قال مركز البيت الخليجي للنشر والدراسات ومقره لندن، إن سياسات السعودية في لبنان لا تعدو مجرد مراكمة الأخطاء والفشل المتكرر في ظل تخبط الرياض وفشل استراتيجيتها في مواجهة إيران.
وأشار المركز إلى ما أحدثته تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي في برنامج شبابي على اليوتيوب قبل توليه الوزارة عن حرب اليمن، منعطفاً أكثر حدة في العلاقات اللبنانية السعودية المتأزمة أصلاً.
يتصدر مشهد الأزمة الموقف السعودي من “حزب الله” الذي تعتبره السعودية معادياً لدول الخليج عمومًا، والسعودية والإمارات خصوصاً، كذلك اتهامه بالمسؤولية عن تجارة المخدرات وتصديرها إلى المملكة.
وبعد مواقف وزير الخارجية الأسبق شارل وهبة عن تمويل بعض الدول الخليجية لتنظيم “داعش” الإرهابي، والتي أثارت حينها جدلاً واسعاً دفعته لتقديم استقالته، أطلت مقابلة قرداحي “لتكسر الجرّة” ولتطلق العنان لأزمة دبلوماسية بين لبنان ومجموعة من دول الخليج.
وفي الوقت الذي كانت فيه الرياض تحاول جاهدة – دون جدوى- ملامسة الكيفيّة الناجحة للتعامل مع الملف اللبناني، وبعد فشل رهاناتها على حلفائها في لبنان، يبدو أن الرياض رأت في تصريحات قرداحي فرصة سانحة لفرض واقع جديد على حكومة ميقاتي الوليدة أو دفعها للاستقالة.
وهو ما كان سيقدم عليه رئيس الوزراء لولا حصوله على دعم دولي، تحديداً من واشنطن وباريس، والتعهد بمعالجة الأزمة مع الخليج عبر وساطة ستقوم بها قطر.
وكان قرداحي قد اعتبر في المقابلة “أن الحرب في اليمن عبثية، وأن الحوثيين يواجهون اعتداءً خارجياً، لذا يحق لهم الدفاع عن أنفسهم”. الأمر الذي دفع بالسعودية إلى سحب سفيرها وليد البخاري من بيروت، وطرد السفير اللبناني فوزي كباره من الرياض، ووقف كل الصادرات من لبنان إلى المملكة، وهو ما يعني تحميل البلد المنهار اقتصادياً خسائر فادحة.
حذت الإمارات والبحرين والكويت حذو المملكة، استدعوا سفراءهم من بيروت، ودعوا جميع رعاياهم لمغادرة لبنان.
وضعت الرياض شروطاً “تعجيزية” لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، أهمها وضع حد لـ “هيمنة حزب الله” على لبنان وتسليم سلاحه، وعدم دعم الحوثيين بالسلاح والإعلام، وعدم التدخل في الشؤون العربية عموماً، والخليجية خصوصاً.
لا شك أن هذا التصعيد في الموقف السعودي يرتبط بشعورها بالعجز، بعدما باتت الرياض غير مقتنعة بفاعلية أي من حلفائها، لا سيما بعد القطيعة مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وإن كانت تحركات السفير وليد البخاري تجاه معراب -مقر إقامة سمير جعحع- توحي بأنها تعتمد على زعيم القوات اللبنانية في الدخول بمواجهة مفتوحة مع الحزب.
إذ ترى أن النائب سمير جعجع الذي قدم أوراق اعتماد في أكثر من موقف هو الأفضل، لكن جعحع لم يغير في المعادلة شيئاً حتى الآن، كما أن الانقسام المسيحي في لبنان هو انقسام لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه.
شعور السعودية بالعجز في لبنان، هو المشكلة، وتصريحات عدد من المسؤولين السعوديين أن “لبنان ليس موجوداً في دائرة اهتمامهم، وأنه أخذ أكبر من حجمه”، غير دقيقة، لبنان لم يخرج يوماً من الحسابات السعودية، ولن يخرج.
فالرياض تسعى لإعادة لم شمل 14 آذار، ولهذه الغاية تقوم بتمويل جعجع، لكن المشكلة تكمن في عدم قدرتها على التأثير في لبنان، وتشعر بالضعف تجاه “حزب الله”، وإن كانت المواجهة الأخيرة في منطقة الطيونة تعطي انطباعاً أن حزب القوات شرع في التحضير لمواجهة الحزب، لكن يبقى التساؤل قائماً: هل لدى القوات القدرة على مواجهة حزب الله وحلفائه.
الأجدر بالرياض هو إعادة تقدير موقفها التصعيدي تجاه لبنان، وتوهم أن هذا التصعيد سيغير المعادلات، على الرياض أن تدرك أن هذه الأزمات تفسح المجال أمام إيران للهيمنة أكثر على هذا البلد، ما يحدث هو في المحصلة تهوين واضعاف لحلفاء الرياض وتعزيز لقوة وهيمنة خصومها.
لدى القيادة السعودية الجديدة سوء فهم لطبيعة لبنان، الذي لا يستطيع أي مكون أو تنظيم -وبما يشمل حزب الله – السيطرة عليه بالكامل. وعليه، يمكن اعتبار الشروط التي أعلن عنها وزير الخارجية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، دليلاً على عدم فهم طبيعة الملعب اللبناني وقواعد اللعب فيه.
وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، من جهته، وصف شروط السعودية بـ “المستحيلة” من خلال مطالبتها الحكومة اللبنانية بالحد من دور حزب الله، مؤكداً أن “إمكانية الوساطة القطرية لحل المشكلة مع السعودية هي الأمر الوحيد المطروح حالياً”.
على أي حال؛ الرياض لم تستسغ حكومة نجيب ميقاتي، ولم تهضمها منذ لحظة ولادتها، بل إنّ السفير السعودي وليد البخاري شَنّ، بعد تشكيلها بأيّام قليلة، هجومًا عنيفًا على عدد كبير من وزرائها.
لبنانياً، وفي مسعى لاحتواء الأزمة مع السعودية، عقب عودة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي واجتماعه مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، دعا ميقاتي وزير الإعلام للاستقالة كخطوة أولى للبدء بحل الأزمة. لكن الأخير رفض، معتبراً أن لا جدوى من الاستقالة، إذا لم تدفع الرياض لتغيير موقفها.
بانتظار ما ستحمله المبادرة القطرية، يبقى الجميع متمسكاً بمواقفه في بلد يئن تحت عبء أزمة اقتصادية خانقة. لا يؤمل أن يكون لموقف الرياض تأثير على المواقف السياسية المتصلبة في بيروت.
الأهم من ذلك، هو أن الذهاب إلى الانتخابات في مثل هذه الأجواء سيقدم لحزب الله والرئيس ميشيل عون وبقية الحلفاء فرصة سانحة لتعزيز مواقعهم في مجلس النواب لا على حساب الرياض وحسب، بل وبما يشمل كافة الخصوم في الداخل اللبناني وخارجه.