يبحث نظام آل سعود عن صورة جديدة أمام المجتمع الدولي والتغطية على انتهاكاته في أعقاب سلسلة جرائم هزت الرأي الدولي، أبرزها قضية اغتيال الصحفي البارز جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا.
وعمم وزير العدل وليد الصمعاني، قرار إلغاء عقوبة الجلد التعزيزية، واستبدالها بالسجن أو الغرامة أو بهما معا، فيما تتهم منظمات حقوقية نظام آل سعود بأنها تستخدم العقوبات التعزيرية لدوافع سياسية.
وأعلن الصمعاني أن جميع المحاكم داخل المملكة أبلغت بالقرار، وقال إن “هذا التعميم الذي وصل للمحاكم كافة دعا إلى الاكتفاء بالسجن أو الغرامة أو بهما معا أو عقوبات بديلة تقررها السلطات”.
وكشفت وسائل إعلام محلية نهاية إبريل/ نيسان الماضي، النقاب عن توجيهات عليا تقضي بأن تقوم الهيئة العامة في المحكمة العليا بتقرير مبدأ قضائي بعدم الحكم بعقوبة الجلد في العقوبات التعزيرية والاكتفاء بعقوبات أخرى.
وجاء هذا القرار عقب تداول وسائل إعلام سعودية، مرسوم ملكي بإلغاء عقوبة إعدام الأطفال.
وهناك 3 أنواع من العقوبات هي، الحد والقصاص والتعزير، فالحد هو عقوبة وردت بالقرآن مثل جلد “الزانية والزاني” أما القصاص فهو معاقبة الجاني بمثل ما فعله بالمجني عليه مثل القتل بالقتل والجرح بالجرح، أما التعزير فهو متروك للقاضي في الجنايات التي لم يرد فيها نص حد أو قصاص.
وتتهم منظمات حقوقية النظام الحاكم في السعودية بأنها تستخدم العقوبات التعزيرية لدوافع سياسية، واتهم تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في فبراير/شباط الماضي سلطات المملكة باستخدام المحكمة الجزائية المتخصصة أداة سياسية لتكميم الأصوات الناقدة.
وقال مايكل بَيج نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن تعديلات إلغاء عقوبة الجلد “غير كافية لحماية الأحداث من العيوب الكبيرة في نظام العدالة الجنائية السعودي سيئ السمعة، بما في ذلك خطر التعذيب، والمحاكمات الجائرة، وعقوبة الإعدام”.
وأضاف بيج “يجب أن تكون هذه التغييرات نقطة انطلاق لإجراء إصلاح شامل وشفاف لنظام العدالة الجنائية في السعودية”.
وكشفت وكالة أسوشيتد برس مطلع مايو/أيار الحالي أن السعودية بصدد إجراء إصلاحات جديدة بغية تحسين سجلها في حقوق الإنسان، وتلميع صورتها التي تضررت نتيجة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي والانتهاكات في حرب اليمن.
وقُتل خاشقجي في 2 أكتوبر 2018 في قنصلية بلاده في إسطنبول، ويعتقد المحققون أن الصحفي قتل عندما كانت خطيبته تنتظر خروجه من القنصلية وقطعت جثته، ولم يعثر عليها حتى الآن.
وأثارت عملية القتل الوحشية سخطا عالميا، إذ قالت مقررة الأمم المتحدة، آنياس كالامار إن أدلة موثوقة تبين أن ولي العهد محمد بن سلمان ومسؤولين كبار يتحملون المسؤولية الشخصية عن جريمة القتل. ودعت إلى تحقيق دولي مستقل في القضية.
وشرعت المملكة مؤخرا – حسب وكالة أسوشيتد برس- في إجراء تعديليْن على الأحكام، يلغي أحدهما عقوبة الجلد، في حين يلغي الثاني تنفيذ حكم الإعدام في المدانين الذين ارتكبوا جرائم عندما كانوا قاصرين.
ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة أن بن سلمان قد يجري، في غضون الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة، إصلاحات بقانون العقوبات تقضي بأن تحديد العقوبة في بعض الجرائم لن يكون من اختصاص القضاة حصرا.
ورأت أن ولي العهد يتطلع من وراء هذه الإصلاحات لعلاقة أكثر دفئا مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيرة إلى أن إحداث نظرة إيجابية عن سجل المملكة الحقوقي قد يساعدها في الحفاظ على الدعم من واشنطن حتى وإن لم يفز ترامب بولاية ثانية.
كما رأت مجلة أميركية أن النظام الحاكم في السعودية يقوم بخداع الرأي والشركاء الدوليين عقب تداول مرسوم ملكي بإلغاء عقوبة إعدام الأطفال. مشيرة إلى أن القرار “حديث إعلامي فقط”
وقال المحامي السعودي طه الحاجي، في مقال نشرته مجلة “نيوزويك” إن القرار مخادع، وهو حديث إعلامي فقط.
وأوضح الحاجي – الذي مثَلَ أطفالا يواجهون أحكام الإعدام ويعيش الآن في ألمانيا- أن الخبر عن المرسوم ظل باللغة الإنكليزية لكي يخاطب الصحافة الغربية.
وذكر أن هناك 13 طفلا يواجهون حكم الإعدام في السعودية بتهم زعم أنهم ارتكبوها عندما كانوا أطفالا قاصرين، بمن فيهم الطفل السابق علي النمر الذي عذب لكي يعترف بجرائم إرهاب عندما أطلق هتافات معادية للحكومة في عام 2012.
واستدرك الحاجي: مضت أيام على إعلان المرسوم ولكن لم ينشر بعد مثلما لم يتم إلغاء أي حكم بالإعدام.
ورأي أن المرسوم قد يكون نافعا كلفتة سياسية، ففي 23 نيسان/أبريل نشرت تقارير تحيي الذكرى الأولى لعملية الإعدام الجماعية لـ 37 رجلا، ثلاثة منهم كانوا قاصرين وقت اعتقالهم.
وقال الحاجي إن “الأمير المصلح” الذي أقنع قبل عامين “أوبرا وينفري وبيل غيتس تلطخت سمعته بسبب عملية الاغتيال التي أمرت بها الدولة للصحافي جمال خاشقجي، مع أن الشركاء الدوليين للسعودية لا يزالون يصدقون حملات العلاقات العامة”.
وأشار إلى أن ولي العهد وعد عام 2018 بتقليل استخدام أحكام الإعدام لكن العام الذي تلاه كان الأكثر دموية في الذاكرة الحية حيث تم إعدام 185 بشفرة السياف.
وأضاف أن محامي الدفاع في السعودية يتعلم قراءة ما بين السطور، فقبل عامين صدر قانون للأحداث أنهى من الناحية النظرية حكم الإعدام وقيد سجن الأحداث بعشرة أعوام.
ومن الناحية العملية سمحت الثغرات في القانون للمدعي المطالبة بأحكام الإعدام للأطفال وعبر إدانتهم ضمن قانون الحدود والقصاص في الشريعة الإسلامية.
ومع أن المرسوم الجديد لم يصدر بشكل رسمي، وهو أمر غريب لتحول كبير في القانون إلا أن نسخة غير رسمية وزعت عبر الإنترنت. ويمكن العثور على “الشيطان” في التفاصيل بالفقرة الأولى والتي يبدو أنها تحمي المتهمين الذين حكم عليهم بالإعدام بناء على التعزير.
ويعلق المحامي السعودي أن هذه ليس قضية قانونية مجردة، فهناك خمسة من الرجال يواجهون حكم الإعدام بدعوى جرائم ارتكبوها قبل عمر الـ 18 عاما، وكان عمر أصغرهم محمد الفراج 15 عاما عندما اعتقل عام 2017. وتحتوي لائحة التهم الموجهة إليه واحدة بدعم “جماعة إرهابية” لأنه شارك في جنازة عندما كان عمره تسعة أعوام.
وأكد الحاجي “لو كان حكام السعودية فعلا جادين في محو حكم الإعدام ضد الأطفال، فعليهم إلغاء الأحكام الصادرة على علي النمر وداوود مرهون وعبد الله الظاهر وغيرهم من القاصرين الذين ينتظرون الإعدام. ويجب على الادعاء التوقف عن طلب حكم الإعدام في حق تسعة أحداث”.
وختم: “وأقل من هذا فالمرسوم لن يكون سوى كلمات فارغة. ومن العار أن شركاء المملكة الدوليين يسهل خداعهم”.
وعوضا عن ذلك، تعتقل السلطات السعودية عشرات المعتقلين السياسيين والدعاة والأئمة إلى جانب أمراء من العائلة المالكة، كل ذلك بأوامر من ولى العهد الذي يستخدم قبضته الأمنية لتعزيز نفوذه وسلطته.
ووثقت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان اعتقال السلطات السعودية 87 امرأة منذ ولاية سلمان وابنه حكم المملكة (2015-2020).