تقف السعودية أمام معضلة إنهاء حربا لم تكسبها في اليمن في ظل تعرضها لضغوط أمريكية ودولية متصاعدة.
وسبب تهور ولي العهد محمد بن سلمان لانخراط السعودية في حرب توصف بالعبثية في اليمن وسط إخفاق تام في تحقيق أهدافها.
وشهدت التطورات الأخيرة المزيد من التصعيد العسكري وسط جهود دبلوماسية علنية وسرية لإنهاء حرب اليمن.
تصعيد من التحالف والحوثيين
شن التحالف السعودي هجمات جوية على أهداف عسكرية لجماعة الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء.
وأفادت مصادر يمنية بأن طائرات التحالف الحربية قصفت مناطق بها معسكرات لقوات الحوثيين في جنوب صنعاء وموقعا للتصنيع العسكري في شمال المدينة.
وجاءت الهجمات بعد إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن شن هجمات بطائرات مسيرة على مصفاة نفط في الرياض أدت إلى اندلاع حريق قبل يومين.
وقال التحالف أمس السبت إنه اعترض ودمر طائرة مسيرة ملغومة أطلقت باتجاه مدينة خميس مشيط بجنوب السعودية.
جهود دبلوماسية
يقول الحوثيون إن الخطة الأمريكية لوقف إطلاق النار في اليمن ليست كافية، ويكثفون الضغوط على السعودية لرفع الحصار البحري والجوي قبل الموافقة على أي هدنة.
وفي الوقت الذي تحذر فيه الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة على نطاق واسع، قام المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينج بجولة في المنطقة هذا الشهر للضغط على الأطراف المتحاربة باتجاه هدنة شاملة تمهد الطريق لإحياء محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة لإنهاء الصراع.
لكن في تأكيد لفكر الحوثيين بأن الخطة يجب أن تذهب إلى مدى أبعد، قال كبير مفاوضيهم محمد عبد السلام “نحن ناقشنا هذه الاقتراحات ونقدم بديلا لها وثمة فرق بين رفض النقاش ورفض مقترح أو مناقشته.. ولهذا (فإن) النقاش مستمر”.
ومنذ أكثر من عام، تحاول السعودية الخروج من الحرب، لكن الرياض التي تقود تحالفا عسكريا تدخل في حرب اليمن في مارس آذار 2015، تريد من جماعة الحوثي ضمانات أكبر بشأن أمن حدودها وكبح النفوذ الإيراني في اليمن.
مصير الحصار
وذكرت وكالة رويترز أن هناك نقطة خلاف رئيسية عالقة تتمثل في مطلب الحوثيين رفع الحصار الذي أسهم بقدر وافر في دفع اليمن لأسوأ أزمة إنسانية في العالم قبل الاتفاق على أي هدنة.
ويسيطر التحالف الذي تقوده السعودية على المجال الجوي والبحري لليمن، بما في ذلك الشواطئ قبالة ميناء الحُديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون على البحر الأحمر وتعبر من خلاله أكثر من 70 بالمئة من واردات البلاد.
ويسيطر الحوثيون على معظم شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
وقال مصدر مطلع على المحادثات “يُنظر إلى القضية على أنها تهديد وجودي في السعودية. فحرية الملاحة ورحلات الطيران اليومية بين شمال اليمن وإيران من شأنها أن تثير قلقا حقيقيا في الرياض.. إنها دراسة حالة لطريقة وضع نهاية لحرب لم تنتصر فيها”.
ولم يقدم ليندركينج تفاصيل في العلن لما أسماه “خطة مناسبة”. لكن عبد السلام قال إنها تشمل السماح برحلات جوية إلى مطار صنعاء من بعض الوجهات بإذن مسبق من التحالف.
وأضاف أن الحوثيين وافقوا على تفتيش السفن المتجهة إلى الحُديدة والتحقق من التحويلات البنكية ومنشأ البضائع، لكن التحالف يقول إن إيرادات الموانئ يجب أن تذهب للحكومة المدعومة من الرياض.
وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية إن ليندركينج قدم اقتراحا عادلا لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد، يشتمل على عناصر من شأنها أن تعالج على الفور الوضع الإنساني المتردي في اليمن.
وأوضح المتحدث “يجب على الحوثيين إظهار استعدادهم للموافقة على وقف شامل لإطلاق النار على مستوى البلاد والالتزام به والدخول في مفاوضات”.
الخلاف على التفاصيل
قال محللون ومصادر إن التحدي يتمثل في إيجاد حل وسط في ظل الخلافات على التفاصيل.
وقال بيتر سالزبري المحلل في مجموعة الأزمات الدولية “حسب فهمي فإن السعوديين مستعدون لتقديم تنازلات…لكن الشيطان يكمن في التفاصيل فيما يتعلق بطبيعة وقف إطلاق النار وكيفية تخفيف القيود”.
والمخاطر عالية إذ يكثف الحوثيون هجماتهم بصواريخ وطائرات مسيرة على السعودية بما في ذلك استهداف منشآت نفطية.
كما يحققون مكاسب في هجومهم للسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالغاز آخر معقل في شمال اليمن للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا التي أطاح بها الحوثيون من السلطة في صنعاء.
وقال بايدن إن الولايات المتحدة ستوقف دعمها للعمليات الهجومية للتحالف لكنها ستواصل مساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها.
وتنتهج إدارة بايدن سياسة العصا والجزرة في الشأن اليمني، وشمل ذلك إلغاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية الذي أعلنته إدارة ترامب ثم معاقبة اثنين من القادة العسكريين للجماعة.
أزمة إنسانية
وقال ليندركينج إن واشنطن ستعمل مع الحكومتين اليمنية والسعودية لإيجاد سبيل لنقل الوقود إلى اليمنيين وإعادة تمويل المساعدات الإنسانية إلى الشمال.
لكن الوقت يوشك على النفاد. فقد تسبب نقص الوقود في تعطل مضخات المياه والمولدات بالمستشفيات وعطل إمدادات المساعدات في بلد يحتاج 80 بالمئة من سكانه إلى دعم.
وقال مارتن جريفيث المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن إنه لم يُسمح بدخول أي واردات وقود إلى ميناء الحديدة منذ يناير كانون الثاني.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن سفنا حربية للتحالف منعت 13 ناقلة وقود على الأقل من دخول الحديدة، بعضها لمدة تزيد على ستة أشهر، وذلك رغم حصولها على تصاريح من المنظمة الدولية.
وألغت أربع سفن عملياتها وغادرت دون الرسو في الميناء بعد انتظارها لشهور.