قالت منظمة حقوقية دولية إن ولي العهد محمد بن سلمان استخدم القوة الاقتصادية لصندوق الاستثمارات العامة لارتكاب انتهاكات حقوقية خطيرة وللاستثمار في الأحداث الرياضية الأجنبية لغسيل السمعة السعودية المتضررة.
وأبرزت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، أن صندوق الثروة السيادية السعودي “صندوق الاستثمارات العامة”، مرتبط بالجرائم وسهّل انتهاكات حقوق الإنسان واستفاد منها.
وحمل التقرير الصادر في 91 صفحة عنوان “الرجل الذي اشترى العالم: الانتهاكات الحقوقية المرتبطة بصندوق الاستثمارات العامة السعودي ورئيسه محمد بن سلمان”.
ووجد التقرير أن ثروة الدولة السعودية الهائلة المستمدة من الوقود الأحفوري يسيطر عليها فعليا شخص واحد، وهو ولي العهد محمد بن سلمان.
كما وجدت هيومن رايتس ووتش أن ولي العهد يستخدم هذه القوة الاقتصادية الهائلة إلى حد كبير بشكل تعسفي وشخصي جدا بدل تحقيق مصلحة الشعب السعودي، وأن صندوق الاستثمارات العامة يُستخدم لغسيل انتهاكات الحكومة السعودية.
وقالت جوي شيا، باحثة السعودية في هيومن رايتس ووتش: “يتمتع محمد بن سلمان بسيطرة غير محدودة على صندوق الاستثمارات العامة في المملكة، الذي يبلغ حجمه تريليون دولار تقريبا. استخدم ولي العهد القوة الاقتصادية لصندوق الثروة السيادية السعودي لارتكاب انتهاكات حقوقية خطيرة والتغطية على تضرر سمعة البلاد بسبب هذه الانتهاكات”.
صناديق الثروة السيادية هي أموال تراكمها الحكومة، وتتكون غالبا من العائدات الحكومية والفوائض التجارية والاحتياطيات، وتُستثمر محليا وخارجيا. بُني عديد منها على الثروة النفطية.
يستند التقرير إلى مراجعة البيانات الحكومية، ووثائق المحاكم السعودية؛ والقوانين السعودية والمراسيم الحكومية؛ والوثائق الصادرة أثناء إجراءات قضائية في كندا والولايات المتحدة؛ وسجلات وتقارير شركات؛ وتحقيقات وتحليلات أجراها صحفيون وخبراء ماليون وأكاديميون؛ بالإضافة إلى مقابلات مع نشطاء ومعارضين سعوديين، وصحفيين وخبراء ومحامين ذوي خبرة طويلة في الشأن السعودي.
استفاد صندوق الاستثمارات العامة مباشرة من الانتهاكات الحقوقية الخطيرة المرتبطة برئيسه محمد بن سلمان. يشمل ذلك حملة “مكافحة الفساد” التي شنها ولي العهد عام 2017، والتي شملت اعتقالات تعسفية، وسوء معاملة المحتجزين، وابتزاز الممتلكات من النخبة السعودية.
سهّل الصندوق انتهاكات حقوقية خطيرة مرتبطة بولي العهد من خلال الشركات التي يمتلكها ويسيطر عليها الصندوق، مثل قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وهو منتقد رئيسي لحملة مكافحة الفساد.
كانت “سكاي برايم للخدمات الجوية”، إحدى الشركات التي نُقلت إلى الصندوق خلال حملة مكافحة الفساد، تملك الطائرتين اللتين استخدمهما عملاء سعوديون عام 2018 للسفر إلى إسطنبول، حيث قتلوا خاشقجي.
عدّل بن سلمان إطار حوكمة الصندوق وركّز قدرا هائلا من السيطرة والإشراف على الصندوق في يديه، ما مكنه من توجيه مبالغ هائلة من ثروة الدولة بشكل أحادي الجانب إلى مشاريع ضخمة لا تساهم فعليا في إحقاق الحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية في السعودية.
تحمّل الأشخاص الأكثر تهميشا في السعودية – العمال الوافدون، والمجتمعات الريفية، والمقيمون الفقراء ومن الطبقة العاملة – وطأة الانتهاكات الناجمة عن مشاريع الصندوق.
وقد استُخدم رأس مال الصندوق في مشاريع طردت السكان قسرا، ودمرت الأحياء، وأخضعت العمال الوافدين لانتهاكات خطيرة، وأسكتت المجتمعات المحلية.
كما وجدت هيومن رايتس ووتش انتهاكات مرتبطة ببعض أبرز المشاريع الضخمة للصندوق، بما فيها “نيوم”، وهي منطقة اقتصادية ومدينة جديدة على البحر الأحمر تُبنى من الصفر، بالإضافة إلى “مشروع وسط جدة”، وهو مشروع لتطوير مدينة جدة.
طردت السلطات السعودية بالقوة أفرادا من قبيلة الحويطات، الذين سكنوا محافظة تبوك لقرون، في منطقة نيوم المخطط لها، واعتقلت الذين احتجوا على إجلائهم، وقتلت أحد السكان المحتجين. حُكِم على اثنين من السكان بالسَّجن 50 عاما وعلى ثلاثة بالإعدام لمقاومتهم الإخلاء القسري.
“شركة وسط جدة للتطوير” التي يملكها الصندوق بالكامل، والتي تنفذ مشروع وسط جدة، طردت قسرا أعدادا كبيرة من السعوديين من الطبقتين الوسطى والدنيا، والأجانب، والعمال الوافدين من منازلهم في أحياء الطبقة العاملة النابضة بالحياة في جدة لتحويل المنطقة إلى منطقة فاخرة للتسوق والسياحة.
بموجب معايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، على الحكومة السعودية أن تحقق تدريجيا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى أقصى حد من الموارد المتاحة، بما فيها التي يسيطر عليها صندوق الاستثمارات العامة.
بحسب “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا”، لدى السعودية أعلى معدل للفقر بين المواطنين في دول “مجلس التعاون الخليجي” بنسبة 13.6%، ما يعني أن الفقر يؤثر على نحو “واحد من كل سبعة مواطنين في السعودية”. لا يشمل هذا الرقم جميع المقيمين في السعودية، لا سيما العمال الوافدون الذين يشكلون حوالي 42% من السكان.
يعمل صندوق الاستثمارات العامة تحت قيادة محمد بن سلمان بقدر ضئيل من الشفافية والمساءلة، ما يثير المخاوف بشأن ما إذا كانت هذه الأموال تُستثمر وتُدار في نهاية المطاف بطريقة تلبي هذه المعايير الدولية.
وجود تدفق مركزي للإيرادات، مثل عائدات النفط، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الانتهاكات وسوء الإدارة من جانب الحاكم غير الديمقراطي أو النخبة الحاكمة غير الديمقراطية من خلال توفّر الوسائل المالية لترسيخ نفسها وإثراء نفسها دون أي مساءلة مقابلة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه المشاكل موجودة بوضوح في السعودية وتثير مخاطر كبيرة تتمثل في استخدام ولي العهد الصندوق لترسيخ حكمه الفعلي بوضع نحو تريليون دولار من ثروة السعودية مباشرة بين يديه وتمكينه من السيطرة على هذا المبلغ.
لم تجد هيومن رايتس ووتش أدلة على أن المشاريع التي يموّلها الصندوق تعزز التزامات الحكومة بالوفاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعبها.
ولا تحدد الحكومة السعودية البيانات الأساسية المتعلقة بالفقر أو تكشف عنها، ولا تحدد خط الفقر، ما يرجّح أن يكون معدل الفقر أعلى بكثير من الرقم الذي حددته الأمم المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بالفئات المهمشة اقتصاديا والمعرضة لانتهاكات العمل المنهجية.
استُخدمت استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في الولايات المتحدة وبريطانيا وأماكن أخرى من العالم أداةً للقوة الناعمة والنفوذ السعودي.
تشمل هذه الاستثمارات الرياضة، مثل “ليف غولف”، و”كأس العالم 2034 فيفا”، ونادي “نيوكاسل يونايتد” لكرة القدم في الدوري الإنغليزي الممتاز في بريطانيا، وهي حجر الزاوية في عمليات النفوذ السعودية في الخارج.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن هذه الاستثمارات تسعى إلى حشد الدعم الأجنبي غير المنتقد لأجندة محمد بن سلمان، ونشر معلومات مضللة حول السجل السعودي لحقوق الإنسان، وتحييد التدقيق، وإسكات المنتقدين، وتقويض المؤسسات التي تسعى إلى الشفافية والمساءلة.
كونه كيانا حكوميا، فإن صندوق الاستثمارات العامة ملزم بدعم الالتزامات الحقوقية الدولية المترتبة على السعودية. تتحمل الشركات مسؤولية تجنب التسبب في ضرر حقوقي أو المساهمة فيه.
تماشيا مع هذه المسؤوليات، على الشركات إجراء فحص حقوقي شامل ومستقل قبل أي تعامل مع الصندوق، والامتناع عن الأنشطة التي تعزز سمعة الكيانات الحكومية أو المسؤولين المتهمين مؤخرا بارتكاب انتهاكات خطيرة.
عندما لا يمكن تجنب الآثار السلبية الخطيرة على حقوق الإنسان الناجمة عن التعامل مع الصندوق، يتوجب على الشركات تعليق تعاملها معه.
قالت شيا: “تتحمل الشركات التي تربطها علاقات بصندوق الاستثمارات العامة السعودي مسؤولية إنهاء تعاملها معه إذا كانت الانتهاكات الحقوقية الخطيرة المرتبطة بالصندوق لا يمكن تجنبها”.