انتقدت دول ومنظمات دولية لجوء نظام آل سعود إلى عمليات ترحيل جماعية لعمال أجانب من المملكة من دون إخضاعهم للفحص الخاص بجائحة فيروس كورونا المستجد.
وأعربت وزيرة الصحة الإثيوبية ليا تادسي عن خشيتها من تفاقم الخطر الصحي في البلاد جراء استمرار ترحيل آلاف الإثيوبيين من المملكة دون خضوعهم لفحص طبي للكشف عن الإصابة بكورونا.
وأشارت تادسي إلى أن بلادها تجتهد لاتخاذ الاحتياطات اللازمة، مع توقع ترحيل نحو ثلاثة آلاف إثيوبي من المملكة خلال الأسبوع المقبل.
من جهتها، دعت منسقة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة لدى إثيوبيا كاثرين سوزي إلى تعليق عمليات الترحيل ومنح السلطات الإثيوبية الوقت الكافي.
وحذرت سوزي من أن الوقت ليس مناسبا للترحيل من منظور الصحة العامة، وأن إثيوبيا لا يمكنها أن تتعامل صحيا مع قدوم هذه الأعداد من المرحلين.
وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إن نظام آل سعود رحل آلاف الإثيوبيين على مدى الأيام العشرة الماضية.
وتشكل العمالة الوافدة أحد الأساسيات التي تعتمد عليها المملكة في مشاريعها الاقتصادية المختلفة خاصةً النفط، بالإضافة إلى كثير من المهن التي لا يقبل عليها السعوديون، خاصةً في المطاعم، والأعمال الشاقة، وقطاعات الزراعة، والتنظيف والخدمات المنزلية.
ويوجد في المملكة وفقاً لآخر إحصائية نشرتها الهيئة العامة للإحصاء نهاية العام الماضي، 13.10 مليون عامل غير سعودي، بعد مغادرة أكثر من 1.6 مليون أجنبي بعد زيادة رسوم مرافقي العمالة الأجنبية منذ يوليو 2017.
وبدأت العمالة الأجنبية التدفق إلى السعودية بعد فترة قصيرة من اكتشاف النفط في أواخر الثلاثينيات، إذ تسلمت الأعمال المهنية والفنية والإدارية في مجال النفط، خاصةًَ من جنوب شرقي آسيا.
وينظم عملَ العمالة في المملكة نظام الكفالة الذي يحدد العلاقة بين صاحب العمل والعامل الأجنبي من خلال وساطة مكاتب الاستقدام، حيث قرر النظام أن العامل لحظة وصوله إلى المملكة يصبح ملتزماً بالعمل لدى كفيله وفق بنود العقد، ولا يحق له الانتقال للعمل لدى غيره إلا بإعارته لفترة محددة، أو من خلال نقل كفالته.
وحسب النظام يجب على العمال الأجانب الحصول على إذن كفيلهم لدخول البلاد ومغادرتها، ويُمنع خروج الأشخاص الذين لديهم نزاعات عمل معلَّقة في المحكمة.
وتشترط المملكة على العمال أن يكونوا خالين من الأمراض المعدية، ومن ضمنها فيروس نقص المناعة البشرية والسل، حيث تجرى اختبارات الأمراض المعدية عندما يتقدم العامل بطلب للحصول على تأشيرة في وطنه الأم؛ ومن ثم يجب إجراؤها مرة أخرى في السعودية للحصول على بطاقة إقامة طويلة الأجل.
وأمام ضخامة أعداد العمالة الوافدة في المملكة، والانتقادات الحقوقية الموجهة إلى نظام الكفالة، أقر مجلس الوزراء السعودي نظاماً إضافياً في مايو الماضي، وهو ما بات يُعرف بـ”الإقامة المميزة”.
وبموجب هذا النظام بإمكان أي شخص الحصول على “الإقامة المميزة” لمدة غير محددة (إقامة دائمة) مقابل 800 ألف ريال سعودي تُدفع مرة واحدة (ما يزيد على 200 ألف دولار أمريكي)، أو الإقامة عاماً واحداً قابلاً للتجديد مقابل 100 ألف ريال سنوياً (أكثر من 25 ألف دولار).
ويحصل حاملو “الإقامة المميزة” على امتيازات، منها السماح لأُسرهم أيضاً بالإقامة في السعودية، واستقدام عمالة، ومزاولة الأنشطة التجارية، واستخراج تصاريح لزيارة الأقارب، وامتلاك العقارات في جميع أنحاء المملكة باستثناء مدينتي “مكة المكرمة” و”المدينة المنورة”.
ويجب على المتقدمين على النظام الجديد استيفاء شروط، أبرزها ألا يقل عمره عن 21 عاماً، وأن يكون سجله خالياً من السوابق الجنائية، وألا يكون حاملاً لأي أمراض مُعدية، كما يمكن إلغاء الإقامة في حال صدور عقوبة بالسجن بحق حاملها لمدة 60 يوماً أو غرامة مالية تزيد على 100 ألف ريال.
ويقيم غالبية المقيمين في المملكة داخل منازل يخصصها لهم أرباب العمل، أو مجمعات سكنية مجهزة، مثل معسكر أرامكو السعودية السكني في الظهران والمعروف بين سكانه باسم كامب الظهران.
ومعسكر الظهران منطقة سكنية بنتها شركة أرامكو السعودية لموظفيها، تقع داخل مدينة الظهران في المنطقة الشرقية بالمملكة، وتم إنشاؤه في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، ولا يزال الأكبر مع مساحة لاستيعاب أكثر من 11 ألف نسمة.
ويضم المعسكر اليوم أعراقاً متعددة من السعوديين وجنسيات عربية، من لبنان ومصر والأردن، والآسيويين، ومختلف الجنسيات من أمريكا الشمالية والجنوبية، والبريطانيين.
وهناك نوعان من المناطق المعترف بها من قِبل سكان كامب الظهران، حيث إن الأول بُني لأول مرة في بداية عمل الشركة وهو الجزء الأقدم والأكثر هدوءاً نسبياً، حيث إن معظم المحلات التجارية والحدائق في منطقة أخرى تُعرف باسم تلال (هيلز).
ويعد معسكر الظهران أحد ثلاثة مجمعات تابعة للشركة في شرقي البلاد، جنباً إلى جنب مع مخيمات في رأس تنورة (مصفاة وميناء) وبقيق.
وبالإضافة إلى معسكر الظهران، بَنَتْ “أرامكو” السعودية مجمعات جديدة مثل العضيلية والسفانية وطناجب.
مع تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” في المملكة بات مخالفو الإقامة يشكلون خطراً على المملكة، وذلك لصعوبة تتبُّع حركتهم ومعرفة الأرقام الدقيقة عنهم، وأماكن وجودهم.
ويوجد في المملكة أكثر من ثلاثة ملايين مخالف لأنظمة الإقامة والعمل، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء السعودية بتقرير لها في أيلول/سبتمبر الماضي.
وبلغ إجمالي المخالفين الذين تم ضبطهم في الحملات الميدانية الأمنية والمشتركة بمناطق المملكة كافة خلال الربع الأخير من العام الماضي، (3075645) مخالفاً، منهم (2396112) مخالفاً لنظام الإقامة، و(474086) مخالفاً لنظام العمل، و(205447) مخالفاً لنظام أمن الحدود، حسب الوكالة السعودية.
وبلغ إجمالي المتورطين في نقل وإيواء مخالفي أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود، والتستر عليهم والذين تم ضبطهم، (3790) شخصاً.
ووصل إجمالي عدد المواطنين الذين تم إيقافهم لتورُّطهم في نقل أو إيواء وافدين مخالفين للأنظمة (1261) مواطناً، وإجمالي من يتم إخضاعهم حالياً لإجراءات تنفيذ الأنظمة (12962) وافداً مخالفاً، منهم (11015) رجلاً، و(1947) امرأة، حسب الإحصائيات الرسمية.
وتوجد عدة عوامل أدت إلى زيادة مخالفي الإقامة في المملكة، أولها عدم تعاون المواطنين والمقيمين مع رجال الأمن، وتواطؤهم مع تلك الفئة وفقاً لدراسة أعدَّها رئيس قسم العلوم الاجتماعية بجامعة حائل وحملت عنوان “الخطورة الاجتماعية لمخالفي نظام الإقامة” (واقعها وأساليب الوقاية منها).
ونبّهت الدراسة إلى أن عدم توافر البيانات الرسمية حول مخالفي نظام الإقامة، يعد من أكثر العوامل التي تحدُّ من إجراءات الدراسات وتطويرها اعتماداً على معلومات حديثة واضحة ومنظّمة.
وتوصي الدراسة بضرورة إجراء دراسات تخصصية موسعة، تهتم بالخطورة الاجتماعية لفئة مخالفي نظام الإقامة، وتبلور المشكلة في نقاط واضحة محددة من جميع الجوانب، بما يمكن الباحثين والمتخصصين من وضع الخطط العلاجية والوقائية المناسبة وفقاً لنتائج هذه الدراسات.
وشرعت سلطات آل سعود في تمديد “هوية مقيم” آلياً للوافدين الموجودين داخل أو خارج المملكة العاملين في القطاع الخاص، والمنتهية إقاماتهم، لمدة ثلاثة أشهر إضافية دون مقابل مالي.