كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن شن طائرات مسيرة ثابتة الجناحين ومفخخة أطلقت من العراق، هجوما على الديوان الملكي الرئيسي في العاصمة السعودية الرياض قبل نحو شهر.
وحددت الصحيفة الأمريكية تاريخ القصف يوم 23 يناير/كانون الثاني، وذلك استنادا لمعلومات حصلت عليها من مسؤولين أمريكيين ومصادر أخرى مطلعة.
وقال التحالف يومها أن الجيش السعودي اعترض هجوما جويا، لكن أشخاصا مطلعين قالوا إن الطائرات المسيرة اخترقت الدفاعات الجوية السعودية.
وتمكنت إحدى الطائرات من تنفيذ ضربة بالقرب من البوابة الأمامية لقصر اليمامة؛ مقر الديوان الملكي السعودي.
وقال مسؤول أمريكي إنه تم استهداف مهبط طائرات هليكوبتر قريب أيضا.
ولم يكن العاهل السعودي وولي العهد حاضرين وقت هجوم القصر في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، ولكن تم تحويل الرحلات الجوية من مطار الرياض الدولي لعدة ساعات.
وقال مسؤول أمريكي إن معسكرًا صحراويًا تستخدمه العائلة المالكة تم استهدافه أيضًا، رغم أن الهجوم ربما يكون قد فشل.
يُذكر أن السعودية أصبحت تواجه هجمات جوية أكثر تواتراً ودقة مع استغلال الجماعات المرتبطة بإيران في اليمن والعراق الثغرات المستمرة في دفاعات المملكة.
هشاشة الدفاعات السعودية
وفي غضون ذلك، صعّد المتمردون الحوثيون المتحالفون مع إيران من هجماتهم عبر الحدود الجنوبية للمملكة هذا الشهر.
بما في ذلك غارة الأسبوع الماضي التي أصابت طائرة ركاب فارغة في مطار محلي، كما أطلقوا طائرات مسيرة وصواريخ على قاعدة عسكرية قريبة ومطار جدة الدولي.
وتُظهر التفاصيل الجديدة التي أفصحت المصادر عنها هشاشة دفاعات السعودية واتساع نطاق وصول أعداء البلاد، بالرغم من عدم وقوع إصابات كبيرة في أي من هذه الحوادث.
وبالرغم من تحسن القدرات العسكرية للمملكة في السنوات الأخيرة، لكن المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين يقولون إن السعودية لا تزال يتعين عليها القيام بالكثير لتحسين دمج الرادارات وبطاريات “باتريوت” ومدافع الدفاع الجوي قصيرة المدى وطائرات “إف-15” في نظام دفاعي فعال.
وتشير التفاصيل الجديدة إلى صعوبات وقف الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران في العراق.
وتأتي هذه الهجمات في ظل دفع “بايدن” لمبادرة جديدة لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن ومراجعة مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات إلى الرياض.
كما ألغى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، لكن الرئيس الأمريكي تعهد أيضًا بمساعدة السعودية – التي تعد حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأكبر مشتر لأسلحتها – في الدفاع عن أراضيها.
اعتراف سعودي
ويظهر هجوم الطائرات المسيرة في 23 يناير/كانون الثاني الماضي على الرياض، والذي يقول المسؤولون الأمريكيون إنه أُطلق من جنوب العراق، التعقيدات المتزايدة للمخاطر التي تواجهها المملكة.
والتي لا تشمل الطائرات بدون طيار فحسب، بل تشمل أيضًا الصواريخ الباليستية وصواريخ “كروز”.
وردا على أسئلة حول الهجمات الأخيرة، قال مسؤول سعودي إن المملكة شهدت تصعيدا للهجمات عبر الحدود ضد أهداف مدنية منذ وصول سفير إيران الجديد إلى اليمن العام الماضي.
وقال المسؤول في بيان مكتوب: “قرار الولايات المتحدة بإلغاء التصنيف الإرهابي للحوثيين أسئ فهمه على أنه رخصة بالتصعيد ومواصلة سلوكهم الهمجي داخل اليمن والمنطقة بدعم من إيران”.
وكانت جماعة شيعية مقاتلة لم تكن معروفة من قبل في العراق تطلق على نفسها اسم “ألوية الوعد الحق” أعلنت مسؤوليتها عن هجوم الرياض.
وقال “رمزي مارديني”، الزميل في معهد “بيرسون” بجامعة شيكاجو، والمتخصص في حل النزاعات: “هذه المجموعات ليس لها تاريخ سابق حقيقي، إعلان تشكيلاتهم يتوافق مع تحمل المسؤولية عن هجوم وقع بالفعل”.
وأضاف: “من المحتمل أن أعضاءها تم تدويرهم من الميليشيات العراقية المدعومة من إيران والموجودة مسبقًا، ولكنهم لا يتواجدون بأي طريقة ذات مغزى خارج العالم الرقمي”.
واتهمت “ألوية الوعد الحق” في بيان لها السعودية بدعم تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي نفذ تفجيرين انتحاريين في بغداد قبل أيام وحذرت من أنها قد تهاجم الإمارات أيضا.
وأشار “مارديني” إلى أن الجماعة ذكرت أيضًا أن الهجوم “تم شنه بأيدٍ عراقية فقط”، قائلًا إنها محاولة لصرف الشبهات عن إيران أو الحوثيين في اليمن.
وتعد هذه هي المرة الأولى المعروفة التي تُستهدف فيها السعودية من العراق منذ مايو/أيار 2019.
عندما دمرت طائرات مسيرة – يقول المسؤولون الأمريكيون إنها كانت تحت سيطرة ميليشيات مدعومة من إيران – خط أنابيب نفط رئيسيا يمتد مئات الأميال عبر الصحراء السعودية.
وفي سبتمبر/أيلول 2019، أدى هجوم بطائرة مسيرة وصواريخ، ونسبته المخابرات الأمريكية لإيران، إلى إضعاف صناعة النفط السعودية بشكل مؤقت.
تحدي كبير
وقال “مايكل نايتس”، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “شن الهجمات من العراق يمثل تحديًا كبيرًا للسعوديين”.
وأضاف نايتس: “إنه الجبهة الثالثة للسعوديين والجبهة التي يجدون أنها الأكثر صعوبة في التعامل معها.. لم تتم تهيئتهم حتى الآن لسد الثغرات الثلاثة”.
وتعد الطائرات بدون طيار هدفًا يصعب اكتشافه بطبيعتها لأنها تطير على ارتفاع منخفض ويتم تشغيلها بالهواء المضغوط، ما يترك القليل من بصمة الإطلاق المرئية.
وقال مسؤول أمريكي سابق إن الحوثيين استخدموا أيضًا طائرات بدون طيار لرسم خريطة لمكان بطاريات صواريخ “باتريوت” السعودية حتى يتمكنوا من تنظيم هجمات مستقبلية حولها.
كما قال “نايتس” إن الدفاعات الجوية السعودية في الشرق باتجاه إيران هي الأقدم والأفضل رسوخًا.
في حين أن تلك في الجنوب في اتجاه اليمن لديها أكثر المشغلين مهارة في التعامل مع القصف على أساس يومي على مدار السنوات الست الماضية.