النظام السعودي يدفع لبنان نحو الانهيار.. تتويج لسلسلة أزمات مفتعلة
يجمع مراقبون على أن النظام السعودي يدفع لبنان نحو الانهيار في ظل ما تتخبط به البلاد أصلا من كوارث شاملة، فيما يأتي تصعيد الرياض تتويج لسلسلة أزمات مفتعلة.
ولم يكن إعلان السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان، سوى محطة أخيرة من سلسلة أزمات مفتعلة اندلعت في السنوات الأخيرة على خلفية تصريحات أو مواقف صادرة عن مسؤولين لبنانيين.
وصرح وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب إن السعودية تبدي “قساوة” لا يتفهمها الجانب اللبناني، مضيفا أننا “لن نقبل أن تحل أي أزمة على حساب الرياض أو بيروت ولتتحرك جامعة الدول العربية وتدعو إلى الحوار”.
ولم يكن ينقص الوضع اللبناني غير ملامح المقاطعة الخليجية الكاملة التي بدأت تظهر الآن، ليكتمل مشهد الانهيار الكلي للبلد، وانسداد كل آفاق الحلول التي كان من المفترض أن تسعى إليها ما تسمّى “حكومة الإنقاذ”، والتي أصبحت جزءاً أساسياً من الأزمة.
فقضية تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي بخصوص السعودية والإمارات وحرب اليمن ليست سوى “السبب المباشر” للحملة السعودية على لبنان.
إذ بات معلوماً أن الرياض نفضت يدها من الملف اللبناني كلياً منذ اتضاح السيطرة الكاملة لحزب الله على مقاليد الحكم في البلاد.
وبالتالي، فإن السعودية ليست في وارد تقديم أي مساعدة للبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها. حتى أنها تجاهلت “عبارات الغزل” التي أطلقها رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، ولم تُعره أي اهتمام.
غير أن الرياض كانت مدركةً أنه سيطرق الباب مرّة تلو الأخرى، وخصوصاً أن الباب الخليجي عموماً، والسعودي خصوصاً، كان الأسهل سابقاً بالنسبة للحكومات اللبنانية.
إذ كانت المساعدات تأتي من دون شروط مسبقة، على عكس ما هو عليه الحال اليوم في مفاوضات لبنان مع المانحين الدوليين، والذين يملون شروطاً قد تكون طبيعيةً، إلا أنها مستحيلة التنفيذ في ظل التقسيمة اللبنانية.
غير أن السعودية اليوم تغيّرت، وتحديداً في تعاطيها مع لبنان، بعدما فشلت كل المحاولات السابقة لتحجيم حزب الله، بل أتت بمفعول عكسي.
ووجدت السعودية في تصريحات قرداحي فرصةً لقطع الطريق على أي محاولةٍ من الحكومة اللبنانية لطلب المساعدة. ويمكن القول إن ردة الفعل السعودية على تصريحات قرداحي مبالغٌ فيه، بالنظر إلى سوابق لبنانية كثيرة في العلاقة مع الرياض.
فما قاله فرداحي، وعلى الرغم من أنه نابع عن جهل كامل بالوضع اليمني وكيفية اندلاع الحرب هناك، وتحديداً لقوله إن “الحوثيين يدافعون عن أنفسهم”، لا يستدعي سحب السفراء وطردهم، خصوصاً أن التصعيد ضد السعودية من الداخل اللبناني ليس جديداً، ولا سيما في ما يخصّ اليمن وغيره.
فالأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، لم يوفر مناسبة لمهاجمة السعودية بعباراتٍ تتجاوز ما أورده قرداحي، والحزب ضالع بشكل مباشر في حرب اليمن، عبر تدريب مقاتلين حوثيين وإرسال خبراء إلى اليمن للمشاركة في القتال.
وإذا كان نصر الله لا يمثل مباشرة الدولة اللبنانية، على الرغم من أنه بات في حكم “مرشد الجمهورية”، فإنه سبق لوزير الخارجية اللبناني السابقن شربل وهبة، أن اتهم دول الخليج، في حوار تلفزيوني، بتمويل تنظيم داعش وإرسال مقاتلين إلى سورية والعراق، كما أظهر عنصريته عندما هاجم الضيف السعودي في البرنامج الذي ظهر فيه باعتباره “من أهل البدو”. على الرغم من ذلك، لم تصل ردة الفعل السعودية والخليجية إلى هذا المستوى من التصعيد.
من الواضح أن هذا التصعيد السعودي يحمل رسائل سياسية واقتصادية إلى الحكومة اللبنانية، أهمها إغلاق الباب كلياً أمام المساعدات التي قد تكون دول الخليج مصدراً لها، فلا أمل لبنانياً اليوم في الحصول على قروض أو منح تساعده في تخطّي أزمته الاقتصادية غير المسبوقة.
كذلك، تريد الرياض إيصال رسالة عدم رضى عن شكل الحكومة وتشكيلتها، بعدما ظهرت طبيعة “وزراء التكنوقراط”، وطريقة التوزير التي استبعدت السعودية والمقرّبون منها من المشهد.
ومن الممكن إضافة نقطة أخيرة، قد تكون في الحسابات السعودية، والتي قد ترى في الأزمة الاقتصادية اللبنانية فرصةً لإضعاف حزب الله، على طريقة تعاطي دونالد ترامب مع إيران، غير أن ترامب لم يعد موجوداً في البيت الأبيض، وإيران لم تعد تحت الضغط نفسه.
وبالتالي، هذه الحسابات خاطئة أيضاً، في حال كانت موجودة، وستأتي مجدّداً بنتائج عكسية، ويخرج حزب الله رابحاً وحيداً.
خسائر وقف الصادرات
إلى جانب قطع العلاقات الدبلوماسية، اتخذت السعودية خطوة ثانية تمثلت بوقف كافة الصادرات اللبنانية إلى المملكة، ما سيلحق بالبلد خسائر بملايين الدولارات، في حين يواجه أزمته الاقتصادية التي صنفها البنك الدولي أنها من بين 3 أسوأ أزمات اقتصادية في العالم.
ويهدد الإجراء السعودي تدفق الدولارات إلى لبنان، فيما يعاني من أزمة نقدية واسعة النطاق أدت إلى خسارة الليرة أكثر من 90% من قيمتها خلال السنتين الماضيتين حتى اليوم، كما استُنفدت احتياطيات لبنان من العملات الأجنبية.
وارتفعت الصادرات اللبنانية، وفق بيانات “مركز التجارة الدولية”، إلى المملكة، من حوالي 286 مليون دولار إلى حوالي 289 مليون دولار بين 2018 و2019، لتصل إلى 247 مليون دولار في 2020. وتصدرت الفواكه والخضار لائحة الصادرات في العام 2020 بحوالي 36 مليون دولار.
فيما كان مجموع الصادرات الإجمالية في العام الماضي 3.8 مليارات دولار وفق المصدر ذاته.
أما واردات لبنان من السعودية، فقد تراجعت دراماتيكياً خلال 2018 و2019 و2020، من 506 ملايين دولار إلى 344 مليوناً وصولاً إلى 183 مليوناً على التوالي. وكانت البلاستيكات على رأس لائحة الواردات بقيمة 62 مليون دولار.
ويشرح المرصد الدولي للعلاقات الاقتصادية أن صادرات المملكة العربية السعودية إلى لبنان خلال الـ24 عامًا الماضية زادت بمعدل سنوي قدره 5.99%، انطلاقاً من 65 مليون دولار في عام 1995. فيما زادت صادرات لبنان إلى المملكة العربية السعودية بمعدل سنوي 4.92%، من 89 مليون دولار في 1995.
إلا أن الإجراء السعودي لم يكن استثنائياً، إذ أعلنت المملكة في إبريل/ نيسان الماضي حظراً على استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية، بسبب “تهريب المخدرات”، ما أدى إلى إغلاق سوق كبيرة للمزارعين اللبنانيين.
وتصدير الخضار والفواكه اللبنانية إلى دول الخليج، وخاصة إلى المملكة، أحد الأبواب القليلة التي كانت لا تزال مفتوحة لجلب الدولارات إلى البلاد.
وقد تفاقم انهياره الاقتصادي بسبب الجمود السياسي، حيث لم يتمكن السياسيون من تشكيل حكومة لإطلاق المساعدات الخارجية التي تشتد الحاجة إليها.
ويمر لبنان بالفعل بأزمة مالية عميقة تشكل أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية 1975-1990. وقالت وزارة الزراعة حينها إن هذه الخطوة كانت “خسارة كبيرة”، وإن التجارة تبلغ قيمتها 24 مليون دولار في السنة.
سلسلة أزمات مفتعلة
جاءت الأزمة الحاصلة السعودية مع لبنان تتويجا سلسلة أزمات مفتعلة مستمرة منذ سنوات. وفيما يلي استعراض لأبرز تلك الأزمات:
29 أكتوبر/تشرين الأول 2021
السعودية تستدعي سفيرها في لبنان، وتمهل السفير اللبناني 48 ساعة لمغادرة البلاد
وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة
حظر سفر السعوديين إلى لبنان
البحرين تنضم إلى السعودية وتطلب من السفير اللبناني مغادرة أراضيها خلال الـ48 ساعة
رئيس الحكومة اللبنانية يطلب من السعودية إعادة النظر بقرارها، ويشكّل خلية أزمة
27 أكتوبر/تشرين الأول 2021
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف فلاح مبارك الحجرف، يرفض ويستنكر تصريحات قرداحي، ويطالبه بـ”عدم قلب الحقائق والاعتذار”
السعودية والإمارات والبحرين تستدعي السفراء اللبنانيين لديها وتسلمهم مذكرات احتجاج
الكويت تستدعي القائم بالأعمال اللبناني للاحتجاج على تصريحات قرداحي
26 أكتوبر/تشرين الأول 2021
يحلّ وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي ضيفًا على برنامج تلفزيوني “برلمان الشباب”، ويدلي بتصريحات مثيرة للجدل تتهم السعودية والإمارات بالاعتداء على اليمن، وتعتبر أن الحوثيين يدافعون عن بلدهم
الحكومة اللبنانية تصدر بيانًا تعلن فيه أن تصريحات قرداحي لا تعبّر عن موقف لبنان وصدرت قبل تعيينه وزيرًا
قرداحي يغرّد معلنًا أنّ المقابلة قديمة وأجريت في 5 أغسطس/آب الماضي، وأنّ ما قاله عن عبثية الحرب اليمنية “صدر عن قناعة ليس دفاعًا عن اليمن ولكن أيضًا محبةً بالسعودية والإمارات وضناً بمصالحهما” .
إبريل/نيسان 2021
السعودية تفرض حظراً على واردات الفواكه والخضروات من لبنان بعدما عزت ذلك إلى زيادة في تهريب المخدرات
مايو/أيار 2021
وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية شربل وهبة، يدلي بتصريحات صحافية مثيرة للجدل وتحمل جملة اتهامات إلى دول خليجية ولا سيما المملكة العربية السعودية زاعماً تمويلها الإرهاب ووقوفها وراء جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
شربل وهبة، يطلب إعفاءه من المنصب
نوفمبر/تشرين الثاني 2017
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يعلن استقالته بشكل مفاجئ من الرياض، متذرعًا بوجود مخطط لاغتياله، ومتهمًا إيران وحزب الله بخطف البلد ونشر الفتنة في المنطقة
رئيس الجمهورية ميشال عون يرفض الاستقالة ويعتبر أنّ الحريري موقوف ومحتجز في السعودية، بما أنّه لم يعد إلى البلاد بعد 12 يومًا من إعلان استقالته
في 21 نوفمبر، الحريري يعود إلى لبنان.