غضب سعودي من “غدر” إماراتي بتصعيد الهجوم الإعلامي ضد المملكة
أعرب مسئولون في الديوان الملكي عن حالة غضب من غدر دولة الإمارات بتصعيد الهجوم الإعلامي ضد السعودية وإفشال مبادرة جرت مؤخرا بشكل سري للتهدئة بين البلدين.
وقالت مصادر مطلعة إن تعليمات صدرت مؤخرا للنشطاء التابعين للديوان الملكي وقادة الذباب الالكتروني بوقف التراشق الإعلامي مع الإمارات ومحاولة تجنب تصعيد أكبر في علاقات التوتر الحاصلة.
لكن المصادر ذكرت أنه رغم التزام الجانب السعودي بالتهدئة والامتناع عن التصعيد فإن خلايا المسئول الإماراتي حمد المزروعي وأمثاله واصلت الهمز واللمز ضد المملكة ورموزها.
وبحسب المصادر فإن مسئولي الديوان الملكي يعربون عن غضبهم من استمرار التصعيد الإعلامي الإماراتي ضد السعودية ويعتقدون أن ذلك يتم بتعليمات عليا في أبوظبي للإساءة إلى المملكة دورها الإقليمي.
ويتزامن ذلك مع تأكيد تحليل نشرته مؤسسة “فنك” الأوروبية، أن التنافس الاقتصادي المتزايد بين السعودية ودولة الإمارات يهدد علاقاتهما الثنائية بمزيد من التوتر.
وتناولت المؤسسة بحسب ما نشر المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، خطط السعودية إلى تقديم عاصمتها الرياض كمركز اقتصادي إقليمي عبر تأسيس مقار إقليميّة ل 480 شركة دولية بحلول العام 2030، ما سيحوّل الرياض إلى قاعدة إقليميّة رئيسة للشركات الدوليّة، بما يثيره ذلك من منافسة مع دبي في الإمارات.
وأشارت المؤسسة إلى أنه خلال شهر ديسمبر/كانون الأوّل 2022، استقبل ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان أمين عام المكتب الدولي للمعارض، ديمتري كيركنتزس، لاستعراض ملف ترشيح مدينة الرياض لاستضافة معرض إكسبو 2030.
وجاء ذلك بعد أن كانت السعوديّة قد أطلقت منذ شهر مارس/آذار 2022 حملتها الترويجيّة الخاصّة، لدعم ملفّها والفوز باستضافة هذه المناسبة. وبذلك، تنافس السعوديّة اليوم ملفّات كل من كوريا الجنوبيّة وإيطاليا وأوكرانيا، التي تسعى كلّ منها لاستضافة تلك النسخة من المعرض الدولي.
ومن الواضح حتّى اللّحظة أنّ السعوديّة وظّفت كلّ طاقتها الدبلوماسيّة والسياسيّة لحشد دعم أكبر عدد من الدول لملفّها، إلى حد قيام ولي العهد شخصيًّا بزيارات متتالية إلى الدول الّتي يسعى لكسب أصواتها.
مع الإشارة إلى أن هذه المناسبة هي حدث عالمي يتم تنظيمه كلّ خمس سنوات، بهدف تبادل الأفكار والابتكارات، والإبداعات الصناعيّة والتكنولوجيّة، بين الدول وكبرى الشركات العالميّة.
وفي حين بدأ تنظيم هذه المناسبة منذ العام 1851، بات معرض إكسبو يمثّل اليوم ثالث أكبر حدث عالمي من ناحية عدد الزوّار، بعد كلّ من بطولة كأس العالم لكرة القدم، ودورة الألعاب الأولمبيّة.
لا يمكن فصل اهتمام المملكة العربيّة السعوديّة باستضافة هذا الحدث في مدينة الرياض، بعد حوالي سبع سنوات، عن رؤية 2030، الّتي تمثّل الخطّة التنمويّة الشاملة الّتي تسير على أساسها المملكة اليوم.
فهذه الرؤية، راهنت منذ البداية على إعادة تقديم الرياض بوصفها مركزًا اقتصاديًّا اقليميًّا، بما يمكّن المدينة من جذب الشركات الأجنبيّة، والتحوّل إلى قطب مالي عالمي أساسي.
وهكذا، تتكامل مساعي السعودية لاستضافة هذه المناسبة ذات الصدى الاقتصادي المهم في الرياض، مع السعي لتعزيز مكانة المدينة الاقتصادية.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن فصل هذه التطوّرات عن المنافسة الإقليميّة الّتي تشهدها دول منطقة الخليج، والمرتبطة بتسابقها على دور مركز الجذب الاقتصادي.
فدبي كانت قد استضافت نسخة العام 2020 من معرض إكسبو نفسه، في محاولة لتعزيز جاذبيّة الإمارة الاستثماريّة والاقتصاديّة أمام الشركات الأجنبيّة. كما تأتي هذه التطوّرات بعد استضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم، مع كل ما سبق الحدث من استثمارات في البنية التحتيّة، هذا ما سيدعم أهداف رؤية قطر 2030 الاقتصاديّة.
ولم يكن السعي لاستضافة معرض إكسبو 2030 أولى الخطوات السعوديّة الهادفة إلى تعزيز مكانة الرياض الاقتصاديّة، وتحويلها إلى مركز اقتصادي إقليمي.
فمنذ تعيين محمد بن سلمان وليًّا للعهد، اتخذت السعوديّة العديد من الخطوات الجريئة، بهدف دفع الشركات الأجنبيّة إلى نقل مراكزها الإقليميّة إلى الرياض، وزيادة حجم استثماراتها في المملكة العربيّة السعوديّة.
فعلى سبيل المثال، في فبراير/شباط 2021، أصدرت الحكومة السعوديّة قرارًا سيدخل حيّز التنفيذ اعتبارًا من العام 2024، يقضي بوقف التعاقد مع أي شركة أجنبيّة لا تتخذ المملكة مركزًا إقليميًّا لها.
وجاء هذا القرار ليستهدف الشركات الأجنبيّة الّتي تتخذ غالبًا الإمارات العربيّة المتحدة مركزًا إقليميًّا لها في الشرق الأوسط، فيما تحاول في الوقت نفسه التوسّع في التعاقد مع القطاع العام في السعوديّة.
وعلى هذا الأساس، سيكون على الشركات الأجنبيّة الاختيار بشكل حاسم بين التموضع في الإمارات أو العمل مع القطاع العام السعودي، خلال مهلة لا تتخطى السنتين من تاريخ إصدار القرار.
ومن المعلوم أنّ حجم أعمال القطاع العام السعودي يتجاوز بأضعاف مثيله في الإمارات، نظرًا للفارق الشاسع بين حجم وعدد سكّان وقيمة ميزانيّة الدولتين، ما سيدفع بشكلٍ تلقائي معظم الشركات الأجنبيّة إلى تفضيل الحفاظ على علاقتها مع الحكومة السعوديّة.
في الوقت نفسه، أطلقت السعوديّة مجموعة من الحوافز لتشجيع الشركات الأجنبيّة على فتح مراكز إقليميّة لها في الرياض، ومنها إعفاء الشركات من ضريبة الدخل كليًا لمدّة 50 سنة، وإعفاء الشركات لمدة 10 سنوات من الشروط التي تفرض توظيف عدد معيّن من المواطنين السعوديين (أي ما يُعرف بسياسة السعودة).
كما شملت هذه الحوافز تسهيل عمليّات منح الموظفين وعائلاتهم التأشيرات، ومنح الشركات معاملة تفضيليّة في المناقصات الحكوميّة.
ومن جهة أخرى، حرصت المملكة على تأسيس المناطق الاقتصاديّة الخاصّة، كحال مركز الملك عبد الله المالي على سبيل المثال.
والمناطق الّتي تمثّل مجمّعات كبرى ذات بنية تحتيّة متطوّرة، ستستفيد من إعفاءات وتسهيلات كبيرة في كلّ ما يتصل بالضرائب والمعاملات الحكوميّة، حيث ستعامل الحكومة الشركات هناك كما لو كانت تعمل من خارجها.
وهذا النوع من المشاريع، يفترض أن يمثّل عامل جذب للمراكز الإداريّة والشركات الماليّة، الحريصة على العمل في بيئات تسهّل الأعمال. كما توسّعت السعوديّة في تأسيس الأسواق الحرّة، المحيّدة عن الرسوم الجمركيّة.
ومن خلال كلّ هذه الحوافز، كانت السعوديّة تحاول منافسة نموذج إمارة دبي، القائم على المزج بين السوق الحرّة والتسهيلات الضريبيّة المفرطة، وتدخّل الدولة القائم على خلق البيئة الاستثماريّة المناسبة للمنافسة.
وهذا النموذج بالتحديد، هو ما سمح لدبي سابقًا بالتوسّع باستقطاب مراكز الشركات الأجنبيّة، ما حوّلها إلى مركز مالي في منطقة الخليج، فيما يبدو أنّ الرياض اختارت اليوم لعب الدور نفسه.
كل هذه التطوّرات، ترافقت مع اتخاذ بن سلمان خطوات لإعادة السعوديّة إلى ما يسمّيه “الاعتدال والانفتاح على العالم وتدمير الأفكار المدمّرة”.
وهذه الإجراءات مزجت ما بين فتح المجال أمام تنظيم المهرجانات الغنائيّة، وزيادة الإنفاق الحكومي على المناسبات الترفيهيّة، بالإضافة إلى تقليص القيود التي كانت مفروضة في السابق على اللباس ونمط الحياة.
ومن خلال الدفع باتجاه الانفتاح الاجتماعي، كان بن سلمان يزيد من تنافسيّة الرياض كمكان أكثر جاذبيّة لإقامة واستثمارات الأجانب.
وفي الوقت نفسه، كان بن سلمان يسمح من خلال هذه الإجراءات بتوسّع الاستثمار في القطاعات الاقتصاديّة المتصلة بالأنشطة الترفيهيّة، وخصوصًا في مدينة الرياض، الأمر الذي دعم جهود تعزيز مكانة المدينة الاقتصادية.
خلال السنتين الماضيتين، وبعد كل هذه الجهود، كان من الواضح أن السعوديّة تمكنت من تحقيق نتائج إيجابيّة وواعدة، بعدما دخلت أكثر من 7000 شركة عالميّة في محادثات مباشرة مع السلطات السعوديّة، للتفاوض على فتح مراكز إقليميّة في المملكة.
كما اتخذت أكثر من 70 شركة دوليّة معروفة قرارات نهائيّة بنقل مقارها الإقليميّة إلى الرياض، خلال العام 2022، كحال سامسونغ وسيمنز وديلويت ويونيليفر وكي. جي. أم. جي. وبيبسيكو وبرايس واتر هاوس ودايمنشن داتا وهاليبرتون وفيليبس وغيرها.
تجدر الإشارة إلى أنّ المسؤولين السعوديين يسعون إلى التمكن من تأسيس مقار إقليميّة ل 480 شركة دوليّة في الرياض، بحلول العام 2030، ما سيحوّل الرياض إلى قاعدة إقليميّة رئيسة للشركات الدوليّة.
وللتمكّن من تحقيق هذا الهدف، وضعت الحكومة السعوديّة خطّة تشرك أكثر من 25 جهة حكوميّة سعوديّة، في عمليّة استقطاب الشركات الأجنبيّة وتقديم الحوافز المناسبة لها.
في جميع الحالات، من الأكيد أنّ كل هذه الأحداث ستمثّل عوامل ضاغطة للغاية على دبي بالتحديد، التي لطالما استفادت من عدم سعي جيرانها إلى لعب دور المركز المالي الأساسي في منطقة الخليج العربي.
وهذا الواقع بالذات يفسّر سعي الإمارات العربيّة المتحدة مؤخرًا إلى البحث عن أدوار اقتصاديّة وماليّة خاصّة خارج عباءة المملكة العربيّة السعوديّة، بمعزل عن التقارب السياسي الذي حكم علاقة الدولتين خلال السنوات الماضية.
ولهذا السبب، تشير الكثير من التحليلات إلى أن التنافس الاقتصادي بين الدولتين قد يتحوّل سريعًا إلى توتّر في العلاقات الثنائيّة، خصوصًا إذا اتخذت المملكة العربيّة السعودية المزيد من الإجراءات الهادفة إلى حشر الشركات العالميّة، وإجبارها على نقل مراكزها الإقليميّة من دبي إلى الرياض.