تنتهج الحكومة السعودية استخدام علاقات التمويل للحصول على إشادات دولية بسياساتها بهدف تسويقها داخليا وتضليل الرأي العام بشأن نتائج برامجها.
أحدث الأمثلة على ذلك إعلان المركز الوطني للتنافسية ومجموعة البنك الدولي في واشنطن في 20 أبريل/نيسان 2024، عن اعتزامهما إنشاء مركز للمعرفة في السعودية، بدعوى سعي الجانبان نشر ثقافة الإصلاحات الاقتصادية عالمياً.
وزعم وزير التجارة السعودي رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للتنافسية ماجد القصبي، أن اختيار السعودية مقرا للمركز يأتي تأكيداً على التقدم الكبير الذي حققته في تقارير ومؤشرات التنافسية العالمية، والتي جاءت نتيجة للإصلاحات الاقتصادية.
وعقب عضو حزب التجمع الوطني المعارض عبدالله عمر، بأن السلطات السعودية تستخدم علاقات التمويل للحصول على إشادات دولية بسياساتها بهدف تسويقها داخليا، وكأن العالم منبهر بنجاحها الذي لا يراه أحد داخل السعودية ولا خارجها.
وتساءل عمر: “على أي أساس تم اختيارها لإنشاء مركزا للمعرفة ووفق أي معايير وهل جاء من جهة معروفة بالنزاهة أم لا؟.
وقال إن السلطات تلجأ أحيانا لجهات ومراكز مجهولة لتلميع سياساتها وتضخمها إعلاميا وكأنها جهات بارزة في مجالاتها، وواقع الحال أن السعودية بوضعها الحالي غير مؤهلة إطلاقاً للقيام بهذا الدور، فلا وجود لإصلاح اقتصادي بمفهومه الذي يستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية.
وأضاف عمر، أن كل ما يجري الآن هو تحول متسارع نحو النيوليبرالية بصورة تكاد تكون مدمرة للطبقة الوسطى وما دونها، واتباع أعمى لنصائح صندوق النقد وسياسات الإفقار التي تنتج عنها، وهو ما سيظهر باستمرار خلال المستقبل القريب والبعيد إذا استمر هذا التحول دون مراعاة لوضع الناس وتزايد الفروقات وصعوبة المعيشة المتزايدة في بلد يعد من أغنى بلدان العالم.
وأوضح أن “هذا لا يعني أن استمرار الدولة الريعية خيار جيد للمستقبل، على العكس، لكن هناك حاجة لطريق ثالث يتجاوز بؤس المسارين، ويحول الدولة لتكون دولة اقتصاد اجتماعي، أو ما يسمى بالديمقراطية الاجتماعية، فهي ما سيحقق الإصلاح الاقتصادي، وبذات الوقت تحقق العدالة الاجتماعي والتوزيع العادل للثروات والسلطة”.
وأضاف عمر: “لا أتصور أن السلطات ستلجأ لهذا الخيار، فالمقربين منها نخبة نيوليبرالية لا تهتم لمصالح الناس ولا وضعهم المعيشي، وتم تهميش كل الخبراء الاقتصاديين المؤهلين، إما بالإقصاء أو باضطرارهم للتماشي مع السلطة وعدم فتح المجال لأفكارهما ونصائحهم، وهذه نتيجة الاستبداد الذي قتل الإبداع للأسف”.
وتابع: “بالتالي السلطات ترى الحل في الاقتصاد النيوليبرالي ومنبهرة بنجاحه المزعوم عالمياً، وفي هذا الاتجاه يبدو أن معاناة الطبقات الوسطى والفقيرة ستتزايد وسيكون هناك تفاوت ضخم وحتى سياسات الدعم المحدودة ستنتهي، وهذا طبيعي في نظام قمعي لا يترك للناس وسيلة للتعبير عن مصالحها، فهو يتصور صمت الناس وتقبلهم لأي خطوة صعبة للأبد”.
وحذر من أن هذا المسار خاطئ وأثبت التاريخ فشله، وأن السلطة الحالية تمهد بسياساتها الاقتصادية والاجتماعية لانفجار مستقبلي، إذا لم تتراجع وتصحح سياساتها، قائلا: “رأينا قبل أيام تقارير فشل مشروع نيوم، والذي يبدو أنه سيشابه مشروع العاصمة الجديدة الذي دمر الاقتصاد المصري، ويبدو أن السعودية تسير على ذات الطريق للأسف”.
وقال عضو الحزب ناصر العربي، إن تصريح وزير التجارة هو محاول جيدة ومهمة في بناء معرفة اقتصادية، لكن مهما كان هناك قاعدة بيانات معرفية وخبراء اقتصاديين من الصعب جداً تطبيق خبراتهم وآرائهم الاقتصادية في بلد مثل السعودية، حيث أن تغول السلطة السياسية ممتد في كل الاتجاهات المشاريع.
وأوضح أن أهم عائق أمام أي نمو وتقدم اقتصادي حقيقي هو وجود سلطة لا حدود لها وأيضاً لا يمكن التكهن بقراراتها، مؤكدا أن المركز المعلن إنشاءه فكرة عظيمة لكن ربما يغلق ويموت في مهدة لو أبدى أي أحد منه أي تصريح أو اشارة تخالف اتجاهات ولي العهد محمد بن سلمان.
وأكد العربي: “نحن أمام إشكالية جوهرية وهي أن السلطة الحاكمة لديها القدرة الخلابة على إطلاق المبادرات في شتى المجالات وأيضاً لديها القوة والقرار لاغتيال هذه المبادرات، ولهذا كمراقب عام ومهتم بالحالة السياسية والاقتصادية في السعودية لا يمكن أخذ هذا النوع من المشاريع على محمل الجد”.