دفعت القوانين والقرارات السعودية العنصرية، وانهيار الأوضاع الاقتصادية وانتشار الغلاء داخل المملكة، أكثر من مليون وافد أجنبي إلى المملكة للتفكير بالرحيل من المملكة.
وتوقعت تقارير سعودية أن يغادر نحو مليون و200 ألف عامل أجنبي يعملون في البلاد خلال عام 2020.
وقال تقرير لمؤسسة “جدوى للاستثمار” إنه من المتوقع أن يغادر سوق العمل والبلاد خلال 2020 ما يصل إلى مليون و200 ألف عامل أجنبي، وهو ما يعادل 9% تقريباً من حجم التوظيف في المملكة.
وعلى الرغم من مغادرة هذا العدد من الأجانب الذين يعملون في قطاعات مختلفة بالمملكة فإن معدلات البطالة بين السعوديين ستواصل على مستوياتها السابقة البالغة 12% بنهاية عام 2020.
لكن التقرير يرى أن بيئة الأعمال ربما “تتحسن بصفة عامة تدريجياً في النصف الثاني من العام الجاري، خاصة في الربع الأخير من العام.
وأشار التقرير، الذي نشرته وكالة “بلومبيرغ” البريطانية، إلى أن أكثر القطاعات تأثراً بمغادرة الأجانب، وتشهد خروجاً أعلى هي “الضيافة والمطاعم وخدمات الأغذية والأنشطة الإدارية والمساندة، التي تشمل خدمات المباني ووكالات السفر والإيجار والتأجير والأمن”.
وتقول شركة جدوى إنه “بينما يبدأ الاقتصاد في التعافي بنهاية العام الجاري، تذهب الاحتمالات إلى ارتفاع الطلب على سلع وخدمات معينة”.
ومن المحتمل أن يساهم هذا الارتفاع- مقترناً باستمرار الإجراءات الاحترازية المتعلقة بجائحة كورونا، التي ستحد من عدد التأشيرات الجديدة الممنوحة للأجانب- في توفير مزيد من الفرص للمواطنين السعوديين.
وكان استبدال العمالة الأجنبية بسعوديين هدفاً رسمياً لعقود، لكن نظام آل سعود لم يحرز سوى نجاح محدود في هذا الشأن.
وتتعرض العمالة الأجنبية في السعودية، وبشكل عام في الخليج، للمزيد من الضغوط، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط من جهة، وانتشار وباء كورونا الذي أضر باقتصاديات الدول، من جهة أخرى.
وقالت إيمان الحسين، وهي زميلة بمعهد دول الخليج العربي ومقره بواشنطن: “ثمّة شيئان تعتمد عليهما دول الخليج الاعتماد الأكبر؛ أسعار النفط والعمالة الأجنبية، وكلاهما قد تضرّرا بقسوة جرّاء فيروس كورونا.. أطلق الفيروس عنان كل هذه المشكلات التي كانت موضع تجاهل لزمنٍ طويل”.
وبالنسبة للكثيرين من بين العمالة الأجنبية الوافدة من بلدان عربية، تلك التي أرسَلَت إلى ديارها أكثر من 124 مليار دولار في عام 2017، فإن تداعيات فيروس كورونا قاتمة بوضوح.
وذكرت الحسين أن عشرات الآلاف من هؤلاء فقدوا وظائفهم خلال إجراءات الإغلاق التي فرضتها الحكومات، الأمر الذي تركهم يقتاتون حصصاً غذائية زهيدة، بينما يكافح ذووهم في غياب تحويلاتهم المالية. وأُصيب آخرون بالمرض بينما اجتاح فيروس كورونا مساكنهم المتواضعة للغاية والمُزدحمة بأسرّة في غُرفٍ مُشتركة.
ومع انخفاض أسعار النفط وغياب السياحة قد تضطر البلدان الخليجية المضيفة -التي تضم قرابة عُشر مُهاجري العالم- لإعادة النظر في علاقتها مع العمالة الأجنبية، وفق تقرير لصحيفة New York Times.
جدير بالذكر أنه في أنحاء البلدان الخليجية يذهب معظم الإنفاق إلى توظيف المواطنين في وظائف حكومية ثابتة ذات أجور مُرتفعة، وتقدّم بدورها شبكة أمان اجتماعي؛ إذ يعمل قرابة ثلثي إجمالي مواطني الخليج لحساب حكوماتهم، على الرغم من جهود الدولة لدفعهم إلى القطاع الخاص من خلال عرض امتيازات الشركات الخاصّة بغرض توظيف المواطنين الأصليين من جانب، وفرض ضرائب إضافية على المغتربين من جانب آخر.
وفضحت كمامة طبية تستخدم لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، النهج العنصري الذي غرسه نظام آل سعود في نفوس موطني المملكة بحق الوافدين إليها.
وأظهر مقطع فيديو جديد، أحد المواطنين السعوديين وهو يترجل من مركبته ويتجه نحو عامل آسيوي يقف أمام صراف آلي في محيط محطة وقود، ويعتدي عليه بالضرب؛ بسبب أن العامل يرتدي كمامة على شكل “شماغ”.
واعتبر المعتدي أن العامل الوافد أساء لموروث الشعب السعودي عند ارتدائه الزي الرسمي للمواطنين على هيئة كمامة للوجه.
وبذريعة مواجهة كورونا، أقرت وزارة الداخلية في المملكة، سلسلة أحكام وعقوبات بحق مخالفي الإجراءات والتدابير الوقائية المتخذة لمواجهة الفيروس، كلبس الكمامة في الأماكن العامة، والتقليل من التجمعات البشرية.
وبحسب وزارة الداخلية التي أقرت أربعة عشر حكما وعقوبة جديدة بحق الوافدين، فإن المخالفين أمامهم عقوبات قاسية.
والعقوبة الأولى: الأشخاص ذوي الصفة الطبيعية أو منشآت القطاع الخاص أو العاملين فيها أو المتعاملين معها، ممن يخالفون الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المتخذة من قبل الجهات المعنية لمواجهة جائحة كورونا، يفرض عليهم غرامة لا تقل عن (1,000) ألف ريال ولا تزيد على (100,000) مئة ألف ريال، أو السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة، أو بالسجن والغرامة معاً، مع إغلاق المنشأة لمدة لا تتجاوز ستة أشهر عند الاقتضاء.
وفي حال تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة، ويكون تحديد مقدار عقوبة كل مخالفة وفق جدول تصنيف يتضمن كل مخالفة وما يقابلها من عقوبة، ويتم إقراره من وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة.
العقوبة الثانية: يعاقب كل من استخدم التصريح أو الإذن الممنوح له للتنقل وقت منع التجول في غير ما خصص له، بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال ولا تزيد على (100,000) مئة ألف ريال، أو السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة، أو بالسجن والغرامة معاً، مع سحب التصريح أو إلغاء الإذن.
العقوبة الثالثة: يعاقب من يخالف تعليمات العزل أو الحجر الصحي، بغرامة لا تزيد على مئتي ألف ريال، أو السجن لمدة لا تزيد عن سنتين، أو بالسجن والغرامة معاً. وفي حالة تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة.
العقوبة الرابعة: يعاقب كل من تعمد نقل العدوى للآخرين، بغرامة لا تزيد على خمسمئة ألف ريال أو السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، أو بالسجن والغرامة معاً، وفي حال تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة.
العقوبة الخامسة: يعاقب كل من سهّل لمن لا تتطلب طبيعة عمله أو ظروفه الحصول على تصريح أو إذن للتنقل وقت منع التجوال، بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال ولا تزيد على مئة ألف ريال أو السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، أو بالسجن والغرامة معاً. وفي حال تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة.
العقوبة السادسة: يعاقب كل من بث شائعة حيال جائحة كورونا المستجد عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاته أو تداولها، أو نشر معلومات مغلوطة، من شأنها التسبب في إثارة الهلع، أو حرّض على مخالفة الإجراءات والتدابير ذات الصلة، بغرامة لا تقل عن مئة ألف ريال ولا تزيد على مليون ريال، أو السجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، أو بالسجن والغرامة معاً.
وفي حال تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة.
العقوبة السابعة: سابعاً: إذا كان المخالف لأي من البنود السابقة من المقيمين في المملكة، فيتم إبعاده عن المملكة، ومنع دخوله نهائياً إليها بعد تنفيذ العقوبة الموقعة في حقه.
العقوبة الثامنة: لا يُخل تطبيق العقوبات المنصوص عليها في البنود السابقة بأي عقوبة أخرى مقررة شرعاً أو نظاماً.
العقوبة التاسعة: توقع عقوبات الغرامة وإغلاق المنشأة والإبعاد، بقرار من وزير الداخلية – أو من يفوضه – ويتم الإعلان يومياً عن عدد العقوبات الموقعة في كل منطقة.
العقوبة العاشرة: في حال التوجه لتطبيق عقوبة السجن على أي من المخالفين، فيحال المخالف إلى النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم في شأنه نظاماً.
العقوبة الحادية عشر: يشكل وزير العدل لجنة – أو أكثر – من ثلاثة من المختصين الشرعيين والنظاميين، تتولى النظر في التظلمات من قرارات إيقاع عقوبة الغرامة أو عقوبة إغلاق المنشأة.
العقوبة الثانية عشـر: يجوز لمن صدر ضده قرار بإيقاع عقوبة الغرامة أو عقوبة إغلاق المنشأة؛ التظلم منه أمام اللجنة المشار إليها في البند (حادي عشر) أعلاه، وذلك خلال مدة لا تتجاوز (عشرة) أيام من تاريخ إبلاغه بالقرار، ويكون قرار اللجنة في هذا الشأن نهائياً، مكتسبًا صفة القطعيّة وغير قابل للطعن أمام أي جهة أخرى.
العقوبة الثالثة عشر: يكون تنفيذ عقوبة السجن – المشار إليها في البنود السابقة – بحق المخالفين بعد زوال الظروف الاستثنائية لجائحة فيروس كورونا المستجد.
العقوبة الرابعة عشـر: تتولى الجهات المشرفة على منشآت القطاع الخاص والجهة الأمنية المعنية – بحسب الأحوال – ضبط المخالفات المنصوص عليها في البنود السابقة وتحرير محضر بذلك، تمهيداً لإحالته إلى وزارة الداخلية لاتخاذ ما يلزم نظاماً في شأنه.
وتضاف العقوبات السابقة، لسلسلة عقوبات قديمة – على سبيل المثال لا الحصر – يعاني بعض العمال من الانتهاكات والاستغلال الذي يرقى أحيانا إلى مصاف العمل الجبري، ويربط نظام الكفالة تصاريح إقامة العمال الوافدين بصاحب العمل “الكفيل” الذي تعد موافقته المكتوبة ضرورية لتغيير العامل صاحب العمل أو الخروج من البلاد في الظروف العادية.
ويصادر بعض أصحاب العمل جوازات السفر، ولا يدفعون الأجور، ويجبرون المهاجرين على العمل ضد إرادتهم. كما تفرض المملكة أيضا تأشيرة خروج، ما يجبر العمال الوافدين على استصدار تصريح من صاحب العمل قبل مغادرة البلاد، وفي هذه الحالة، يمكن اتهام العامل الذي يترك صاحب العمل دون موافقته بـ”الهروب” ويواجه السجن والترحيل.
وفي 21 سبتمبر/أيلول 2019، شرعت سلطات آل سعود بحملة شملت اعتقال أكثر من 3.8 مليون وافدا، وأحالت أكثر من 962 ألف وافد إلى الترحيل.
وتقدر “المنظمة الدولية للهجرة” ما يصل إلى 500 ألف إثيوبي في المملكة عندما بدأت حملة الترحيلات. وأفادت المنظمة أنه بين نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ومارس/آذار 2019، تم ترحيل حوالي 500 ألف إثيوبي بمعدل 10 آلاف شخص أسبوعيا.
وفي سياق متصل، قالت إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان إن كهوفًا في مناطق نائية من العاصمة الرياض باتت ملجأ لعمال إثيوبيين هربًا من عمليات ترحيل قسري يهددهم بها نظام آل سعود بشكل جماعي في المملكة، رغم المخاطر الإنسانية والصحية التي تلاحقهم.
ووثقت مؤسسة الفكر ومقرها لندن، أوضاعًا مزرية يعانيها عشرات العمال الإثيوبيين وهم يخوضون معركة الهروب من عمليات الترحيل، ما يزيد أوضاعهم الإنسانية -المتدهورة أصلًا- سوءًا ويشكل خطرًا جسيمًا على حياتهم.
وقالت إمباكت إنها أطلعت على مقاطع مصورة توثق اختباء عمال أثيوبيين داخل الكهوف والتصدعات الجبلية الوعرة في مناطق مختلفة من الرياض مثل حي “المهدية” من حملات الملاحقة التي تشنها ضدهم الشرطة السعودية.
وأشارت إمباكت إلى أن ذلك يتم في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، الأمر الذي يعرض سلامة العمال للخطر الشديد في ظل افتقاد أدنى معايير السلامة والوقاية.
يأتي ذلك رغم تأكيد الأمم المتحدة في 14 أبريل الماضي أن ترحيل المملكة للعمال المهاجرين غير الشرعيين إلى إثيوبيا يهدد بانتشار فيروس كورونا المستجد، وحثت الرياض على وقف الإجراء في الوقت الراهن.
وقالت وزيرة الصحة الإثيوبية “ليا تاديسي”، إن بعض العمال المهاجرين الذين جرى ترحيلهم من الممكلة تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا، لكنها لم تكشف عن إحصاء دقيق.
وأظهرت مذكرة داخلية للأمم المتحدة أن المملكة من المتوقع أن ترحل إجمالي 200 ألف مهاجر إثيوبي.
وتبقى المملكة إحدى الدول القليلة التي لم تصدق على المعاهدات الدولية الرئيسة المتعلقة باحتجاز المهاجرين، بينما يبقى الخط الفاصل بين احتجاز المهاجرين والسجن في المملكة غير واضح، كما لا يتم السماح للمنظمات الحقوقية بفحص أوضاع المهاجرين المحتجزين داخل السجون أو في مراكز الترحيل.