وجد المواطن السعودي نفسه أمام أكبر موجة غلاء في تاريخ المملكة، في ظل سلسلة إجراءات حكومية فرضها نظام آل سعود لمواجهة تفاقم أزمة الاقتصاد السعودي وتداعيات فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط العام.
وللمرة الأولى، أقرت وزارة المالية في المملكة، مايو/ أيار المنصرم، إجراءات وصفتها بـ “المؤلمة” لإنقاذ الموازنة العامة من العجز الكبير. وشملت هذه الإجراءات زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من يوليو/تموز المقبل، ووقف صرف بدل غلاء المعيشة اعتبارا من يونيو/حزيران الجاري.
وفاجأت الهيئة العامة للجمارك في المملكة، السعوديين، بنشرها قائمة بالسلع المقرر رفع الرسوم الجمركية عليها، اعتبارا من العاشر من الشهر الجاري.
وتضم القائمة نحو 3 آلاف سلعة مختلفة، تراوحت نسبة الرفع الجمركي عليها بين 3 و25 بالمائة.
وبحسب وسائل إعلام سعودية، فإن هذه النسب تضاف إليها القيمة المضافة الجديدة والتي اعتمدت 15 بالمائة.
وأبرز الأصناف التي فرضت عليها رسوم جمركية – حسب تلك الوسائل الإعلامية – بعدما كانت معفاة من الضرائب سابقا، لحوم الضأن والماعز برسوم تصل إلى 7 بالمائة، كما ارتفعت الرسوم على الأسماك من 3 إلى 6 بالمائة.
وارتفعت الرسوم الجمركية على الألبان والأجبان ومشتقاتهما من 5 إلى 10 بالمائة.
وشهدت بعض المواد المستخدمة في الصناعة، مثل الطوب بمختلف أنواعه، ارتفاعا بالرسوم من 5 إلى 15 بالمائة، وهو ما انطبق أيضا على مواد زينة السيارات وغيرها.
وكان وزير المالية محمد الجدعان، قال إن الضرائب الجديدة المضافة لثلاثة أضعاف وتعليق بدل غلاء المعيشة لموظفي الدولة، هدفه تحصين وضع المملكة المالي الذي تضرر بشدة من انخفاض أسعار النفط فيما تهاوي الطلب على الخام بسبب فيروس كورونا المستجد.
وأضاف الجدعان أن “الإجراءات التي تم اتخاذها وإن كان فيها ألم إلا أنها ضرورية للمحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي من منظور شامل وعلى المديين المتوسط والطويل، حسب زعمه.
وعقب قرارات الجدعان، نشر نشطاء سعوديون في المملكة مقطع فيديو من مقابلة مع ولي العهد محمد بن سلمان أجريت عام 2016 إبان إطلاق “رؤية 2030” يقول فيها إنه بحلول عام 2020 ستكون المملكة قادرة على العيش بدون نفط.
ولم يقتصر رفع الأسعار على السلع داخل المملكة، بل رفعت شركة النفط السعودية “أرامكو” سعر غاز البترول المسال المتجهة إلى آسيا لشهر حزيران/يونيو ٢٠٢٠.
وقالت “أرامكو” إنها حددت سعر بيع البروبان في عقد حزيران/يونيو عند 350 دولارا للطن، ارتفاعا من 340 دولارا في مايو/ أيار المنصرم.
وحددت سعر البوتان لشهر حزيران/يونيو عند 330 دولارا للطن، انخفاضا من 340 دولارا في الشهر السابق.
واللافت في الأمر أن القرارات الحكومية “التقشفية” أحدثت صدمة حقيقية في الشارع السعودي عامة والشباب خاصة.
فالقرارات الجديدة، توحى بانتهاء عهد الرفاهية في الدولة النفطية، سيما أن هناك قرارا يسمح بتخفيض رواتب آلاف الموظفين في القطاع الخاص إلى 40% مع إمكانية إنهاء عقود الموظفين.
ومؤخرا، أعلنت وزارة الاسكان في المملكة، لجمهورها العسكريين والمواطنين، وقف مدفوعات اثنين من برامجها لدعم الرهن العقاري في الوقت الذي تتطلع فيه إلى خفض التكاليف.
وقالت وزارة الإسكان على موقعها الإلكتروني إنه سيتم تعليق برنامج القروض بدون فائدة للعسكريين الذي يغطي 20% من العقار، أو ما يصل إلى 140 ألف ريال سعودي (37 ألف دولار). كما تم إيقاف خطة أخرى تقدم للمواطنين مساعدة تصل إلى 95 ألف ريال أو 10% من الممتلكات.
ورأت مجلة “كابيتال” الفرنسية أن صدمة التقشف التي تعرض لها الشعب السعودي، “بخرت أحلام العديد من الشباب” في البلاد، متوقعة في الوقت ذاته، أن تؤجج تلك الصدمة الاستياء ضد ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.
وقالت “كابيتال” إن سكان المملكة وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها أمام إجراءات تقشفية صادمة ستؤدي إلى انخفاض الدخل وتراجع معدلات التوظيف، وتدهور الظروف المعيشية، خاصة بعد مضاعفة ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات، في دولة لم يكن مفهوم الضريبة فيها معروفا منذ وقت ليس ببعيد.
ويتوقع مراقبون أن يؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض مستوى الدخل أن يهدد العقد الاجتماعي بين السلطة والشعب، ويعرقل مسيرة التطوير التي يتبناها ولي العهد ويضع المملكة في مفترق طرق صعب بعد ثلاثية أولى من السنة وصل فيها عجز الميزانية إلى تسعة مليارات دولار.