أثبت نظام آل سعود حدة قمعه وتعسفه بأي انتقاد من مواطن أو مسئول لسياساته وانتهاكاته حتى وصل به الأمر إلى عقاب مسئول محلي في إمارة جازان بسبب تغريدات مضى عليها ثمانية أعوام.
وكشفت مصادر إعلامية متطابقة أن سلطات آل سعود أعفت وكيل إمارة منطقة جازان “عبدالله المديميغ”، بعد تداول تغريدات قديمة منسوبة له تعود للعامين 2012 و2013.
وخلال اليومين الماضيين، تداول مغردون سعوديون في موقع “تويتر” صورا لتغريدات، قالوا إن “المديميغ” غرد بها في العام 2012، معتبرين أنها مسيئة للبلاد وتستوجب المحاسبة.
وكان لافتا أن بعض التغريدات التي تسببت في الهجوم على “المديميغ” تنتقد سياسات سلطات آل سعود وتوقيف السلطات المصرية عناصر جماعة “الإخوان المسلمون”.
وتم تعيين “عبدالله بن صالح علي المديميغ” في منصبه وكيلا لإمارة جازان بالوكالة في مارس/آذار 2018 بقرار إداري من أمير المنطقة “محمد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود”، قبل أن يتم تعيينه في المنصب بقرار حكومي صدر في أبريل/نيسان من العام الماضي.
وجاء قرار الإعفاء بعد يومين من الجدل الذي رافق إعفاء الشيخ صالح المغامسي من إمامة مسجد قباء، إثر تغريدة طالب فيها بإطلاق سراح المسجونين، “رفعا للبلاء وكشفا للوباء”، كما جاء في تغريدة الشيخ التي حذفها لاحقا؛ في إشارةٍ إلى تفشي وباء كورونا في المملكة.
وما إن انتشر خبر إعفاء المغامسي على تويتر، المنصة الأكثر استخداما في المملكة، في 29 مارس/آذار الجاري، حتى احتفت به حسابات عدة، وألصقت بالشيخ المُقال تُهمتَي “الأخونة” و”التصوّف”، فيما بدا أنه مسعى يبرر إعفاء الشيخ بسبب خلفيته الفكرية، لا بفعل كتابته تغريدة فُهم منها الرغبة في إطلاق سراح سجناء الرأي.
الحسابات ذاتها، رحبت بتعيين الشيخ سليمان الرحيلي خلفا للشيخ المغامسي، وأشادت بالخطوة التي اتخذها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد اللطيف آل الشيخ. في حين لم يُعرف الشيخ الرحيلي إلا من خلال تدريسه الجامعي، وظهوره المحدود على قنوات التلفزيون الدينية.
وعُرف الشيخ المغامسي على نطاق واسع -لأول مرة- حين ألقى كلمة الأهالي في الحفل الذي نظِّم احتفاء بزيارة الملك عبد الله للمدينة المنورة في 12 يوليو/تموز 2009.
آنذاك وقف الشيخ أمام الملك ليُشيد بإنشاء هيئة البيعة، ويرى فيها تحقيقا لمبدأ الشورى في الإسلام؛ كما ذهب في كلمته إلى مباركة الدعوة التي أطلقها الملك عبد الله لحوار الأديان، واعتبرها “انتصارا عظيما لشموخ الإسلام”.
أنزل قرار الإعفاء الشيخ المغامسي من منبر قباء الذي اعتلاه أكثر من 14 عاما، ولم تُفصح المصادر الرسمية عن أي سبب لذلك؛ لكن الملاحظ أن تغريدة المغامسي – التي يرجح أنها السبب في إعفائه- تزامنت مع حملة أطلقها ناشطون سعوديون على تويتر، طالبت بإخراج سلطات آل سعود المعتقلين السياسيين وسواهم، من السجون التي تظهر التقارير الحقوقية العالمية والصور المسربة من داخلها اكتظاظها بالنزلاء، وافتقارها مقومات الرعاية الصحية؛ مما قد يعني ارتفاعا كبيرا في حالات الإصابة بفيروس كورونا، إلى حد قد لا تستطيع السلطات الصحية السعودية احتواءه.
منظمة “القسط لدعم حقوق الإنسان”، التي تتخذ من لندن مقرا لها، أفادت في أحد تقاريرها عام 2017 بأن “الأمراض المعدية منتشرة داخل السجون السعودية”، وأنها وثقت حالات وفاة لأسباب مرضية لم تتخذ السلطات السعودية خطوات جادة للحيلولة دون تكررها؛ كما ذهب التقرير إلى أن عشرات السجناء كانوا يتشاركون فراش النوم الأرضي ذاته، وينامون في الممرات وبين أقسام سجن مكة العام.
وبعد انتشار وباء كورونا هذا العام، دعت المنظمة نفسها حكومة آل سعود إلى “إجراء تدقيق شامل للسجناء، وتقليل عدد نزلاء السجون عن طريق الإفراج الفوري عن المحتجزين والسجناء “الأقل خطورة”، بمن فيهم المدانون أو المحتجزون رهن المحاكمة بسبب الجرائم غير العنيفة، والمعتقلون الإداريون، وأولئك الذين لا مبرر لاحتجازهم المستمر”.
أُعفي الشيخ المغامسي من إمامة مسجد قباء، واعتُقِل شيخان آخران، هما خالد الشهري وإبراهيم الدويش، في اليوم ذاته، بسبب آرائهما؛ وهو ما يعيد إلى الأذهان حال حرية التعبير في المملكة، التي يقول تقرير “منظمة العفو الدولية” عام 2019 عنها إن “كل المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية خلف القضبان”.