تواصل سلطات آل سعود اعتقال ناشطات في مجال حقوق المرأة, في الوقت الذي تقرر فيه المملكة تعديلات بشأن تحسين وضع المرأة مثل السماح لها بقيادة السيارة والسفر دون إذن ولي الأمر.
ونشرت صحيفة نيوزويك الأمريكية مقالا قالت فيه إن سماح نظام آل سعود للنساء بالسفر دون الحاجة إلى إذن ولي الامر في الوقت الذي تقبع فيه ناشطات طالبن بتلك الحقوق في السجون، يشي بانفصام في سياسة المملكة.
وأشار كاتب المقال الصحفي أنثوني هاروود إلى أن الخطوة تأتي في إطار مساعي ولي العهد محمد بن سلمان الرامية إلى جلب الاستثمارات الأجنبية وتقديم نفسه للعالم بصفته مصلحا يسعى لمحاربة الفكر الوهابي ووضع المجتمع السعودي على درب الحداثة.
وأعلنت المملكة تعديلات على القوانين المتعلقة بالمرأة الأسبوع الماضي تسمح للنساء فوق سن الـ21 بالسفر دون الحاجة إلى إذن ولي الأمر ضمن تعديلات أخرى على قوانين تحد من حرية المرأة.
ووفقا للكاتب فإن التعديل الذي يأتي بعد عام من السماح للنساء بقيادة السيارة، جاء في وقت تتعرض فيه خمس ناشطات حقوقيات -ممن قدن حملات للمطالبة بتلك الإصلاحات- للسجن والتعذيب وسوء المعاملة منذ ما يربو على العام، مما يشير إلى إصابة واضع تلك السياسات بمرض انفصام الشخصية.
وقال إن الناشطة السعودية لجين الهذلول التي اعتقلت إثر نشرها فيديو على حسابها في موقع تويتر وهي تقود سيارتها قبل ثلاثة أشهر من صدور القرار الذي يسمح للنساء بقيادة السيارات لا تزال تقبع خلف القضبان ولا يسمح لها بالتواصل مع متابعيها الذين يتجاوز عددهم ثلاثمئة ألف شخص.
واعتبر أن لجين لو كانت حرة الآن لعرت حقيقة الإصلاحات المزعومة دون شك ولن ترى فيها سوى حملة علاقات عامة للتغطية على انتهاكات أعمق لحقوق الإنسان يمارسها نظام بن سلمان.
وأشار إلى أن جهود بن سلمان لتقديم نفسه حاكما إصلاحيا للمملكة باءت بالفشل، في ظل السمعة السيئة التي اكتسبها إثر القتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي والحرب في اليمن والقصص المتكررة لهروب القاصرات السعوديات.
وأرجع هاروود حساسية نظام آل سعود من الانتقادات المتعلقة بسجل المملكة في مجال الحقوق والحريات إلى عمل بن سلمان على أن يرسخ لنفسه صورة المصلح الذي لم ينجح في تسويقها حتى الآن.
وقال إن تلك الحساسية تفسر رد فعل المملكة المبالغ فيه على دعوة رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو إلى إطلاق سراح سما البدوي الناشطة في مجال حقوق الإنسان التي ما زالت رهينة السجن حتى الآن، حيث شمل رد نظام آل سعود طرد الدبلوماسيين وسحب الاستثمارات السعودية وإيقاف الصفقات التجارية وإلغاء الرحلات الجوية ضمن إجراءات أخرى.
وأضاف أن التعديلات التي أعلنت عنها المملكة حتى الآن على القوانين المجحفة بحق المرأة لا تلبي طموح الناشطات مثل لجين الهذلول وزميلاتها في السجن اللائي يطالبن بتعديل جميع قوانين الوصاية وليس فقط جزءا بسيطا منها.
ولم تكتف السلطات باعتقال الهذلول ورفيقاتها، بل جنّدت الإعلام للتشهير بـ 47 امرأة ناشطة ما زلن حتى اللحظة في سجون آل سعود.
أما خارج السجن فقد أصبحن يُتهمن بـ “خيانة” الوطن و”العمالة” و”التجسس”، وهناك توقعات بأن لا يقلّ الحكم على كثير منهن عن عشرين عاماً.
وتناقلت التقارير الحقوقية، تعرّض لجين وزميلاتها أثناء الاحتجاز إلى التعذيب, بواسطة الصعقات الكهربائية، الجلد، ومضايقات جنسية تتمثّل في العناق والتقبيل القسري أثناء الاستجواب، وفقاً لتقرير سابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”.
كلّ هذا إلى جانب عنف جسدي ولفظي ونفسي من شتّى الأشكال، ووفقاً لشهادة لجين، فقد استجوبها المسؤولون السعوديون وهدّدها أحدهم باغتصابها، وقام المسؤولون بتعذيبها بانتظام وبشكل منهجي في موقع في جدة يسمى “الفندق”، والذي وصفته لعائلتها بأنه “قصر الإرهاب”.
وبعد عشرة أشهر من التعذيب, بدأت في شهر مارس 2019 الماضي, محاكمة الناشطة الهذلول إلى جانب عدد من الناشطات المدافعات عن حقوق النساء, وُجّهت إليهن تهم، ليس لأنهن خائنات للوطن كما يروّج إعلام آل سعود ومحمد بن سلمان نفسه.
وفي حين تمّ إطلاق سراح بعض الناشطات، ما تزال لجين وغيرها في السجن، ويجري تأخير النظر في قضاياهن أمام المحكمة إلى أجل غير مسمى، بينما يتعرّضن إلى التنكيل بهن جسدياً ونفسياً، ونذكر هنا تعليق الكاتبة مضاوي الرشيد الساخر حين قالت “السعودية تساوي بين الرجال والنساء في التعذيب”، وكانت تعلّق على ما تعرّضت إليه الهذلول.