يعقد القضاء الأمريكي مطلع الشهر المقبل جلسة جديدة للنظر في فضيحة تجسس عبر تويتر لصالح السعودية في استمرار لتلطخ سمعة المملكة خارجيا في عهد محمد بن سلمان.
وحددت محكمة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل موعدا للنظر في قضية تجسس السلطات السعودية على شركة تويتر وتوظيف المعلومات في تعقب المعارضين بهدف إلحاق الضرر بهم.
وستتضمن الجلسة محاكمة أحمد أبو عمو الموظف السابق في تويتر والمتهم بالتجسس على شركة تويتر بتعليمات من نظام آل سعود.
ووجهت وزارة العدل الأميركية اتهامات إلى أبو عمو منها العمل لصالح حكومة أجنبية بشكل غير مشروع، وغسل الأموال، والتخريب، والتملك غير القانوني، وتغيير أو تزوير السجلات أثناء تحقيق فدرالي.
وتضم القضية أيضا متهمين سعوديين هما أحمد المطيري المعروف أيضا بأحمد الجبرين، وعلي آل زبارة.
ويعمل المطيري مساعدا لبدر العساكر مدير مكتب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بينما يتهم زبارة باستغلال عمله بتويتر لتسليم معلومات عن معارضين سعوديين إلى السلطات السعودية.
وقبل أيام قدم الادعاء العام أدلة جديدة وثقت قيام أحمد الجبرين بتدشين شركة كواجهة لنقل معلومات لصالح شركة “سماءات” التي يديرها بدر العساكر.
ولم تقتصر لائحة الاتهام فقط على توسيع التهم والمتهمين، إنما رسمت ديباجتها بوضوح أكثر، وكشفت كيف تمت العملية، ومن هم المتورطون، وكيف أنشأ أحمد المطيري شركة وهمية استخدمها واجهة لدفع الأموال لأبو عمو، وأيضا لنقل المعلومات للرياض.
وحددت لائحة الاتهام أيضا مسؤولا سعوديا كان العقل المدبر لتلك العمليات، لكنها لم تسمه، إنما أشارت إليه بالرمز “مسؤول رقم 1″.
ورجحت وسائل إعلام أميركية أن يكون هذا المسؤول بدر العساكر الذي كان مديرا للمكتب الخاص لولي العهد السعودي، قبل أن يتوارى بعدها عن الأنظار، وهو ما طرح كثيرا من علامات الاستفهام وقتها.
ويقف على هذه العملية برمتها -حسب اللائحة- فرد من الأسرة الحاكمة السعودية لم تسمه اللائحة، إنما رمزت له بالفرد رقم 1.
ويواجه السعوديون الثلاثة حال إدانتهم، عقوبة السجن 10 سنوات، وغرامة تقدر بـ250 ألف دولار، في حين يواجه “أبو عمو” عقوبة إضافية مدتها 20 عاما، وغرامة قدرها 250 ألف دولار، بتهمة تدمير سجلات أو تزويره
وتحت غطاء العمل الخيري، تتورط مؤسسة مسك التابعة مباشرة لولي العهد محمد بن سلمان في جرائم تجسس واغتيالات وسط سمعة ملطخة في المحافل الدولية.
وينخرط كبار موظفي “مسك” بتجنيد الجواسيس، واستقطاب الهاكرز، والمشاركة في عمليات تعقب الخصوم خارج حدود المملكة، بهدف اغتيالهم.
واتهمت دعوى قضائية رفعها المسؤول السعودي السابق سعد الجبري أمام القضاء الأميركي، في 7 أغسطس/آب 2020، مدير “مسك” بدر العساكر بلعب دور هام ومحوري في دعم اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وأوضحت الدعوى أيضا، أن السلطات السعودية استخدمت موظفين في مؤسسة ابن سلمان “الخيرية”، لتحديد مكان الجبري، بهدف إرسال مجموعة “النمر” لاغتياله، وذلك أثناء مشاركتهم في برنامج صنع قيادات بمدينة بوسطن الأميركية.
وفي 7 نوفمبر/تشرين ثاني 2019، اتهمت وزارة العدل الأميركية، السعوديَّين أحمد المطيري وعلي آل زبارة الذي يشغل منصب مدير تنفيذي في مؤسسة “مسك”، بالتجسس لصالح الرياض، من خلال الحصول على معلومات خاصة عن مستخدمي تويتر المعارضين للحكومة السعودية، وذلك أثناء عمله كموظف في الموقع.
في تعريفها لنفسها، تقول “مسك” التي تأسست في مارس/آذار 2011: إنها “مؤسسة غير ربحية، أنشأها ويرأس مجلس إدارتها الأمير محمد بن سلمان، وتهدف للتشجيع على التعلم وتنمية المهارات القيادية لدى الشباب، من أجل مستقبل أفضل في المملكة.
وتزعم المؤسسة أنها تركز على الشباب في أنحاء المملكة، وتوفر لهم “الوسائل المختلفة لرعاية المواهب والطاقات الإبداعية وتمكينها، وخلق البيئة الصحية لنموها والدفع بها لترى النور، واغتنام الفرص في مجالات العلوم والفنون الإنسانية”.
وتشير مؤسسة بن سلمان إلى أنها تدعم تمكين الشباب السعودي في أربعة ركائز أساسية للمعرفة، وهي الثقافة والإعلام والتعليم والتقنية، لافتة إلى أنها تسعى إلى بلوغ هذه الأهداف من خلال تصميم البرامج، وبناء الشراكات مع المنظمات المحلية والعالمية، في مختلف المجالات.
ويدير بدر العساكر مؤسسة “مسك”، ويشغل أيضا منصب مدير مكتب الشؤون الخاصة لمحمد بن سلمان، والمشرف على أصول وثروات الملك سلمان وولي عهده في الخارج.
واستُخدمت المؤسسة في بناء فريق كبير من الإعلاميين والمشاهير الشباب، الذين أخذوا على عاتقهم الترويج لولي العهد، وذلك بعد استقطابهم من خلال المنتديات التي تنظمها “مسك”. وإلى جانب الإعلاميين، نجح العساكر في بناء فريق تقني قوي.
وظل اسم مؤسسة “مسك” مرتبطا بالمساهمات الخيرية، ومبادرات تنمية الشباب وتطوير مهاراتهم، حتى صعود مؤسسها محمد بن سلمان إلى السلطة، والذي قرر استغلال غطائها الخيري لإنشاء شبكة جواسيس، واستقطاب الهاكرز، لتعقب معارضيه واصطيادهم.
ففي 20 أكتوبر/تشرين أول 2018، سلطت صحيفة نيويورك تايمز في تحقيق موسع لها، الضوء على “جيش الذباب الإلكتروني” الذي يضم عددا كبيرا من الموظفين الذين يعملون على صنع صورة السعودية، والذي تنصب مهمته على إسكات المنتقدين والمعارضين داخل المملكة وخارجها.
وكشفت الصحيفة أن الرياض جندت المهندس السعودي الذي يعمل في “تويتر” ويدعى “علي آل زبارة”، من أجل الحصول على معلومات شخصية عن حسابات المعارضين السعوديين والآلاف من مستخدمي تويتر.
وبعد تحليل جنائي موسع أجراه “تويتر”، تبين أن “علي آل زبارة” سرق بيانات أكثر من 6 آلاف حساب، من بينها حساب الناشط السعودي المقيم في كندا عمر بن عبد العزيز، ليتم طرد “آل زبارة” من وظيفته في عام 2015.
وفور عودته إلى الرياض، تم تكريمه بمنصب مدير تنفيذي كبير، في مؤسسة “مسك” التي يشرف عليها محمد بن سلمان شخصيا.
وفي 7 نوفمبر/تشرين ثاني 2019، وجه القضاء الأميركي تهمة التجسس لعلي آل زبارة، والأميركي أحمد أبو عمو، بعد ثبوت استخدام صفتهما كموظفين في تويتر للحصول على معلومات شخصية من حسابات، ونقلها إلى الرياض.
وطالت التهمة أيضا أحمد المطيري، الذي لعب دور الوسيط بين الجاسوسين، ومدير مؤسسة “مسك” بدر العساكر. كما يشتبه بأن المطيري ساعد “آل زبارة” على الهرب من الولايات المتحدة في نهاية 2015، بعد افتضاح أمره.
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإن مجموع ما حصل عليه أحمد أبو عمو من بدر العساكر، مقابل خدماته التجسسية، بلغ ما لا يقل عن 300 ألف دولار، إضافة إلى ساعة فاخرة بقيمة 35 ألف دولار.
وعلى خلفية فضيحة التجسس، وجريمة اغتيال جمال خاشقجي، التي وُجهت أصابع الاتهام إلى محمد بن سلمان بالمسؤولية المباشرة عنها، تعرضت مؤسسة “مسك” لضربات موجعة، بعد حملة هجوم ومقاطعة شنت ضدها، وأجبرت أهم شركائها على الانسحاب من الاتفاقيات الموقعة معها.
ففي 4 مارس/آذار 2020، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، أنها قررت إعادة النظر في استمرار اتفاق شراكتها مع “مسك”، موضحة أنها لا تخطط لقبول مجموعات أخرى من المتدربين من مؤسسة ابن سلمان.
وكان الرئيس التنفيذي لمركز مبادرات “مسك”، علي آل زبارة، وقع في سبتمبر/أيلول 2018، مع مدير الموارد البشرية في يونسكو “هونج كوون”، اتفاقية للتدريب التعاوني، تعمل بموجبها الأخيرة على تأهيل شباب وشابات سعوديين في مقر المنظمة.
كما انسحبت مبعوثة الأمم المتحدة للشباب “جاياثما ويكراماناياك”، في 22 سبتمبر/أيلول 2019، من فعالية نظمتها مؤسسة “مسك”، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي 24 سبتمبر/أيلول 2019، اضطرت مؤسسة بن سلمان، إلى تنظيم “منتدى مسك العالمي” في مدينة نيويورك لوحدها، وذلك عقب انسحاب الشريك الأميركي ممثلا بمكتبة نيويورك العامة، والشريك الدولي ممثلا بمكتب مبعوث الأمم المتحدة للشباب.
ورغم خطورة الفضائح السابقة التي هزت “مسك”، إلا أن تفجر قضية محاولة اغتيال سعد الجبري، مثل المنعطف الأخطر في تاريخ المؤسسة، نظرا لحساسية المعلومات التي كشفها المسؤول السعودي السابق في الدعوى القضائية التي رفعها أمام المحاكم الأميركية.
فوفقا لما جاء في مستندات الدعوى القضائية، فإن مدير “مسك”، بدر العساكر لعب دورا مهما في دعم عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، في 2 أكتوبر/تشرين أول 2018.
وأوضحت الدعوى أن بدر العساكر لعب دور حلقة الوصل بين ابن سلمان وفريق الاغتيال الذي اتصل بالعساكر 4 مرات، خلال وقت تنفيذ العملية المروعة داخل القنصلية، والتي جرى فيها تقطيع جسد خاشقجي إلى أشلاء، وفق التحقيقات.
كما كشف الجبري أن ابن سلمان شكل فريقا من ثلاثة أشخاص، وهم بدر العساكر وسعود القحطاني وأحمد عسيري، لترتيب عملية اغتيال خاشقجي.
وأوضح المسؤول السعودي السابق في دعواه القضائية، أن العساكر والقحطاني وعسيري، استخدموا في العملية موظفين بمؤسسة “مسك”، وهم طبيبة الأسنان ليلى أبو الجدايل، ويوسف الراجحي، ومحمد الحمد.
وتركزت مهمة موظفي “مسك” على تحديد مكان إقامته وإقامة زوجته وزوجة نجله خالد، بهدف إرسال مجموعة “النمر” لاغتياله، وذلك أثناء مشاركتهم في “برنامج صنع قيادات” في مدينة بوسطن الأميركية.
وعلى إثر ذلك، أصدرت محكمة واشنطن الفيدرالية، أمر استدعاء قضائي، بحق ابن سلمان و13 آخرين، من بينهم مدير “مسك” وموظفوها الثلاثة، لتشكل بذلك ضربة موجعة أخرى لهذه المؤسسة التي انهمكت في تأدية أدوار أمنية بالغة الخطورة، تحت غطاء العمل الخيري.