نظام آل سعود يكرس إهانة كبرى قبائل المملكة
كرس نظام آل سعود سياسته القائمة على تهميش وإهانة قبائل المملكة من خلال نموذج التعامل مع أحد مشايخ قبيلة عتيبة كبرى القبائل المملكة.
وتعمد النظام تأخير الإفراج عن الشيخ فيصل بن سلطان بن حميد، أحد مشايخ قبيلة عتيبة حتى الحصول على “شفاعة” تقدمت بها قبيلته إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان.
وكان الشيخ فيصل بن سلطان بن حميد تم اعتقاله قبل أشهر على خلفية انتقاده لهيئة الترفيه ورئيسها تركي آل الشيخ، مستشار ولي العهد الشخصي.
وأظهر اعتقال الشيخ فيصل بن سلطان بن حميد لأشهر دون أي سند قانوني ومن ثم طلب شفاعة خاصة من قبيلته للإفراج عنه حدة استهانة النظام بالقبائل ودورها في المملكة.
وكانت سلطات آل سعود اعتقلت الشيخ فيصل بن سلطان بن جهجاه بن حميد، أحد أمراء ومشايخ قبيلة عتيبة، في أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، على خلفية سلسلة من التغريدات التي قام بكتابتها، وانتقد فيها هيئة الترفيه التي يشرف عليها تركي آل الشيخ، المستشار في الديوان الملكي، وأحد أهم العاملين مع ولي العهد.
ووجه الشيخ فيصل بن سلطان انتقادات حادة للهيئة، على خلفية صرف السلطات مبالغ طائلة عليها، في وقت يعاني كثير من السعوديين من البطالة والعوز وارتفاع أسعار الكهرباء والماء وتدني الوظائف، بحسب وصفه.
كذلك وجّه الشيخ فيصل انتقادات للهيئة على خلفية ما وصفه بـ”المساس بثوابت وعقيدة الشعب السعودي”، في إشارة إلى تعاطفه وانتمائه لتيار الصحوة الديني، والذي يقود بن سلمان حملة شرسة لسحقه والقضاء عليه.
ويعد ابن حميد واحداً من شيوخ القبائل المطالبين بإدخال إصلاحات سياسية على مجلس الشورى غير المنتخب، كما أنه يطالب بزيادة حزم الدعوم والمساعدات للسعوديين في ظل التحول الاقتصادي الذي أدى لسحق طبقات كثيرة؛ بسبب فرض الضرائب وزيادة أسعار الوقود.
ورغم قيام ابن حميد بمسح تغريداته من على صفحته في موقع “تويتر”، فإنّ السلطات سارعت لاعتقاله وإخفائه دون توجيه أي تهمة بحقه أو عرضه على المحكمة كما هو معمول في كل دول العالم، وذلك بناء على توجيهات من تركي آل الشيخ، بحسب ما ذكره حساب “معتقلي الرأي” المهتم بالحالة الحقوقية في المملكة.
وكان الشيخ عبد الرحمن بن سلطان بن حميد، وهو شقيق الشيخ فيصل، قد قام بتوجيه رسائل للديوان الملكي يطلب فيها لقاء العاهل السعودي الإفراج عن شقيقه، لكنه لم يتلق أي رد على رسائله، بل وصلت إليه تهديدات، بحسب ما ذكره في مقطع فيديو قام بتصويره ونشره، في ديسمبر/ كانون الأول 2019.
ورغم الإفراج عن الشيخ فيصل بن حميد، فإنّ السلطات لا تزال تحتجز العشرات من المغردين والشعراء والكتاب الذين قاموا بانتقاد نشاطات هيئة الترفيه، دون توجيه أي تهمة لهم حتى الآن.
وقد شكل التوازن القبلي أساس استقرار المملكة لعقود غير أن محمد بن سلمان أصبح بمثابة تهديد فعلي له بما يشكل خطرا غير مسبوق على مستقبل المملكة.
فقد أغضب بن سلمان أمراء الأسرة الحاكمة ورجال الأعمال، واعتقل الدعاة والعلماء لكن لم يكتف بذلك، بل أنه يهدد بالإطاحة بالتوازن القبلي ويعيد صياغة العقد الاجتماعي بين الحاكم آل سعود وقبائل المملكة.
ولدى القبائل في المملكة الآن الكثير من المشاكل مع أسرة آل سعود، وهي مشاكل يعود بعضها إلى ما قبل تأسيس الدولة السعودية الحديثة.
ومشاكل أخرى متجددة، بتعاقب حكام آل سعود على مقاليد البلاد منذ أكثر من قرن من الزمن. فيما اليوم تتغير الطبيعة البيولوجية للمملكة بوجود محمد بن سلمان.
إذ يعمد ولي العهد إلى خلخلة التوازن القبلي وضرب الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة وتقويض المؤسسة الدينية، ويغير قواعد التقديمات الشهرية، الشَّرْهات، المعتمد منذ بداية تأسيس الدولة السعودية.
كما أنه يغير الخريطة القبلية داخل الحرس الملكي، ويُغضب قبائل أخرى بمطاردة أبنائها بالاعتقال والمصادرة.
يعيد بن سلمان الطموح صياغة العلاقة التاريخية بين أسرته الحاكمة، وبين قبائل نجد والحجاز، على ضوء كل ما تغير من موازين لعبة القوى عبر سنوات القرن الذي بدأ بتأسيس المملكة.
إذ أن تغييرات غير مسبوقة لحقت بالمشهد منذ وصول محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد، ومستقبل التحالف بين “القبيلة” الحاكمة، وباقي القبائل.
وتمثل الاعتقالات المتكررة التي يشنّها جهاز أمن الدولة التابع لولي العهد السعودي ضدّ شيوخ القبائل في المملكة، دلالة على سياسة جديدة للتعامل مع القبائل.
إنها القبائل نفسها التي كان لها الدور الأبرز في حملة توحيد البلاد مطلع القرن الماضي، واستهدافها قد يؤدي إلى اختلال سياسي جديد في البلاد التي تعاني من صعوبات سياسية وعسكرية واقتصادية.
وطالت الاعتقالات شيوخ أكبر القبائل السعودية وهي: مطير، عتيبة، شمر وعنزة.
وتعود أسباب الاعتقالات الموجّهة ضدّ شيوخ القبائل هذه الفترة إلى عاملين رئيسيين:
الأول هو توجّس ولي العهد من ولاء هؤلاء الشيوخ لأمراء آخرين من آل سعود، خصوصاً من كان يغدق الأموال والمناصب عليهم، وعلى قراهم التي يحكمونها.
العامل الثاني محاولة بعض الزعامات القبلية صنع زعامة شعبية. خاصة تلك المنتمية لعائلات لها جذور في التمرّد القبلي القديم، أو من عائلات منافسة للأسرة الحاكمة.
ولم تقتصر الإجراءات المشدّدة ضدّ القبائل في السعودية على اعتقال بعض الشيوخ المتمردين وذوي الصوت العالي فحسب، بل امتدت إلى قطع المنح والعطايا عن جميع شيوخ القبائل بحجة العجز الاقتصادي.
كما أنه منذ وصول محمد بن سلمان لولاية العهد توقّفت المنح والعطايا التي كان الديوان الملكي يمنحها بشكل سنوي لأمراء وشيوخ القبائل، والتي تسمى محلياً “الشَّرْهات”، وهو ما زاد من حدّة الحنق على ولي العهد بين شيوخ القبائل الذين يرون أنفسهم صمام أمن للبلاد، ووقوداً لحروب التأسيس الأولى.
هم يقولون إنّ هذه المنح لا تذهب إلى جيوبهم، بل تذهب إلى فقراء القبائل في القرى الريفية البعيدة التي تعاني من الإهمال ونقص الخدمات ووعورة الطريق، ما يعني أنّ قطع المنح سيتسبّب بأزمة كبيرة لمجتمعات كاملة داخل البلاد.
وطالما كان تحصين القبائل النجدية المتحالفة مع آل سعود إزاء أي شكل من أشكال التمرّد مكفول بالامتيازات المرصودة الثابتة والمستمرة لها.
وحتى في المجال الديني، فإن مشايخ نجد هم من يسيطرون على أكثر من 100 ألف مسجد ومُصلّى في أرجاء المملكة، ويمسكون بجهاز التوجيه الديني، خطابة وتعليماً. وهم في المدرسة، والمسجد، والجامعة، والمخيمات الصيفية، والمراكز الدعوية، والبعثات التبليغية.