شكل كشف شركة “فيسبوك” عن أن أشخاصاً مرتبطين بحكومة آل سعود أداروا شبكة من الحسابات والصفحات الزائفة عليها، لترويج مواد دعائية للدولة ومهاجمة الخصوم في المنطقة أحدث فضائحهم ضمن مسلسل الحسابات الوهمية والذباب الالكتروني.
وقالت فيسبوك إنها أغلقت أكثر من 350 حساباً وصفحة عليها نحو 1.4 مليون متابع، في أحدث حملة ضمن جهود متواصلة لمحاربة السلوك الزائف المنسق على منصتها، وفي أول نشاط من نوعه تربطه بحكومة بن سلمان.
ولعلّ المفاجئ فقط، كان الاتهام المباشر الذي وجّهته الشركة للمرة الأولى إلى حكومة آل سعود، في بيان رسمي نشر على “فيسبوك”.
وجاء في البيان الذي وقّعه ناثانيال غليتشر، مدير سياسة الأمن الإلكتروني في الموقع: “بالنسبة لهذه العملية (إقفال الحسابات الوهمية)، استطاع محققونا التأكد من أن الأشخاص الذين يقفون وراءها مرتبطون بحكومة آل سعود”.
وأضاف: “في أي مرة تكون هناك صلة بين عملية معلومات وحكومة، يكون ذلك مهماً وينبغي أن يعلم الناس”. وقال غليتشر إن الحملة السعودية كانت نشطة على موقعي “فيسبوك” و”إنستغرام” (تملكه “فيسبوك”)، واستهدفت بشكل أساسي دولاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بينها قطر والإمارات ومصر وفلسطين.
ورغم نفي الرياض، في بيان مقتضب جداً هذه الاتهامات، إلا أن تاريخ المملكة الحديث في خوض الحروب الإلكترونية، إلى جانب الدلائل العلمية التي قدّمها “فيسبوك” تؤكد ثبوت تورّط الحكومة السعودية في خلق وإدارة هذه الحسابات الوهمية.
وكان مركز التواصل الدولي، وهو المكتب الإعلامي للمملكة، قد قال في ردّ “، إن “حكومة آل سعود ليس لديها علم بالحسابات المذكورة ولا تعرف على أي أساس تم ربطها بها”.
واستخدمت الحملة حسابات مزيّفة تتظاهر بأنها من مواطني تلك الدول، كما صممت صفحات لتبدو مثل مواقع إخبارية محلية. وقالت فيسبوك إن أكثر من 100 ألف دولار أنفقت على الإعلانات.
وقال أندي كارفين، وهو باحث كبير في مختبر التحاليل الجنائية الرقمية التابع للمجلس الأطلسي، الذي يعمل مع “فيسبوك” لتحليل الحملة السعودية، إن بعض الحسابات ترجع إلى 2014 لكن أغلبها أُنشئ في العامين الأخيرين. وأضاف أن 90 في المائة من المحتوى باللغة العربية، وأن بعض الحسابات تعمل بشكل أساسي كصفحات للحكومة والجيش السعوديين.
وأظهرت نسخة من أحد المنشورات السعودية التي عرضتها “فيسبوك” الخميس، وليّ العهد وهو يقبّل رأس مريض مضمّد، في أحد المستشفيات وكتب تحتها “سموّ الأمير محمد بن سلمان يقبّل رأس أحد الجنود المصابين”.
إلى جانب صفحات عدة أخرى، تعنى بالشأن السوداني والليبي، وتروّج للرواية السعودية، حول التطورات السياسية والعسكرية في هذين البلدين.
كذلك فإن قسماً كبيراً من هذه المنشورات ركّز على توجيه اتهامات عشوائية إلى دولة قطر، والترويج لشائعات سياسية وأمنية، ونشرها على نطاق واسع لتبدو وكأنها حقائق إخبارية موثّقة.
بإمكان كل من تابع تطورات الحرب الإلكترونية التي تجلّت بشكل واضح، بعد اختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا) ونشر أخبار مزيفة عن لسان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر (23 مايو/ أيار 2017)، ثمّ فرض الحصار على الدوحة (5 يونيو/ حزيران 2017)، أن يدرك أن ما أعلنته شركة “فيسبوك” جزء يسير من الشبكة الوهمية الضخمة التي تديرها الرياض.
فبعد بدء الحصار بوقت قصير، شرح الباحث في الشؤون الخليجية في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر البريطانية، مارك أوين جونز، لقناة “بي بي سي” كيف رصد النشاط السعودي على حسابات “تويتر”، وتبين معه بعد تحليلها وتتبعها أن أكثر من نصف الحسابات التي تغرّد من المملكة هي “بوتس”، أو وهمية وغير تابعة لأشخاص حقيقيين.
كانت أغلب هذه التغريدات موجّهة ضد قطر، والقطريين، بشكل شبه موحّد، وبمضمون مكرّر.
في تلك الفترة برز اسم سعود القحطاني، وكان مستشاراً في الديوان الملكي ومؤسس الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وأحد أبرز المقربين من ولي العهد محمد بن سلمان.
كان القحطاني يقود الجيش الإلكتروني السعودي بشكّل منظّم، ناشراً التغريدات والتدوينات المسيئة، ومروّجاً لعدد كبير من الشائعات عن الدوحة والدول المتضامنة معها في وجه الحصار الجائر.
لكنّ كل ذلك يحصل، بينما “تويتر” وفيسبوك” وغيرهما من المواقع التي تحولت إلى ساحة للحسابات الوهمية، ممتنعة عن أيّ ردة فعل، تضع حداً للمعركة الإلكترونية الكاذبة.
ولعلّ أول موقف رسمي من قبل مواقع التواصل الاجتماعي، يتهم الرياض بنشر ذبابها الإلكتروني، وبثّ الأخبار الكاذبة عبر حسابات وصفحات وهمية كان بعد أيام قليلة من مقتل الصحافي جمال خاشقجي، إثر دخوله سفارة بلاده في إسطنبول واختفائه بعدها، ليعلن لاحقاً قتله من قبل فريق موت سعوديّ، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
ففي 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وبعد أيام قليلة من الجريمة (وكان وقتها خاشقجي يعتبر مختفياً لا مقتولاً) أوقف موقع “تويتر” شبكة تضمّ عدداً كبيراً من الروبوتات الإلكترونية bots، التي تدافع عن المملكة في قضية خاشقجي.
وكانت شبكة NBC الإخبارية الأميركية قد قدمت لـ”تويتر” دلائل علمية جمعها الباحث جوش راسل، تشير إلى استخدام الرياض لهذه الحسابات الوهمية التي كانت تقوم بنشر مئات التغريدات الدعائية للمملكة، بنفس الصيغة وفي نفس الوقت على الموقع.
وأكد موظف في “تويتر” لم يذكر اسمه، أن الموقع كان على علم بوجود كل هذه الحسابات التي تروّج لدعاية مدافعة عن نظام آل سعود، وقام بالفعل بإيقافها.
وذكر الباحث بن نيمو (من مختبر التحليل الجنائي أيضاً) لموقع NBC، أن طريقة عمل هذه الحسابات سمحت لهم بالتهرّب من رقابة “تويتر”: “كانوا يبثّون نفس المحتوى بنفس التسلسل في نفس الوقت، لكن توقيت نشر تغريداتهم لم يكن عشوائياً بل كانوا يعرفون متى ينشرونها”. وشرح أن الهدف الأساسي من هذه التغريدات هو خلق رأي عام موجّه، من خلال ضخّ آلاف التغريدات حول نفس الموضوع أي الدفاع عن المملكة، وتصوير كل التطورات الحاصلة في قضية خاشقجي كحملة تستهدف المملكة بشكل خاص.
وبيّنت عملية الرصد التي قام بها راسل، أن هذه الروبوتات الإلكترونية شاركت بشكل مكثّف في التغريد على وسوم وصلت إلى قائمة الأكثر تداولاً حول العالم بينها وسم #كلنا_ثقه_في_محمد_بن_سلمان (250 ألف تغريدة) أو #إلغاء_متابعه_أعداء_الوطن (100 ألف تغريدة أغلبها على شكل إعادة تغريد retweet وهو مؤشر لنشاط وهمي).
وبالتزامن مع نشر الحسابات الوهمية، لتقويض الرأي العام العربي والعالمي، كانت المملكة (وحليفتها الأولى الإمارات) تقود حرباً أكثر تطوراً على جبهة إلكترونية أخرى: اختراق الحواسيب والهواتف، والتجسّس على الخصوم على الأصدقاء. هنا يبرز اسم سعود القحطاني مجدداً.
ففي نهاية عام 2017، ووفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، تواصل المستشار السعودي الشاب القحطاني بشكل مباشر مع موظفين في شركة البرمجة والهايتك الإسرائيلية NSO، شارحاً لهم عن خطط المملكة لاستخدام أدوات المراقبة التي تؤمّنها الشركة، للتجسس على دول وأفراد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية، ذاكراً دَولتَي قطر وتركيا إلى جانب فرنسا وبريطانيا.
وكانت قد سبقت المملكة إلى استخدام برمجية “بيغاسوس” التي تؤمنها NSO، الإمارات، واخترقت من خلالها عدداً من هواتف المعارضين والناشطين الحقوقيين.