قالت صحف غربية إن هناك مشهدا غير معهودا لسعوديين يتحدثون علنا عن الانقسامات العميقة داخل العائلة الملكية، وذلك في إشارة لما اعتبرته “تحركات نوعية” من عائلات معتقلي الرأي والناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين في سجون المملكة في واشنطن.
وأضافت أن الكثير من ممثلي عائلات معتقلي الرأي وحلفائها تواصلوا الأسابيع الماضية، مع محامين ومستشارين في العاصمة الأمريكية، بخصوص تنظيم “حملات” قانونية وأخرى للعلاقات العامة، من أجل وضع حد للاضطهاد السياسي في المملكة.
ووقع أحدهم مساعد سابق للأمير “سلمان بن عبدالعزيز بن سلمان آل سعود”، يوم الجمعة 15 مايو/أيار 2020، اتفاقية بقيمة 2 مليون دولار للاستعانة بخدمات “روبرت سترايك”Robert Stryk، وهي إحدى شركات الضغط في واشنطن ذات الصلة الوثيقة بدوائر السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، من أجل “مناصرة الإفراج” عن الأمير المعتقل، حسبما أوردت صحيفة “نيويورك تايمز“.
ووصلت هذه الجهود إلى حد بعث عائلات المعتقلين رسالة جماعية إلى الرئيس التنفيذي للدوري الممتاز لكرة القدم “بريميرليج”، “ريتشارد ماسترز”، بضرورة عدم السماح لـ”صندوق الاستثمارات العامة” (حكومي ويشرف عليه ولي العهد بن سلمان) بالمضي قدما في عملية الاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنجليزي، بينما يقبع أحبابهم في سجون بالمملكة.
ويعزو مراقبون “التطور النوعي” لتحركات عائلات المعتقلين الأخيرة، باعتبار أن المسؤول الاستخباراتي السابق سعد الجبري هو “المتغير الخفي” الذي يقف وراء ذلك، بما يشير إلى وجود “تأثير تنظيمي داعم” قد يعود إلى ضابط الاستخبارات المقيم في كندا، بعد أن فر إليها من المملكة قبل 3 أعوام.
فقبل مارس/آذار الماضي، لم يكن فرار “الجبري” من المملكة قد تصدر اهتمام وسائل الإعلام الغربية بعد، لكن ضغط سلطات المملكة عليه عبر اعتقال نجليه سلط الضوء على حالته، وبالتزامن مع ذلك شهد نشاط المعارضين السعوديين، خاصة ذوي المعتقلين منهم، التطور سالف الذكر.
و”المتغير الخفي” نظرية فيزيائية بالأساس يطرحها بعض العلماء ليفسروا الطبيعة الإحصائية الاحتمالية لميكانيك الكم، فيما وجدها عدد من متابعي الشأن السعودي صالحة لتفسير تطور الحالة التنظيمية لذوي المعتقلين السعوديين بالخارج، في ظل خبرة “الجبري” وعلاقاته السابقة بوكالات الاستخبارات الأمريكية من جانب، وما يملكه من أوراق ووثائق يمكن أن يمثل تحرك ذوي المعتقلين جماعيا لكشفها عامل ضغط كبير على سلطة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
بعض هذه الأوراق يمس “بن سلمان”، بل ووالده العاهل سلمان بن عبدالعزيز شخصيا، إضافة إلى ولي العهد السابق محمد بن نايف، الذي عمل “الجبري” مساعدا له لسنوات طويلة، وربما مثل وصول بعضها إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي ورقة الضغط الأقوى مستقبلا.
وأشار “بروس ريدل” المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA والزميل حاليا بمعهد بروكينجز، إلى ما تمثله وثائق وزارة الداخلية السعودية وجهاز رقابتها، واصفا إياها بأنها “كنز من المعلومات والأسرار حول نشاطات أعضاء في العائلة المالكة وأسرارهم وفسادهم ومؤامراتهم وجرائمهم”.
ومن المرجح أن “الجبري” لديه بعض من هذه الوثائق وهو ما علق عليه “ريدل” بقوله: “ملفاتهم (الأمراء) هي كاتالوج لكل حادث لا يحبون نشره من نشاطات غير قانونية إلى أمور محرجة”.
وإزاء ذلك، فإن إرسال 4 نواب من مجلس الشيوخ الأمريكي، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، رسالة إلى الرئيس “دونالد ترامب”، في 9 يوليو/تموز، يطالبونه فيها بالضغط على المملكة للإفراج عن “عمر” و”سارة”، نجلي “الجبري”، يقدم مؤشرا على مدى ما تمثله أوراق الضغط سالفة الذكر من خطورة لدى نظام “بن سلمان”.
ويأمل حلفاء السعوديين، الذين سجنهم ولي العهد وممثلوهم في واشنطن في استغلال الوضع السياسي والاقتصادي الحالي للضغط عليه من خلال مزيج من الضغط وجهود العلاقات العامة، لتسليط الضوء على مخاوف حقوق الإنسان والإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها في المحاكم الدولية.
وفي هذا الإطار، جاء تخطيط مجموعة من المعتقلين السعوديين البارزين وحلفاؤهم للدفع بقضاياهم في واشنطن، بما في ذلك الاستعانة بخدمات شركات الضغط، لها صلات بمحيط “ترامب”، وذلك بعدما استنتجوا أنهم من غير المحتمل أن يحصلوا على حرية ذويهم بالتماس ذلك من حكومتهم مباشرة.
وفي الإطار ذاته، يقرأ عديد المحللين تلك الاستغاثات التي صدرت عن حسابات بعض الأمراء والأميرات المعتقلين، وعلى رأسهم الأميرة “بسمة بنت سعود”، ابنة ملك السعودية الثاني “سعود بن عبدالعزيز”، التي نشرت مناشدة للإفراج عنها عبر “تويتر”، بينما تواصل ممثلوها سراً مع محامين ومستشارين في واشنطن ولندن في مايو/أيار الماضي بهدف حشد الدعم لقضيتها.
و”الجبري” خبير في “الذكاء الاصطناعي” إلى جانب خبرته الاستخباراتية، وهو ما أهله للعب أدوار رئيسية في معركة السعودية ضد تنظيم القاعدة وفي تنسيقها الأمني مع الولايات المتحدة، ومن هنا كانت علاقاته الوثيقة مع مسؤولي الاستخبارات الأمريكية.
كما يعود الفضل إلى “الجبري” في اكتشاف مؤامرة الطرود المفخخة التي كانت تستهدف الولايات المتحدة عام 2010، ويعد ممن قدم مساعدات لا تقدر بثمن للغرب، ولذا فليس مستبعدا توفير الحماية له من أجهزة غربية، باعتباره حامل أسرار العائلة السعودية الحاكمة، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.
وكان “الجبري” قد أعفي من منصبه في 10 سبتمبر/أيلول 2015، بناء على رغبة “بن سلمان”، ووشاية من ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” بأنه على علاقة بجماعة “الإخوان”، ورموز الصحوة الإسلامية بالمملكة، لكنه بقي لمدة عامين مستشارا لولي العهد “محمد بن نايف”.
وإذا كانت المعلومات لا تقدم يقينا عن دور له في تنظيم فعاليات ذوي المعتقلين السعوديين بالخارج، فإن مواقف نواب الكونجرس الأمريكي الأخيرة من سلطة “بن سلمان” تقدم مؤشرا على تأثيره النافذ على الأقل، بما يعني أن “لعبة عض أصابع” تجري حاليا بين ورقة “النجلين المعتقلين” في الرياض وورقة “كنز الأسرار” في واشنطن. والخاسر فيها من يتألم أولا.