ما خفى أعظم.. محمد بن سلمان يدعم تسليح إسرائيل لإبادة الفلسطينيين

يفتح الكشف عن شحنة فولاذ عسكري هندي، المتوجهة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي عبر سفينة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، نافذة جديدة على حجم التورط ً السعودي في دعم آلة الحرب الإسرائيلية لإبادة الفلسطينيين.

إذ تأتي هذه الخطوة غير المسبوقة وسط حرب إبادة جماعة متواصلة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، أودت حتى الآن بحياة عشرات الآلاف، وأدت إلى تهجير وتجويع ما يزيد على 2 مليون إنسان يعيشون في ظروف غير إنسانية.

الكشف الخطير الذي نشرته صحيفة The Ditch الاستقصائية الأيرلندية، يضع محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، في صدارة مشهد الدعم اللوجستي والعسكري لإسرائيل، في واحدة من أكثر المراحل دموية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ويضيف هذا الكشف بعداً غير مسبوق للعلاقات التي يجري نسجها في الخفاء بين الرياض وتل أبيب، رغم محاولات المملكة رسمياً التمسك بخطاب “القضية الفلسطينية”.

رحلة فولاذ تتخفى تحت علم السعودية

تقول الصحيفة الأيرلندية إن 75 حزمة من الفولاذ العسكري، منشأها الهند، أُرسلت على متن السفينة Ever Golden، وهي حالياً في طريقها إلى ميناء بيرايوس اليوناني. ومن هناك، ستُنقل الحمولة إلى سفينة سعودية تُدعى فُلك الدمام (Folk Dammam)، بهدف تسليمها إلى ميناء حيفا الإسرائيلي.

والمعطى الأخطر أن سفينة فُلك الدمام ترفع العلم السعودي منذ 15 مايو/أيار 2025، تاريخ شرائها من قبل شركة فُلك البحرية (Folk Maritime)، وهي شركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، الصندوق الذي يرأسه محمد بن سلمان شخصياً.

وفق تحقيق الصحيفة، يبدو أن ترتيبات عملية إعادة الشحن جرى التخطيط لها قبل نقل ملكية السفينة إلى السعودية، لكن استمرار عملية النقل تحت العلم السعودي، وبعد انتقال السفينة إلى ملكية صندوق الاستثمارات العامة، يعني ضمناً إشرافاً سعودياً مباشراً على الصفقة، أو على أقل تقدير، تورطاً رسمياً عبر أداة سيادية يترأسها ولي العهد نفسه.

صندوق بن سلمان .. ذراع النفوذ وأداة الصفقات

ليس خافياً على أي متابع أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي صار في السنوات الأخيرة أداة محمد بن سلمان الأهم في توسيع نفوذه السياسي والاقتصادي، داخلياً وخارجياً.

فالصندوق الذي تُقدّر أصوله بمئات المليارات من الدولارات، لا ينفصل عن سياسات ولي العهد التي تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع الحسابات الجيوسياسية، بما فيها بناء علاقات استراتيجية مع إسرائيل، ولو على حساب دماء الفلسطينيين.

في السياق ذاته، تأتي خطوة امتلاك سفينة تعمل على خط الشحن البحري إلى إسرائيل، لتفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات حقيقية: هل صارت المملكة، من خلال صندوقها السيادي، أداة نقل عسكري لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على غزة؟ وهل يتورط بن سلمان شخصياً في تمرير الدعم اللوجستي أو العسكري لتل أبيب، في وقت يواصل فيه التصريح بدعم حقوق الفلسطينيين؟

حرب الإبادة.. ودعم في الظل

تكمن خطورة المعلومات التي كشفتها The Ditch في توقيتها. إذ يجري شحن الفولاذ العسكري إلى إسرائيل بينما تواصل الأخيرة ارتكاب جرائم حرب في غزة، وصفها خبراء القانون الدولي وحتى محكمة العدل الدولية بأنها قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

الفولاذ العسكري ليس مجرد مادة خام، بل يدخل مباشرة في صناعة المعدات والآليات العسكرية، من الدبابات إلى منصات الصواريخ، وكلها أسلحة استُخدمت في سحق البنى التحتية المدنية في القطاع، وقتل المدنيين بلا تمييز.

وفي ظل هذه الحقائق، يصبح نقل هذه الشحنة عبر سفينة سعودية تابعة لصندوق يترأسه محمد بن سلمان، تورطاً مباشراً في إسناد آلة الإبادة الإسرائيلية.

ولا يغير من حقيقة التورط أي ادعاء بأن السفينة اشترتها السعودية بعد إتمام صفقة الشحن، إذ إن السلطات السعودية قادرة، لو أرادت، على إيقاف العملية فوراً، أو الامتناع عن تسهيل مرور الشحنة تحت علمها، بما أن السفينة صارت خاضعة لولايتها.

BDS تدعو للتصعيد

في مواجهة هذا التطور الخطير، أصدرت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) نداءً عاجلاً إلى القوى الحيّة والنشطاء في السعودية للتحرك فوراً والضغط على شركة فُلك البحرية لوقف أي دور في نقل المواد العسكرية إلى إسرائيل، وضمان ألا تتحول السفن التي ترفع العلم السعودي إلى جسور دعم عسكري لدولة الاحتلال.

كما وسّعت الحركة دعوتها إلى اليابان، حيث يقع مقر مدير ومالك السفينة Ever Golden، وإلى بنما، دولة علم السفينة، وإلى تايوان حيث مقر مشغّلها، فضلاً عن جميع الدول الساحلية التي تمر بها السفينة، لحثها على منع إتمام عملية النقل.

هذه الدعوة تعكس شعوراً متزايداً بالخطر لدى حركات التضامن الدولية، من احتمال تورط كيانات عربية رسمية، وبالأخص السعودية، في تمكين إسرائيل من مواصلة جرائمها.

ما خفى أعظم

إن ما كشفته الصحيفة الأيرلندية ربما يكون رأس جبل الجليد فقط، إذ تُظهر التفاصيل أن العلاقة بين السعودية وإسرائيل تخطت منذ زمن حدود التطبيع غير المعلن، إلى مرحلة المشاركة العملية في تأمين احتياجات إسرائيل العسكرية، ولو عبر أطراف تجارية أو عمليات لوجستية تبدو للوهلة الأولى تجارية بحتة.

تبدو كل الادعاءات السعودية بدعم القضية الفلسطينية جوفاء أمام هذه الحقائق. ففي الوقت الذي يتحدث فيه محمد بن سلمان عن حقوق الفلسطينيين وحل الدولتين، تتورط أذرعه الاستثمارية في صفقات قد تسهم بشكل مباشر في قتل الفلسطينيين. وما خفي أعظم مما تكشفه الوثائق والتقارير حتى اللحظة.

إن القضية اليوم لم تعد مجرد تسريبات أو تكهنات حول مسار التطبيع، بل باتت حقائق موثّقة تربط المصالح السعودية بالمجهود الحربي الإسرائيلي. وإذا لم تواجهها القوى الحيّة، إقليمياً ودولياً، فإن الإبادة المستمرة بحق الفلسطينيين ستجد من يمولها وينقل إليها الحديد والنار… حتى لو كان ذلك من قلب الجزيرة العربية.