما السلمي لحقوق المرأة واتهام النيابة العامة لها بنشر عدة صور ومقاطع بملابس غير محتشمة، وتحريض الفتيات على عدم ارتداء العباءة السوداء التقليدية، وانتقاد القوانين المتعلقة بالمرأة ومن بينها قانون ولاية الرجل، ومنعت من الاتصال بالعالم الخارجي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وفي أبريل/نيسان 2024، كشفت القسط أن العتيبي ، استطاعت التحدث إلى عائلتها مجددا في 14 أبريل/نيسان 2024، وأخبرتهم أنها معتقلة في ظروف غير إنسانية في زنزانة انفرادية، وأن لديها كسر في ساقها نتيجة تعرضها للإساءة الجسدية في السجن.
وسبق وأعربت القسط في سبتمبر/أيلول 2023، عن بالغ قلقها من تعرض العتيبي لاعتداءات جسدية ونفسية في محبسها على يد سجينة أخرى، مستنكرة منع سلطات السجن العتيبي من تقديم شكوى حينما أخبرتهم بالأمر، ووضعها في الحبس الانفرادي، ثم نقلها إلى زنزانة مشتركة مع مدمنات المخدرات.
وقد أكدت منظمة حقوقية أن ممارسة التعذيب لا يزال في صميم تعامل الهيئات السعودية الرسمية المختلفة مع المعتقلين من دون أي خطوات جدية لتطبيق التعهدات الدولية التي اتخذتها السعودية وأبرزها اتفاقية مناهضة التعذيب.
ويحيي العالم في 26 يونيو من كل عام اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، بما يمثل دعوة “الدول والمجتمع المدني والأفراد في كل مكان إلى الاتحاد لدعم مئات الآلاف من الأشخاص في كافة أنحاء العالم ممن كانوا من ضحايا التعذيب، فضلا عن الذين لم يزلوا يتعرضون للتعذيب حتى اليوم”.
ويتزامن اليوم الدولي مع دخول الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة حيز التنفيذ، وهي تعد إحدى الأدوات الأساسية في مكافحة التعذيب.
وقد صادقت السعودية على الاتفاقية منذ العام 1997، في فبراير 2001، أبلغت الحكومة السعودية لجنة مناهضة التعذيب أن الاتفاقية أصبحت، بموجب التصديق عليها بمرسوم ملكي، تشكل جزءاً من القوانين الوطنية، الأمر الذي يجيز الاستشهاد بأحكامها أمام المحاكم وغيرها من السلطات القضائية والإدارية.
وقالت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إن السعودية تنتهك بشكل واسع لبنود الاتفاقية الدولية الخاصة بمنع التعذيب.
على سبيل المثال، تنتهك السعودية بشكل صارخ المادة 12 منها التي تنص على أن: “تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بان عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الاقاليم الخاضعة لولايتها القضائي”، والمادة 15 منها التي تنص على أن: “تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات”.
ويظهر هذان الانتهاكان بشكل واضح في صكوك أحكام أفراد تم الحكم عليهم بالإعدام، حيث يؤكد المتهمون أمام القضاة تعرضهم للتعذيب النفسي والجسدي، وانتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب، على الرغم من ذلك يظهر الصك أنه لم يتم التحقيق في هذه المزاعم.
وتعقد الجلسات اللاحقة من المحاكمة من دون تحقيق، ومن دون استجابة لطلبات المتهمين التي تتضمن أيضا إحضار تسجيلات مصورة من التحقيق أو تقارير طبية تثبت الإصابات التي نتجت عن التعذيب.
إضافة إلى ذلك، رصدت المنظمة عبارة صدور أحكام على متهمين بالقتل، على الرغم من تراجعهم عن أقوال انتزعت تحت التعذيب.
إذ تبرز عبارة: “نظرا لرجوعه عن إقراره، وهي شبهة تدرأ بها الحد، فقد درأنا عنه حد الحرابة وقررنا قتله تعزيرا.”
ويقصد القضاة بهذه العبارة أنه تم استبدال الحكم الذي من المفترض أنه محدد في الشريعة الإسلامية بحكم آخر يعتمد على تقدير القاضي للعقوبة، بسبب تراجع المتهم عن اعترافاته المنتزعة تحت التعذيب، والتي عادة ما تكون السند الأساسي للحكم.
الوعود الرسمية
لا تكتف السعودية بالترويج إلى أن قوانينها تتوافق مع الاتفاقية وتحظر التعذيب، ولا بأن ممارساتها تتطابق مع التزاماتها الدولية، بل عمدت الأجهزة الرسمية إلى الترويج إلى مزاعم بالعفو والمعاملة الحسنة مع الأفراد الذين يعمدون إلى تسليم أنفسهم في حال كانوا مطلوبين أمنيين وخاصة من المتهمين بقضايا تتعلق بالمشاركة في احتجاجات والتعبير عن الرأي.
ومنذ بداية الأحداث التي شهدتها السعودية بالتوازي مع الربيع العربي، بدأت حملات الترهيب والاعتقال والإعلان عن قوائم مطلوبين معظمهم على خلفية المشاركة في المظاهرات السلمية التي شهدتها منطقة القطيف على وجه الخصوص.
أتى ذلك في ظل انعدام الثقة بالنظام القضائي والمعلومات عن تعرض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة ووفاة بعضهم بسبب ذلك، وبالتالي المخاوف على الحرية والسلامة.
جهات رسمية سعودية حاولت حث المطلوبين أمنيا على القوائم المعلنة أو من تم استدعائهم، على تسليم أنفسهم ووعدت أنه سيتم أخذه بعين الاعتبار، وذلك فيما يخص المعاملة من جهة والتخفيف من الأحكام من جهة أخرى.
دفعت الوعود الرسمية المتكررة من قبل وزارة الداخلية، وأمير المنطقة الشرقية التي تضمنت أيضا وعودا بالعفو، وغيرها من الجهات عددا من الشبان المطلوبين أو الذين تم استدعاؤهم إلى تسليم أنفسهم.
على الرغم من ذلك، عرض هؤلاء لانتهاكات جسيمة، تضمنت سوء المعاملة والتعذيب والأحكام المطولة التي وصلت في بعض القضايا إلى الإعدام.
وأبرزت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في هذا التقرير، عدد من القضايا التي تظهر تعامل الحكومة السعودية مع وعود العفو بعد تسليم المطلوب نفسه:
يوسف المناسف:
حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على يوسف المناسف بالقتل تعزيرا، بتهم بينها ما حصل حين كان قاصرا، وحاليا، ينتظر قرار المحكمة العليا التي تعد المرحلة الأخيرة قبل التنفيذ.
بحسب المعلومات التي حصلت عليها المنظمة الأوروبية السعودية، ذهب يوسف برفقة والده إلى المحكمة للتوقيع على أوراق تؤكد إلغاء حكم سابق بالسجن 3 أشهر بتهمة التستر.
بعد خروجه من المحكمة تم اعتقال المناسف على الرغم من أنه ذهب طواعية إلى المحكمة ولم يكن على قوائم المطلوبين، وإلى جانب كونه يواجه القتل، تعرض لانتهاكات جسيمة من التعذيب وسوء المعاملة خلال ستة أشهر من السجن الانفرادي أدى إلى فقدانه الوعي ودخوله المستشفى. كما تسبب التعذيب له بمضاعفات صحية وآلام في الظهر.
محمد حسن اللباد:
في سبتمبر 2017، تلقت عائلة اللباد اتصالا أبغلتها فيه أن محمد مطلوب إلى التحقيق. بادر محمد ووالده إلى الذهاب إلى المباحث العامة في عنك، حيث تم وعده بتطبيق العفو عليه خاصة أنه لا يواجه تهما خطرة، كما طلبوا منه مجاراة المحقق حتى انتهاء التحقيق.
بعد نقله إلى سجن المباحث العامة في الدمام، بدأت المعاملة تتغير. تعرض محمد إلى انتهاكات واسعة وتعذيب جسدي ونفسي شديدين، استمروا لمدة 5 أشهر و6 أيام بقي خلالها في السجن الانفرادي.
من بين ما تعرض له، الضرب والجلد من قبل عدة أشخاص بواسطة أسلاك معدنية، والركل والرفس، والدوس على رقبته حتى الاختناق، بالإضافة إلى الإيهام بالغرق، وتقييد اليدين والقدمين لفترات طويلة.
كما تعرض للتعذيب النفسي الشديد، حيث وضع في غرفة مظلمة لأيام، وفي غرفة شديدة البرودة، كما تعرض للشتم والقذف والتهديد باغتصاب أخواته والتهديد بالقتل.
أدى التعذيب الذي تعرض له إلى الإغماء المتكرر وهبوط الضغط وضعف نبض القلب، ما أدخله المستشفى. كما أدى التعذيب إلى آلام متواصلة ومستمرة منعته من النوم، إلى جانب آثار طويلة الامد، بينها النسيان وعدم التركيز.
أجبر اللباد على التوقيع على اعترافات، ولاحقا حكم عليه بالقتل تعزيرا من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة.
مجتبى الصفواني:
في يونيو 2012 تم استدعاء مجتبى الصفواني إلى التحقيق حيث سلم نفسه حين كان يبلغ من العمر 16 عاما. على الرغم من أنه بادر إلى تسليم نفسه وضع في السجن الانفرادي لمدة سنة ونصف وتعرض لأنواع مختلفة من التعذيب من بين ذلك الضرب المبرح والتحقيق لساعات طويلة والإهانة.
إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من كونه قاصر، طالبت النيابة العامة له بالقتل ولاحقا حكم عليه بالسجن لمدة 13 عاما بتهم تتعلق المشاركة في مظاهرات.
حاليا، وعلى الرغم من انتهاء مدة حكمه، وعلى الرغم من أن قانون الأحداث ينص على أن الحد الأعلى للعقوبة بحق الحدث هي 10 سنوات سجن، لا زال معتقلا.
إضافة إلى هؤلاء، سلم العديد من الشبان أنفسهم إلى مركز الشرطة أو المباحث العامة، وبدلا من أن يتلقوا المعاملة الحسنة التي وعدوا بها، انقطعت أخبارهم وحكم على بعضهم لسنوات طويلة بتهم ليست خطيرة ولا عنيفة.
وخلصت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن التعذيب وسوء المعاملة ولاحقا الحكم بالقتل وبأحكام قاسية ضد أفراد عمدوا إلى تسليم أنفسهم ووثقوا بوعود العفو، يبين سبب رئيسي من أسباب انعدام الثقة بالنظام الأمني والقضائي في السعودية. وترى المنظمة أن هذه القضايا تبرز كنماذج لطبيعة تعامل السلطات السعودية مع المعتقلين، وكون التعذيب ممارسة شائعة لا تحد منها لا المعاهدات الدولية ولا الوعود المحلية التي تطلق.
وأكدت المنظمة أن تعامل السعودية مع المعتقلين يؤكد أن المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية بقي ضمن سياق غسيل صفحتها أمام المجتمع الدولي، ولم ينفع في حماية الأفراد من التعذيب.
وشددت على أنه في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، فإنه لا يمكن تجاهل أكثر من 70 شخصا يواجهون عقوبة القتل في السعودية بعد تعرضهم لمظلة واسعة من الانتهاكات التي تعد ضربا من ضروب التعذيب.
كما أكدت أن النظام القضائي في السعودية فشل في تنفيذ توصيات وبنود الاتفاقيات الدولية التي تجرّم التعذيب من جهة، كما أن ممارساته المتكررة دفعت إلى انعدام الثقة في آلياته المختلفة وفي جدواه.