خمسة أعوام على إطلاق رؤية 2030.. ترويج بن سلمان للأوهام
مضت خمسة أعوام على إطلاق ولي العهد محمد بن سلمان رؤية 2030 لتنويع مصادر اقتصاد السعودية اعتمادا على سياسة الترويج للأوهام.
ارتكزت الرؤية التي حشد لها بن سلمان أذرعه الإعلامية بكثافة، عدة مشاريع ضخمة يجمع مراقبون على أن تنفيذها أقرب للمستحيل.
أبرز تلك المشاريع مدينة نيوم ضمن أوهام تحويل المملكة إلى نموذجٍ عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة، من خلال التركيز على استجلاب سلاسل القيمة في الصناعات والتقنية داخل المشروع.
أحلام وأوهام ووعودات يريد أن يحققها “أمير كرتون” ضمن رؤية السعودية 2030 والتي تأتي ضمن تنويع اقتصاد المملكة.
ويرى أمير كرتون مثل هذه المشاريع الواهمة في ألعابه الإلكترونية ليصبح مريض أحلام اليقظة.
ونيوم مدينة خيالية تتحلق في سمائها السيارات، تأسست في يناير 2019 عمليات تطوير منطقة نيوم والإشراف عليها، وهي شركة مساهمة مقفلة برأس مال مدفوع بالكامل وتعود ملكيتها إلى صندوق الاستثمارات العامة.
وستعمد الشركة إلى إنشاء مدن جديدة وبنية تحتية كاملة للمنطقة تشمل ميناءً، وشبكة مطارات، ومناطق صناعية، ومراكز للإبداع لدعم الفنون، ومراكز للابتكار تدعم قطاع الأعمال، إضافة إلى تطوير القطاعات الاقتصادية المستهدفة.
ويسعى بن سلمان إلى تشجير 7,5 ليون شجرة ن زراعة تريليون شجرة حتى غرس الأشجار البلاستيكية موزعة على أنحاء المدينة 3330 حديقة و43 منتزه إضافة إلى 272 كيلو متراً من الأودية.
وترسم تاريخياً آلية التغيير والإصلاح في الملكيات عبر إعادة ترتيب لمراكز القوى التقليدية فيها، وتحجيم -أو إلغاء- إحداها على الأخرى.
إلا أن رعونة وطمع محمد بن سلمان يدفعانه إلى احتكارها كلها، فمن جهة هو يمثّل البيت الملكي، ومن أخرى يريد أن يكون الرأسمالي والتاجر والمستثمر (ويدير الدولة بعقلية القطاع الخاص كما تصرّح ريما بنت بندر) بل ويريد أن يمثّل المؤسسة الدينية وأن يكون هنالك “إسلام محمد بن سلمان” على حد تعبير عائض القرني.
انطلاقاً من ذلك، لا مجال سوى أن يكون مآل هذا الواقع هدّاماً لبنية الدولة، وهو هدم مرهون بإطار زمني مرتبط باستمرارية تدفق الريوع النفطية.
فهو هنا لم يقم بالمناورة التاريخية للعوائل الحاكمة عبر المساومة على امتيازات الحكم أمام الطبقة الرأسمالية عبر صيغة توافقية عبر ما يسمّى بالملكية الدستورية.
وموقعه كأمير ينتمي للعائلة التي تملك الحكم لا يخوّله أن ينقلب ويحتكر الحكم بصيغة تسمح له بالتوفيق بين مكانه السياسي والمعنوي وطموحاته النرجسية بشكل يجعله أن يكون “نابليون زمانه”.
من هنا، ونحن ندخل العام الخامس منذ إعلان الرؤية، فلا تزال تُراكم الخيبات، حيث تظل التغييرات البنيوية التي حدثت تتسم بالهشاشة.
ومع انصهار السلطات جميعها في شخص رجل واحد وهو ولي العهد، فلا يمكن فصل شخصية وطباع الأمير عن طبيعة عمل بنية الدولة وقرارات الرؤية؛ من بيع الشركة الوطنية للنفط إلى ارتهانها المذل للشعب ولكل عربي للرجل الأبيض وتكيّفيها لإبهاره وبناء البنية التحتية لخدمته.
وكأن الدولة مزرعة بشرية تولد فيها كمواطن وتتكاثر وتعمل مستعيناً بحشد من العبيد من أقاصي آسيا لبناء مدينة يسكنها مستوطنون من أثرياء الأرض.
وتهيمن تاريخياً على مقاربة الدولة السعودية منظور البحث في جدليات كل من النفط والتيارات الدينية والمجتمع المحافظ والحكم القبلي.
وهو أمر مفهوم إذا ما تم وضعه في سياق هوس التصورات الاستشراقية بخصوصية “المملكة الصحراوية” لأغلب الباحثين الغربيين.
وفي السنين الأخيرة شهدنا صعوداً لمنظور مقاربة الدولة الريعية والاقتصاد الرأسمالي والاندماج في العولمة، حيث يأتي هذا الصعود بعد غياب كان قد لاحظه الباحث الإيطالي جيوكومو ليوساني، أحد أبرز منظري الدولة الريعية.
إلا أن الغائب الآخر هو مقاربة الدولة السعودية من منطلق أنها قامت كملكية كلاسيكية، وعليه محاولة إسقاط تحليلات أدبيات علوم الاجتماع السياسي حول الملكيات والحكم المطلق عليها.
إذ تم نزع السعودية من السياق التاريخي العام لتاريخ الملكيات كشكل من أشكال أنظمة الحكم في المجتمعات البشرية، خصوصاً عن الممالك الغربيّة، في ظل محاولة متعمّدة لإضفاء خصوصية مكانية ودينية واجتماعية عليها.
والتي من ضمن أهدافها جعل العديد من التقاليد والطقوس للممالك العربية -وغير العربية- نوعاً من الغرائبية والتخلّف والرجعية، بينما يتم الاحتفال بذات التقاليد والطقوس في الممالك الغربيّة كنوع من الثقافة العليا والنّبل، كمشاهد الجثو والانحناء وتقبيل الأيدي.
ويعطف على ذلك محاولات ترسيخ تنميطات بأن “العرب يبجّلون القادة”، التي وللأسف يتبناها العديد من الشباب العربي بشكل مبطن.
وللمفارقة فأغلب هؤلاء الشباب يشاركون في عملية التبجيل العملاقة التي تمّت عولمتها لتصبح حالة عابرة للحدود لشخوص البيت الملكي البريطاني وأخباره والهوس حولها.