تقرير أمريكي: غضب في المملكة من سياسات بن سلمان الاقتصادية
أبرزت وكالة بلومبيرغ الأمريكية الغضب المتصاعد في المملكة بفعل سياسات ولي العهد محمد بن سلمان الاقتصادية في ظل تصاعد العجز في موازنة المملكة وارتفاع معدلات البطالة وغلاء الأسعار.
وقالت الوكالة في تقرير لها إنه غير الواضح وجود أي معالم للتقشف جرَّاء الانكماش الاقتصادي الذي تشهده المملكة، لكن في خضم هذه التطورات فإن بعض نتائج خطوات بن سلمان تستفز قطاعات من السكان، لأسباب ليست دينية أو اجتماعية بل طبقية.
ففي داخل نسخةٍ سعودية طبق الأصل من مطعم Carbone، المطعم الإيطالي الحائز نجمة ميشلان في نيويورك، طلب الزبائن شرائح لحم الواغو مقابل 500 ريال سعودي (ما يعادل 133 دولاراً)، أي ما يزيد قليلاً عن الحد الأدنى للمبلغ المالي المطلوب لتأمين الحجز لأسابيع مقدماً.
وبالجوار، يعزف الموسيقيون في الساحات المُعطَّرة، فيما تقود النساء عربات الغولف لتوصيل العملاء لمجموعة مختارة من أشهر المطاعم في مختلف أنحاء العالم.
وتُعبِّر فعاليات “موسم الرياض” -مجموعة من عروض المأكولات، والحفلات الموسيقية، والعروض الرياضية، والمهرجانات تحت رعاية الحكومة- عن الكثير من الأفكار التي يرغب بن سلمان أن تتبناها مملكته.
سعى بن سلمان، منذ صعوده ليصبح قائداً فعلياً للبلاد، لتغيير الفكرة الشهيرة عن المملكة، باعتبارها دولةً إسلاميةً مُحافظةً مدعومة بالنفط، وشرع في تنفيذ قرارات تاريخية، تتضمن الحد من تقييد عزف الموسيقى، والسينما، واللباس، فضلاً عن الانفتاح على الزُّوار الأجانب.
لكنَّ تلك القرارات الخارجة عن المألوف التي تضمنتها سياسات بن سلمان وما أثارته من جدلٍ، سلَّطت الضوء على تحدٍّ مزدوج يواجه السلطات.
فبينما يتطلع المسؤولون السعوديون إلى تعزيز قبول تلك التغييرات التي أدخلتها سياسات بن سلمان، ظهر تحدٍّ جديدٌ غير الرفض لأسباب دينية، أو نتيجة النزعات المحافِظة للسكان.
هذا التحدي هو ضمان عدم تهميش الأشخاص الأقل ثراء، بسبب خيارات نمط الحياة التي يعجزون عن تحملها، وضرورة جعلهم أكثر ثراءً، كي تؤثر نفقاتهم في تغذية الانتعاش الاقتصادي الناشئ.
في هذا الصدد، قال سعد البازي أستاذ الأدب والعضو السابق في مجلس الشورى السعودي: “كان ثمة اندفاعٍ نحو وسائل التسلية والترفيه، بطريقةٍ أبعدت الكثير من الناس من المُعدمي”.
يدعم البازي خُطة التحول، لكنه يخشى أن تتسبب التكلفة الباهظة لبعض الفعاليات الجديدة في استبعاد أفراد الشعب.
تشير البيانات إلى تعافي الاستهلاك الإنفاقي بعد تعثُّره، أدَّى الانخفاض في أسعار النفط منذ عام 2014 إلى إجبار الحكومة على خفض إعانات الدعم السخية، وتباطؤ عجلة الاقتصاد، ما دفع السعوديين إلى الحد من نفقاتهم.
وسياسات بن سلمان لا تغضب فقط المحافظين بل تهمش المُعدمين أيضاً.
مؤخراً، قال المسؤولون إنهم يتراجعون عن الإنفاق الحكومي للسماح للاستثمار الخاص بالتقدم. نما الاقتصاد غير النفطي بنسبة 4.3% في الربع الثالث من العام الماضي 2019، ليشهد بذلك حالة النمو الأسرع منذ عام 2014.
وتعتبر مهرجات موسم الرياض جزءاً من الصفقة؛ إذ حققت إيرادات بقيمة مليار ريال سعودي على مدار شهرين، منذ إقامتها في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، واستقطبت 10 ملايين زائر، رغم كونها لم تُحقق ربحاً للحكومة.
وعدم التكافؤ ليس بالأمر الجديد في المملكة إذ يعرض الكثير من السعوديين التباين بين الجحافل من الأمراء الملكيين، والمتسولين عند تقاطعات الشوارع، بوصفه حقيقة من حقائق الحياة.
يبلغ متوسط الدخل الشهري للأسرة المتوسطة 11.494 ريالاً سعودياً، أي ما يعادل قُرابة 37 ألف دولار في السنة.
قبل أن يبدأ محمد بن سلمان هزَّة التغيير تلك كانت توجد وسائل محدودة ظاهرة لتسلية الأثرياء في أوقات فراغهم. كان المحافظون يرفضون الموسيقى، ولا توجد دور سينما، وتجوب الشرطة الأخلاقية الشوارع لتطبيق الفصل بين الجنسين.
وبينما ترعى الحكومة، في الوقت الحالي، حفلات موسيقية، إلى جانب العروض المسرحية، عاد الإنفاق يُضَخ إلى الوطن بعدما كان موجهاً إلى الخارج.
إذ انخفضت معاملات بطاقات الائتمان بالعملة الأجنبية بنسبة 25%، في نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنةً بالعام الماضي. وأشارت أحدث البيانات إلى زيادة عمليات السحب النقدي، داخل المملكة، إلى جانب معاملات أنظمة “نقاط البيع” ببطاقات الائتمان بنسبة 5% في نفس الشهر.
وكذلك شهدت المطاعم والمقاهي زيادة سنوية بنسبة 54% في عدد طلبات الشراء باستخدام البطاقات المصرفية.
وقد رفض بعض السعوديين القلق بشأن الأسعار، وشكاوى المحافظين الذين يرون أنَّ الانفتاح الاجتماعي تجاوز الحدود.
وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي 2019، أثار المستشار في الديوان الملكي تركي آل الشيخ، حالة غضب، حين روَّج لبطاقة ائتمانٍ من دون فوائد مخصصة لموسم الرياض، إذ سخر السعوديون من فكرة التكبل بالديون من أجل حضور الحفلات الموسيقية.
قالت مونيكا مالك، رئيسة الخبراء الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، إنَّ ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، إلى جانب عدم التكافؤ في الدخل، كلها أمور من شأنها أن تعرقل الاستهلاك الخاص. بيدَ أنَّ السعوديين “في حالةٍ من الإثارة بشأن التغييرات الاجتماعية، تلك التغييرات التي حدثت بشكلٍ ملموس وبوتيرة سريعة”.