تراجعت أسعار العقارات في المملكة عامة، ومدينتي الرياض وجدة خاصة، وسط توقعات بهزات اقتصادية طويلة ستصيب الاقتصاد في الدولة النفطية؛ وذلك بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط العام.
وأفاد تقرير متخصص بأن أسعار بيع العقارات، وكذلك الإيجارات السكنية والتجارية والإدارية في مدينتي الرياض وجده بالسعودية، تراجعت خلال الربع الأول من العام الجاري 2020.
وقال التقرير الصادر عن مؤسسة “جونز لانج لاسال” للأبحاث العالمية، إن متوسط أسعار الإيجارات بالوحدات السكنية في مدينة الرياض تراجع بنسبة 2%، كما انخفض متوسط أسعار البيع بنحو 6% على أساس سنوي.
وانخفض متوسط أسعار إيجارات الوحدات السكنية في مدينة جدة بنحو 5%، فيما تراجع متوسط أسعار البيع بنحو 7%. أما بالنسبة لقطاع المكاتب، فأشار التقرير إلى هبوط الإيجارات عبر مختلف فئات المساحة في الرياض بنسبة 1%، وفي جدة 5%.
وتوقع التقرير تأخر تسليم مشاريع الوحدات السكنية المرتقبة وتراجع الطلب، في ظل تداعيات كورونا وعدم وجود حزمة محفزات محددة لدعم القطاع السكني بالمملكة.
وكانت الحكومة تستهدف زيادة نسبة تملك المواطنين للمنازل إلى 60% بحلول العام الجاري و70% بحلول عام 2030، لكن “جونز لانج لاسال” رجحت تأخر تسليم المشاريع السكنية المرتقبة وكذلك التي يجري العمل على تنفيذها حالياً.
وبالنسبة لقطاع الفنادق، أشار التقرير إلى تأثره سلباً نتيجة القيود المفروضة على السفر، متوقعاً أن يستمر التباطؤ في أداء السياحة والضيافة، خلال العام الجاري، في ظل تعليق شعائر العمرة وحالة عدم اليقين التي تسيطر على موسم الحج الذي يبدأ في أواخر يوليو/ تموز المقبل، خاصة في مدينة جدة، والتي تعتبر مدينة عبور الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وفي الحادي عشر من مايو/ أيار الجاري، بدأ نظام آل سعود الإعلان عن إجراءات تقشفية “مؤلمة”، حيث قررت إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من يونيو/ حزيران المقبل، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها من 5% إلى 15% بدءاً من الأول من يوليو/ تموز.
كما ألغت الحكومة وأجلت بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي 2020، وفق بيان رسمي أوردته وكالة الأنباء السعودية “واس” في ذلك اليوم.
وزادت تداعيات كورونا من الصعوبات المالية الناجمة عن تهاوي عائدات النفط، لتلجأ الدولة إلى السحب من احتياطي النقد الأجنبي بشكل كبير وتقليص الاستثمارات في السندات الأميركية والاقتراض من السوق الدولية.
وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، أن السعودية، أكبر حائزي دول الخليج على السندات الأميركية، قلصت حيازتها بنحو 25.3 مليار دولار، لتهبط إلى 159.1 مليار دولار، مقابل 184.4 مليار دولار في نهاية فبراير/ شباط.
وخفضت المملكة استثماراتها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بنسبة 10.5%، بعد أن بلغت بنهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي 179.8 مليار دولار، فيما تراجعت على أساس سنوي بنسبة 6.4%، حيث سجلت في مارس/ آذار 2019 نحو 170 مليار دولار.
واقترضت الدولة في إبريل/ نيسان الماضي، 7 مليارات دولار من السوق الدولية بفائدة مرتفعة كثيراً عن باقي دول الخليج وبآجال وصلت إلى 40 عاماً لتنافس مصر، التي طرحت سندات على آجال بهذه المدة كأول دولة في المنطقة تزيد مدة الاستدانة إلى هذا الحد.
ويتزامن الاقتراض مع سحب كبير من الاحتياطي المالي، فقد أظهرت بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) الصادرة نهاية مارس/ آذار، تراجع الأصول الاحتياطية إلى497 مليار دولار بنهاية فبراير/ شباط 2020، بينما كانت تقدر بنحو 616 مليار دولار نهاية عام 2015.
وفي هذا السياق، قالت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، إن الشهر الذي هز الاقتصاد السعودي مجرد بداية لسجل طويل، مشيرة إلى أن العديد من نقاط القوة المكتشفة حديثا في المملكة تحولت فجأة إلى نقاط ضعف، بسبب تفشي الوباء وهبوط أسعار النفط خلال إبريل/ نيسان.
وتوقعت الوكالة في تقريرها أن ينكمش الاقتصاد السعودي غير النفطي للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عاما، بعد التضرر الكبير الذي لحق بالشركات جراء تداعيات كورونا وهبوط النفط.
وأوضحت أن وباء كورونا تسبب في دخول الاقتصاد السعودي دوامة الهبوط، لافتة إلى أن السعوديين يحاولون التأقلم مع واقع جديد قاس.
وأشارت إلى تبخر أحلام العديد من الشباب السعوديين بسبب تداعيات كورونا الاقتصادية، وتوقف خطط الشركات التوسعية بسبب التباطؤ الاقتصادي، وسط مخاوف من انهيار الشركات التي حصلت على قروض لدفع رواتب الموظفين حال عدم قدرتها على سداد تلك القروض مستقبلا.
وقال أحد أصحاب الشركات للوكالة، مفضلا عدم ذكر اسمه: “أعتقد أن الأمور أصبحت أسوأ بكثير الآن”. “لا أعتقد أننا سنعود إلى العمل لمدة عام على الأقل.”
واتخذت السعودية منعطفا حادا نحو التقشف في أيار/مايو ، وهي خطوة من المرجح ، بحسب الوكالة، أن تضغط على الاستهلاك لفترة طويلة بعد أن تتبدد صدمات هذا العام.
وقالت “بلومبيرغ” إن الشركات السعودية قبل أسابيع من تفشي وباء كورونا كانت قد بدأت للتو في التعافي من تداعيات صدمة أسعار النفط في 2014، وارتفعت معدلات إنفاق المستهلكين، قبل أن تفرض الحكومة حظر التجول كل مساء بعد الخامسة مساء للحد من تفشي الوباء، وتبدء الأزمة من جديد.
وأكدت أن القطاعات الرئيسية لخطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورؤية المملكة 2030، مثل قطاعات الترفيه والسياحة والرياضة، هي من بين الأكثر تضررا في القطاعات الاقتصادية السعودية.
ورجحت الوكالة الأمريكية، أن تجبر الأزمة الاقتصادية، المملكة على استبدال العمال الأجانب الذين يسيطرون على القطاع الخاص بالسعوديين.
وسبق أن أعلن “بن سلمان” في 2016م رؤيته للملكة (2030)، والتي تواجه صعوبات وتحديات جسيمة، فمدينة “نيوم” الذكية وحدها تحتاج 500 مليار دولار، ومن المقرّر أن تقام في شمال غرب البلاد لتطلّ على البحر الأحمر، وستضم سيارات تاكسي طائرة ورجالاً آليين، بحسب السلطات السعودية.
ويتداول نشطاء سعوديون في المملكة مقطع فيديو من مقابلة مع ولي العهد أجريت عام 2016 إبان إطلاق رؤيته، يقول فيها إنه بحلول عام 2020 ستكون السعودية قادرة على العيش بدون نفط.
لكن خبراء ألمانيون، يتوقعون انهيار، “رؤية 2030″، ومن هذه الأسباب: فيروس “كورونا” والانهيار التاريخي لأسعار النفط والحرب في اليمن والاحتقان داخل الأسرة الحاكمة، والصراع مع إيران، وقالوا إنها “تهدد بتبخر هذه الأحلام في سراب الصحراء”.