تصاعدت ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية في الساعات الأخيرة على نظام آل سعود لوقف حرب النفط التي أشعلها ولي العهد محمد بن سلمان.
وصرح العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ الأميركي دان سوليفان إنه يعمل مع السيناتور كيفن كريمر على مشروع قانون يُرتقب أن يحظى بتأييد المجلس، ينص على سحب جميع القوات الأميركية وأنظمة الدفاع الصاروخية من المملكة، ما لم تقم الرياض بدور بنّاء في إعادة الاستقرار لأسواق النفط.
وأضاف سوليفان -في تصريح لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية- أن السعوديين إذا لم يتحركوا، فإن العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن والرياض ستتغير، وأن الخيار يعود للمملكة.
وتخوض المملكة وروسيا حربا على أسعار النفط منذ 3 أسابيع، عقب تفكك تحالف “أوبك+” لخفض الإنتاج، أعقبه إعلان الرياض زيادة ضخ الإنتاج لمتوسط 13 مليون برميل يوميا بحلول مايو/أيار المقبل، مقابل 9.8 ملايين برميل يوميا في فبراير/شباط الماضي.
من جهته قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن حرب الأسعار بين المملكة وروسيا أدت إلى فائض كبير في كميات النفط، وهبوط شديد في الأسعار.
وأضاف ترامب أنه اتصل هاتفيا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبن سلمان، وأنه سيتدخل شخصيا في الوقت المناسب.
وكانت وكالة رويترز للأنباء كشفت في وقت سابق أن كبار المسؤولين الأميركيين جمّدوا في الوقت الحالي مقترحا كان يجري بحثه داخل البيت الأبيض، لإقامة تحالف أميركي سعودي لإدارة سوق النفط العالمية.
ونقلت رويترز عن ثلاثة مصادر أميركية مطلعة، أن فكرة بديل “أميركي سعودي” لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، هي من أفكار مستشاري الأمن القومي في الإدارة الأميركية.
وقالت المصادر إن وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الطاقة دان برويليت، بحثا فكرة التحالف البديل لأوبك مع مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب، لكنْ لم يتقرر أي شيء.
يشار إلى أن ستة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي -من بينهم دان سليفان- كانوا قد اتهموا في 27 مارس/آذار الماضي، السعودية وروسيا بشن حرب على الولايات المتحدة عبر النفط.
وقال الأعضاء الجمهوريون -في رسالة وجهوها إلى وزير الخارجية الأميركي- إن المملكة اختارت توقيت انتشار وباء كورونا والأزمة الاقتصادية لتصفية الحسابات في سوق النفط، مؤكدين أن دوافع السعودية قد تكون متعددة، تشمل معاقبة موسكو، وزعزعة استقرار استثمارات طويلة الأجل في أميركا.
وجاءت الرسالة في وقت رفعت فيه المملكة إنتاجها بهدف إغراق أسواق الخام، وذلك عقب رفض روسيا الانضمام إلى اتفاق مع دول أوبك لخفض إمدادات النفط ودفع أسعارها للارتفاع، وذلك في ظل ضعف الطلب العالمي الناتج عن تداعيات وباء كورونا.
وفي السياق قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية نقلا عن مصادر لم تسمها، إن ترامب” يعتزم الاجتماع بالمسؤولين التنفيذيين لشركات النفط يوم الجمعة، لبحث تقديم مساعدة محتملة للقطاع، تشمل إمكانية فرض رسوم على واردات الخام من المملكة.
وأضافت الصحيفة أن الاجتماع سيعقد في البيت الأبيض وسيحضره ممثلون عن إكسون موبيل وشيفرون وأوكسيدنتال بتروليوم.
ونزلت أسعار النفط نحو 70% من ذروة مسجلة في يناير/كانون الثاني، بسبب تراجع الطلب الناجم عن إجراءات العزل العام الرامية لاحتواء فيروس كورونا، وإغراق المملكة وروسيا للسوق في سباق من أجل الحصص السوقية بعد انهيار اتفاقهما لكبح الإمدادات.
ويبدي المشرعون الأمريكيون تشددا، حيث لوحوا بإجراء تشريعي إذا لم تخفض الرياض إنتاج النفط طوعا.
وزادت المملكة -أكبر مُصدر نفط في العالم- صادراتها النفطية مؤخرا إلى معدلات قياسية، رغم تهاوي أسعار الخام عالميا.
ونقلت “رويترز” عن مصدرين في قطاع النفط أن إمدادات المملكة من الخام ارتفعت الأربعاء، إلى مستوى قياسي يتجاوز 12 مليون برميل يوميا، وذلك رغم تهاوي الطلب جراء تفشي فيروس كورونا وضغوط أمريكية على المملكة للتوقف عن إغراق السوق.
وانتهى الثلاثاء، أجل اتفاق لخفض الإمدادات العالمية، مما أزال قيودا على إنتاج أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا ومنتجين آخرين.
وقالت شركة “أرامكو” في بيان أمس الأربعاء، إنها سجلت أرقاما قياسية في تحميل 15 ناقلة نفط بأكثر من 18.8 ملايين برميل.
وفي السياق، أجرى وزير الطاقة الأمريكي “دان برويليت”، مع نظيره الروسي “ألكسندر نوفاك” الأربعاء، محادثات بالهاتف عن تدهور الأسعار واتفقا على إجراء مباحثات في المستقبل بمشاركة غيرهم من كبار منتجي ومستهلكي النفط في العالم.
جاء الاتصال بعد يوم من اتفاق “ترامب” ونظيره الروسي “فلاديمير بوتين” في مكالمة هاتفية على أن يناقش الوزيران الاضطراب الحاصل في أسواق النفط العالمية.
ونزل النفط يوم الأربعاء، صوب 25 دولارا للبرميل بعدما لامس أدنى مستوى له في 18 عاما.
ورغم التعاون الجاري حالياً بين الولايات المتحدة وروسيا لإنقاذ أسواق النفط، إلا أن الأسعار تواصل الانخفاض، وتراجع السعر المؤشري لخام برنت، الأكثر مبيعاً في الأسواق بنحو 0.89 سنت إلى 25.46 دولاراً في تعاملات الظهيرة، أمس، بلندن، حسب مؤشرات نشرة “أويل برايس” الأميركية.
وحتى الآن استبعدت كل من واشنطن وموسكو في محادثتهما المشتركة السعودية، التي أغرقت السوق بالنفط، ويرى العديد من رجال الصناعة النفطية في أميركا أن الرياض فاقمت عبر خطتها رفع الإنتاج إلى 13 مليون برميل يومياً، من انهيار السوق وتسببت في أزمة الصناعة النفطية في أميركا، في وقت يضرب فيه الفيروس “كوفيد 19” حركة التجارة والصناعة في أنحاء العالم.
وتتخوف الولايات المتحدة من تداعيات انهيار أسعار النفط على أسواق المال الأميركية وتدفقات البترودولار في المراكز المالية الغربية وسوق السندات الحكومية، كما يتخوف ترامب شخصياً على مستقبله السياسي. وفي المقابل، فإن الاقتصاد الروسي يعتمد على مبيعات النفط والغاز في هذا الوقت الدقيق الذي يمر به الطلب العالمي.
ويبدو أن بوتين حرص على استبعاد السعودية من المفاوضات النفطية الجارية مع واشنطن حالياً، لأنها فتحت له نافذة مع واشنطن، ربما يرغب في استغلالها لإجراء مقايضات في العديد من القضايا السياسية معها في وقت يخضع فيه ترامب لضغوط اللوبي النفطي في ولايات مهمة لرئاسته الثانية.
وقالت وزارة الطاقة الروسية، أمس الأربعاء، إن الوزير ألكسندر نوفاك بحث مع وزير الطاقة الأميركي دان برويليت، عبر الهاتف، التعاون المشترك.
وأكد الوزيران على أن انخفاض الطلب وفائض الإمدادات في سوق النفط يشكلان مخاطر في الأجل الطويل. وقالت الوزارة إن الوزيرين سلطا الضوء على “الحاجة للتعامل على نحو بناء مع التحديات القائمة والحاجة لمواصلة الحوار”.
وفي الشأن ذاته، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس، إن روسيا والسعودية لا تجريان محادثات بشأن سوق النفط في الوقت الراهن، وإن بوتين لا ينوي بشكل فوري الحديث هاتفياً مع القيادة السعودية. وأضاف بيسكوف أن تلك المحادثات قد يجري الإعداد لها سريعاً إذا اقتضت الضرورة.
وتتخوف الولايات المتحدة من أن تقود دورة انهيار الأسعار الحالية إلى أزمة نفطية على المدى الطويل، حيث خفضت الشركات النفطية الاستثمار في الكشوفات والإنتاج بنحو 100 مليار دولار منذ بداية العام الجاري، حسب بيانات شركة “رايستاد إنيرجي” النرويجية المتخصصة في أبحاث الطاقة. وهو ما يعني أن العالم قد يواجه بعد سنوات أزمة نفطية حينما تنتهي تداعيات الفيروس ويعود العالم بعد سنوات إلى دورة انتعاش طبيعي.
وتسعى كل من واشنطن وموسكو لإيقاف دورة الانهيار الحالية التي تجمد الطلب النفطي. وبينما تخطط أميركا لاستئجار مساحات تخزين للنفط المنتج من الآبار الأميركية، يقول خبراء في الصناعة النفطية الأميركية إن أسعار النفط الحالية لا تغطي كلف الإنتاج وبالتالي اختفى الهامش الربحي المتحقق من تشغيل الآبار ولا داعي للإنتاج.
في هذا الشأن، يقول نائب الرئيس بشركة “وود ماكينزي” الأميركية المتخصصة في أبحاث النفط فريزر ماكاي، لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن “قدرة الصناعة النفطية على الاحتفاظ بتشغيل آبار النفط عالية الكلفة تواجه الاختبار حالياً، والعديد من الشركات تغلق آبارها”. وأضاف ماكاي أن “حجم إغلاق الآبار في أميركا في الوقت الراهن غير معقول ويمثل سابقة تاريخية”.
ويبدو أن السوق النفطية تعيش في الوقت الراهن مرحلة دمار كامل للطلب العالمي بسبب “كوفيد 19” وبسبب إغراق أرامكو للسوق بالبراميل التي لا تجد مشترين. ويرى محللون أن السوق ربما تجاوزت مرحلة الترميم عبر اتفاقات لخفض الإنتاج بين “أوبك +”.
ويقول محللون في شركة “أي أتش ماركت”، إن الطلب العالمي على النفط ربما سينخفض بمقدار 14 مليون برميل يومياً خلال الربع الثاني من 2020. وهذا الرقم أكبر من معدل الاستهلاك اليومي في الصين، حينما كان اقتصادها ينمو بمعدلاته القصوى.
في المقابل، يتوقع خبراء آخرون أن الطلب العالمي على النفط ربما سيتراجع بكميات تراوح بين 15 و22 مليون برميل يومياً خلال شهر إبريل/ نيسان الجاري.
ويقول مصرف “غولدمان ساكس”، في مذكرة، إن نحو 20 مليون برميل يومياً ستذهب إلى الخزانات خلال الشهر الجاري. وهذه الأرقام تعني عملياً أن أي عملية لخفض الإنتاج لن تكون ذات جدوى لرفع أسعار النفط.
واعتمدت أسعار النفط في ثباتها فوق 20 دولاراً خلال الشهر الماضي على مشتريات التخزين التي نفذها بعض التجار والشركات على أمل التربح حينما تنتهي دورة كساد الطلب. ولكن حتى الخزانات التجارية والسفن العائمة قاربت على الامتلاء.
في هذا الشأن، يقول الخبير أنتوني هالف، من شركة “كايروس” الأميركية المتخصصة في أبحاث النفط: “لأول مرة في التاريخ نرى أن السوق لا يجد مكاناً لتخزين النفط”.
ويقول خبراء في تعليقات لصحيفة نيويورك تايمز، إن خزانات النفط الكبرى في تكساس وإيطاليا باتت ممتلئة، وهنالك نحو 80 حاوية نفطية ضخمة عائمة في البحار على شواطئ أميركا واسكتلندا وسنغافورة تحمل شحنات نفطية ولا تدري إلى أين تتجه.
من جانبه، يقول الخبير بول سانكي، المدير التنفيذي لشركة ميزهو سكيوريتز الأميركية، إن “المصافي حالياً لا ترغب في شراء النفط، لأنه ببساطة لا توجد سوق للوقود”.
ويبدو أن الحل الوحيد المتوفر لدى شركات النفط عالي الكلفة في أميركا والعديد من دول العالم هو إغلاق الآبار النفطية، وإن كانت عمليات الإغلاق مكلفة وتقود في بعض الأحيان إلى تدمير عمليات الإنتاج لدى إعادة فتحها.
وتعقد العديد من شركات النفط الصخري آمالها على السيطرة على وباء فيروس “كوفيد 19” الذي يجمد حركة النقل والمواصلات والطائرات والشاحنات عدا القليل الذي يحمل المواد الغذائية.
وأدى ذلك إلى تراجع سعر غالون الوقود في الولايات المتحدة إلى أقل من دولارين، لكن محطات الوقود خالية من السيارات والناس مسجونين في منازلهم. وفي المكسيك وبعض دول أوروبا أغلقت المصافي بالكامل.
وتشير بيانات شركة “بيكر هيوز” الأميركية، التي ترصد عمليات آبار النفط في أميركا، إلى أن 44 حقلاً أغلقت في العام الماضي في أميركا، لينخفض عدد الآبار النفطية العاملة إلى 728 حقلاً.
وفي الولاية النفطية الأكبر بالولايات المتحدة، تكساس، انخفض عدد آبار النفط من 491 حقلاً إلى 369، حسب بيانات بيكر هيوز.