بدأ محمد بن سلمان صعوده إلى الشهرة العالمية بعد أن فاجأ مُجتمع الأعمال الدولي أوائل عام 2016 بوعده بيع أسهم شركة النفط (أرامكو)، عملاق النفط السعودي.
ونشرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، تقريراً موسعاً، حول “اكتتاب القرن”، وهو الوصف الذي أطلق على اكتتاب شركة “أرامكو” عندما اقترحه محمد بن سلمان، والآن يبدو أن المملكة تحاول أن تفعل أي شيء لكي يحقق الاكتتاب هذا اللقب، بما في ذلك إجبار البعض على شراء أسهم الشركة.
والآن، بعد عددٍ من البدايات الخاطئة، ستنطلق أخيراً عملية العرض/الاكتتاب العام الأولي لجوهرة التاج السعودية -أرامكو، التي تضُخ 10% من إجمالي إمدادات النفط الخام العالمية من داخل الحقول الوفيرة أسفل صحراء المملكة.
ومن المُقرَّر أن تُصدر حكومة آل سعود إعلانها الرسمي أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول، ومن المتوقع أن يعقب ذلك الإعلان الكثير من المُبالغات المُفرطة مثل: أكبر عملية بيع أسهمٍ على الإطلاق، الشركة الأكثر قيمةً في العالم، أكبر أرباح الأسهم في التاريخ، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
ورغم أنَّ تفاصيل الاكتتاب لم تُعلَن بعد، لكن الأشخاص المُطَّلعين على العملية يقولون إنَّ 2% من أسهم الشركة ستُباع بسعر يُقدِّر القيمة الإجمالية للشركة بتريليوني دولار أمريكي.
وستجمع المملكة 40 مليار دولار لتتخطى مبلغ الـ25 مليار دولار الذي جمعته شركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة Alibaba.
وقال أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لأرامكو، الشهر الماضي: “شركة أرامكو جاهزةٌ لطرح أسهمها للاكتتاب العام بمُجرد اتِّخاذ قرار الطرح. وسيحدث ذلك قريباً جداً”.
وبعكس الحالة المُثارة حول العملية، لكنها لا تُمثِّل خطوة لتحرير السوق الذي اقترحه ولي العهد في المقام الأول.
وأحد أسباب ذلك هو عدم وجود خطةٍ لطرح تلك الأسهم في الأسواق المالية العالمية مثل لندن أو نيويورك أو هونغ كونغ. وفي الوقت الحالي، سيُكتفى بتداول الأسهم في بورصة الرياض (تداول) فقط.
وسيساعد عرض الأسهم محلياً -رغم تسويقه للمستثمرين العالميين أيضاً- حكومة الرياض في الحصول على معلومات مهمة حول هوية مُشتري الأسهم.
ودُعِيَت أغنى عائلات المملكة لتصير من المُساهمين الرئيسيين في الشركة، ومن بينها عائلاتٌ احتُجِز أفرادها داخل فندق ريتز-كارلتون بالرياض خلال حملة الأمير محمد ضد الفساد عام 2017, وهو عرضٌ سيجدون أنَّه من الصعب رفضه.
وسيُعرض الاكتتاب أيضاً على المواطنين السعوديين من خلال حملة إعلانية على مستوى البلاد، مع تشجيع البنوك على إقراض الأموال ليتمكَّن مستثمرو التجزئة من المشاركة، بحسب أشخاصٍ مُطلعين على الخطط طلبوا عدم ذكر أسمائهم قبل الإعلان عن التفاصيل للعامة.
وعلاوةً على ذلك، تتدخَّل سلطات آل سعود عادةً في الأسابيع اللاحقة لبيع الأسهم من أجل دعم السعر وضمان اعتبار عملية الاكتتاب ناجحة.
وخارج المملكة، يُركِّز المصرفيون على تقديم عملية الاكتتاب إلى جهات الاستثمار السيادية في آسيا والشرق الأوسط، والتي تمتلك دوافعاً اقتصادية وسياسية قديمة العهد لتوثيق علاقاتها القوية مع الرياض.
ولكن ربما تفتقر هذه العملية إلى اهتمام مُديري المحافظ الاستثمارية العالمية، الذين يرون أسباباً للبقاء على مقاعد المُتفرجين، ومنها: ضعف سوق النفط، والمخاوف بشأن قوة الاقتصاد العالمي، وهجوم الشهر الماضي على أهم منشآت معالجة النفط الخام الخاصة بأرامكو.
ويُطالب المستثمرون بالفعل بدفع تأمينٍ إضافي من أجل الاحتفاظ بديون المملكة، التي خفضت وكالة Fitch Ratings تصنيفها الائتماني الشهر الجاري.
وقال دانيلو أونورينو، الذي يُدير شركة Dogma Capital لإدارة المحافظ الاستثمارية في سويسرا، والذي استثمر في سندات أرامكو من قبل: “تُعَدُّ أرامكو ببساطة أفضل أصول النفط والغاز على الكوكب.
ولكن هناك بعض المشكلات وهي أنَّ تكلفة رأس المال السعودي عاليةٌ نسبياً، وأسعار النفط لا تتوافق مع رغبتك، علاوةً على بعض مشكلات الشفافية”.
والمستثمرون قلقون بشأن إدارة الشركة أيضاً. إذ أنَّ الاكتتاب العام لن يُؤدِّي إلى استقلال الشركة عن الدولة السعودية، التي لم تقترح بيع أكثر من 5% من أسهم الشركة.
وستظل مدفوعات الضرائب والأرباح أكبر مصادر الدخل الحكومي، إلى جانب أنَّ المملكة هي أهم عضوٍ في منظمة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك).
وفي أوائل سبتمبر/أيلول، أُعفي خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي ورئيس مجلس إدارة شركة أرامكو، من منصبه.
إذ كان يُعتبر من المُشكِّكين نسبياً في فوائد عملية بيع الأسهم. وعُيِّن أخٌ غير شقيق لولي العهد في منصب وزير الطاقة، في حين ذهبت رئاسة مجلس إدارة أرامكو إلى ياسر الرميان، مُحافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي -وهو صندوق الثروة السيادية الذي سيتسلَّم حصيلة الاكتتاب العام الأولي.
وقال روب ثامل، مُدير المحافظ المالية البارز بشركة Tortoise Capital Advisors: “تُدير أرامكو مجموعةً من أقل الأصول تكلفةً في العالم. لكن مصدر القلق الأكبر حول أرامكو يكمُن في إداراتها. وفي حال علاج تحدِّيات الإدارة؛ سيرتفع اهتمام المستثمرين”.
ولا شكَّ حول أنَّ أرامكو تستحق هذا التقييم الضخم: إذ تضُخُّ الشركة 10 ملايين برميل من النفط يومياً، أي أكثر من ضعف منافستها الأمريكية Exxon Mobil، وحصدت أرباحاً سنوياً تُقدَّر بـ111 مليار دولار العام الماضي.
لكن رقم تريليوني دولار لا يزال رقماً مُبالغاً فيه مُقارنةً بكبرى شركات إنتاج النفط العالمية.
ووعدت أرامكو مُؤخراً بدفع أرباحٍ أساسية تُقدَّر بـ75 مليار دولار على الأقل عام 2020، وهو رقمٌ أعلى بكثير من مبلغ الـ58 مليار دولار الذي دفعته الشركة لحكومة آل سعود عام 2018.
ويُعادل الرقم 20 دولاراً عن كل برميلٍ تُنتجه الشركة، أي أكبر من الأرباح التي تدفعها شركات Exxon وRoyal Dutch Shell وChevron مُجتمعةً على البرميل الواحد.
وعدَّلت حكومة آل سعود أيضاً الهيكل الضريبي لأرامكو، من أجل إتاحة مجالٍ أكبر لمدفوعات المساهمين، وخفض الأتعاب المدفوعة على كل برميل إلى 15% -بعد أن كانت 20%- طالما ظل سعر البرميل الواحد أقل من 70 دولاراً.
ويصل سعر البرميل الواحد حالياً إلى أقل من 60 دولاراً. ووصل الأمر إلى الوعد بدفع أرباح حملة الأسهم الصغار قبل الحكومة، في حال انهيار أسعار النفط.
ورغم تقييم الشركة بتريليوني دولار؛ لكن عائد أرباح أرامكو سيُساوي 3.75% فقط, ويبدو هذا عائداً جيداً في عالمٍ يسوده معدل فائدةٍ يُساوي الصفر، لكنه أقل مما يحصل عليه مُلَّاك سندات الـ30 عاماً في الشركة اليوم.
ويصل عائد أرباح Exxon إلى نحو 5%. أما بالنسبة لشركة Shell، التي لم تخفض مدفوعات أرباحها منذ الحرب العالمية الثانية، فيتجاوز عائد أرباحها الـ6%.
ومن أجل أن تُعادل أرامكو رقم Exxon، فيجب أن تكون قيمته السوقية قريبةً من مبلغ 1.5 تريليون دولار.
وإحدى مصادر قلق المستثمرين المُحتملين الأخرى هي توقُّعات الطلب على النفط.
إذ تأسَّست شركة أرامكو حين كان الطلب على النفط يتزايد عاماً بعد آخر، بالتزامن مع شراء مئات الملايين للسيارات وانطلاقهم في الشوارع.
لكن هذا الاتجاه بدأ يتغيَّر. إذ تستثمر كبرى شركات صناعة السيارات العالمية، مثل Volkswagen، مليارات الدولارات في صناعة المركبات الكهربائية. ويتوقَّع بعض المُحلِّلين أن يصل الطلب على البنزين إلى ذروته خلال العقد المُقبل، قبل أن يبدأ في الانهيار.
ويُواجه سوق النفط تحدِّيات أكثر إلحاحاً أيضاً, إذ أثَّرت الحرب التجارية الأمريكية-الصينية على توقُّعات الطلب على النفط، ومخزونات الطاقة وفيرةٌ اليوم بحسب المعايير التاريخية.
وترى الوكالة الدولية للطاقة عدم توافقٍ مُحتمل بين العرض والطلب أوائل العام المُقبل، يصل إلى مليون برميل يومياً.
وتُجادل أرامكو بأنَّ امتلاكها أقل حقول النفط تكلفةً في العالم يعني أنَّ المملكة ستُواصل التنقيب لعقودٍ مُقبلة، لكن مواقف المستثمرين تُجاه صناعة النفط تتغيَّر.
وربما تُقرِّر الحكومة التساهل في تقييمها من أجل ضمان نجاح البيع، لكن ولي العهد مُستعدٌ لاستغلال أقل الفرص من أجل جمع أكبر مبلغٍ مُمكن من المال لصالح واحدةٍ أخرى من قضاياه الرئيسية: صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو الكيان المنوط بقيادة التحوُّل الاقتصادي في المملكة بعيداً عن الاقتصاد القائم على الطاقة.