تراجع صادرات نفط المملكة للولايات المتحدة بمستويات قياسية
تراجعت صادرات النفط السعودية نحو الولايات المتحدة الأميركية بمستويات قياسية منذ بداية العام 2020، وشهدت تراجعا ملحوظا مع تفشي فيروس كورونا وحرب أسعار النفط العام.
وأفاد وكالة بلومبيرغ بأن شحنة نفط سعودية واحدة فقط أبحرت باتجاه الشواطئ الأميركية هذا الشهر يونيو/ حزيران، وأن توقعات المراقبين تشير إلى استمرار انخفاض صادرات الخام السعودي إلى الولايات المتحدة بمستويات قياسية، بعد أن تم “إغراق” السوق الأميركي وإرباكه في وقت سابق.
وقالت الوكالة في تقرير للكاتبين برايان وينغفيلد وخافيير بلاس إن المملكة التي أغرقت الولايات المتحدة بالنفط الخام في وقت سابق من هذا العام، خفّضت صادراتها إلى السوق الأميركية بشكل غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة.
وبحسب المعطيات صدّرت المملكة شحنة نفط واحدة فقط إلى الولايات المتحدة منذ مطلع يونيو/حزيران الجاري، أي ما يعادل 133 ألف برميل في اليوم، بينما كان المعدل خلال أبريل/نيسان الماضي حوالي 1.3 مليون برميل يوميا عندما غمرت الرياض السوق العالمية أثناء حرب الأسعار التي خاضتها ضد روسيا.
وأضافت أنه إذا استمر انخفاض وتيرة الصادرات في النصف الثاني من الشهر الحالي، فيحتمل أن تبلغ واردات الولايات المتحدة من النفط الخام السعودي أدنى مستوى لها في 35 عاما، مما يساعد سوق الخام الأميركي على استعادة توازنه وفقا للمنتجين والمحللين.
وينقل التقرير عن كبيرة المحللين في شركة “إنرجي أسبكتس” للاستشارات أمريتا سين قولها إن “شحنات النفط السعودي ستنخفض مع بدء المصافي المحلية في رفع معدلات الإنتاج واستمرار انخفاض الإنتاج المحلي، لذلك ستضطر المصافي الأميركية إلى الاستيراد من مكان آخر والتخلص تدريجيا من المخزون”.
وذكر الكاتبان في تقريرهما أن عدد الناقلات السعودية المتجهة إلى الولايات المتحدة قد يرتفع بشكل طفيف بعد أن استعاد السوق الأميركي توازنه، وتراجعت حدة الإرباك الذي تسببت فيه عملية الإغراق أثناء حرب الأسعار.
ودفعت السياسة النفطية السعودية في أبريل/نيسان الماضي عددا من المسؤولين الأميركيين إلى التعبير عن استيائهم بشكل علني، حيث نشر السيناتور تيد كروز تغريدة قال فيها “رسالتي إلى السعوديين: غيروا اتجاه ناقلات الجحيم”.
وعن سياسة المملكة في الفترة القادمة، نقل تقرير بلومبيرغ عن مسؤولين سعوديين قولهم إنه من غير المرجح أن تزيد المملكة من معدل الشحنات إلى الولايات المتحدة في النصف الثاني من الشهر الحالي وحتى يوليو/تموز المقبل.
ويعتبر الكاتبان أن هذا التوجه السعودي الجديد بخفض صادرات الخام إلى الولايات المتحدة، سيترك آثاره على سوق النفط الأميركي، إذ يُنتظر أن ينخفض مخزون الخام في الولايات المتحدة وهو ما سيؤثر بدوره على الأسعار.
وأكد الكاتبان أن عملية الإغراق التي حدثت في وقت سابق من هذا العام كانت أحد تداعيات حرب أسعار النفط التي اندلعت بين المملكة وروسيا.
وتوضح الأرقام الرسمية الأميركية أن شحنات الخام السعودية إلى الولايات المتحدة كانت منخفضة نسبيا خلال العام 2019 وأوائل 2020، أي بمعدل 475 ألف برميل يوميا، لكن الصادرات شهدت طفرة مفاجئة في أبريل/نيسان الماضي عندما فشلت الرياض في التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج مع شركائها في “أوبك بلس”.
وحسب تقرير بلومبيرغ فإن تأثير “فيضان” النفط السعودي لم يكن ملموسا حتى أواخر مايو/أيار الماضي وأوائل يونيو/حزيران الحالي، لأن الشحنات القادمة من المملكة تستغرق حوالي 45 يوما للوصول إلى خليج المكسيك والساحل الغربي للولايات المتحدة.
وقفزت واردات الولايات المتحدة من الخام السعودي إلى حوالي 1.5 مليون برميل في اليوم مع وصول الناقلات السعودية وتفريغ حمولاتها، وارتفعت مخزونات الخام الأميركية إلى مستوى قياسي، مما ولد ضغطا هائلا.
وأشار الكاتبان إلى أن انتشار فيروس كورونا لعب دورا حاسما في تغيير سياسة الإغراق التي انتهجها السعوديون، فمع انخفاض الطلب العالمي على النفط، وضعت دول “أوبك بلس” خلافاتها جانبا وشرعت في تخفيض الإنتاج بمستويات قياسية.
وتشير التوقعات إلى أن الانخفاض سيكون ملحوظا بشكل أكبر في النصف الثاني من الشهر الحالي وأوائل يوليو/ تموز المقبل، مع تقدير الكميات التي ستصل على متن الناقلات السعودية إلى السواحل الأميركية.
كما يتوقع الكاتبان أن يستمر انخفاض معدل صادرات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة، حيث أفادت مصادر مطلعة بأن معظم مصافي النفط الأميركية تدرس خفض وارداتها بمعدلات تقل عن تلك المتفق عليها في تعاقدات يوليو/ تموز المقبل.
ولم تقتصر حرب أسعار النفط التي أشعلها ولى العهد محمد بن سلمان مع روسيا، في مارس/ آذار المنصرم، على الخسارة الآنية فقط، بل تعدت لفقدان المملكة أسواقا عالمية.
وأظهرت بيانات إحصائية، خسارة المملكة لأسواق الصين، لتصبح روسيا أكبر مصدر للنفط العام خلال إبريل/ نيسان المنصرم.
وتخطت روسيا المملكة لتصبح أكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين في إبريل/ نيسان، حسب ما أظهرته بيانات الجمارك، إذ ارتفعت الصادرات 18 في المائة عنها قبل عام مع اقتناص شركات التكرير للمواد الخام بأسعار رخيصة وسط حرب أسعار بين المنتجين.
وبلغت الشحنات الروسية 7.2 ملايين طن خلال إبريل، بما يعادل 1.75 مليون برميل يوميا، وفقا للأرقام الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك، مقابل 1.49 مليون برميل يوميا في إبريل/ نيسان 2019 و1.66 مليون برميل يوميا في مارس/ آذار.
وانخفضت الإمدادات من السعودية إلى 1.26 مليون برميل يوميا، من 1.53 مليون برميل يوميا في إبريل/ نيسان 2019 و1.7 مليون برميل يوميا في مارس/ آذار.
وبلغ إجمالي واردات الصين من النفط الخام في إبريل/ نيسان 9.84 ملايين برميل يوميا، ارتفاعا من 9.68 ملايين برميل يوميا في مارس/ آذار، لكن بانخفاض كبير عن 10.64 ملايين برميل يوميا في إبريل/ نيسان من العام الماضي، بحسب بيانات صدرت في وقت سابق من الشهر الحالي.
وعلى الرغم من هذا، زادت واردات الأشهر الأربعة الأولى من العام 1.7 في المائة على أساس سنوي مع استغلال مصافي النفط الصينية لتهاوي أسعار الخام.
ويقدر المحللون أن متوسط نسبة الطاقة الإنتاجية المستغلة في مصافي التكرير المستقلة، المعروفة باسم “أباريق الشاي”، ارتفع إلى حوالي 70 في المائة في أواخر إبريل، وهو نفس مستواها قبل تفشي الفيروس، لكنهم يستبعدون أن تعود شركات التكرير المدعومة من الدولة إلى مستوياتها الطبيعية قبل مايو/ أيار.
ويتوقع فريق أبحاث النفط في رفينيتيف أن تبلغ واردات الصين في مايو /أيار مستوى مرتفعا غير مسبوق عند 53.7 مليون طن، أو 12.7 مليون برميل يوميا، مع وصول أحجام قياسية من منتجي أوبك.
وتتسلم شركات التكرير الصينية في مايو/ أيار أيضا أول شحنة خام لها من الولايات المتحدة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني، وهي شحنة حُجزت خلال مارس/ آذار في مستهل انهيار أسعار النفط.
ولم تذكر الجمارك أي واردات من فنزويلا منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مع تحاشي مؤسسة النفط الوطنية الصينية، أكبر مشتر لنفط كراكاس، تحميل أي كميات خام من هناك كي لا تنتهك العقوبات الأميركية.
لكن بعض الشحنات الفنزويلية تحول اتجاهها إلى ماليزيا لمزجها قبل التصدير إلى الصين، مما أفرز زيادة كبيرة في الشحنات الماليزية التي ارتفعت لأكثر من ثلاثة أمثالها في الأشهر الأربعة الأولى.
وأعلنت شركة أرامكو السعودية، سابقا، أن أرباحها في الربع الأول انخفضت بنسبة 25 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
كما هوت عائدات تصدير النفط خلال الربع الأول بنسبة 24% على أساس سنوي إلى 34 مليار دولار، وتراجعت الأصول الاحتياطية للمملكة إلى أدنى مستوى منذ 9 سنوات، إلى 473.3 مليار دولار.
وسبق أن هبطت احتياطيات العملات الأجنبية في البنك المركزي في مارس/آذار بأسرع معدل منذ 20 عاما على الأقل ولأدنى مستوى لها منذ 2011.
ولم تخرج المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم من دائرة الانكماش، التي تسيطر على الاقتصاد منذ أشهر طويلة، حيث ذكرت مؤسسة “أي اتش اس” ماركت العالمية للأبحاث، في تقرير لها، أن مؤشر مديري المشتريات في المملكة انخفض إلى مستوى 44.4 نقطة، مقابل 42.4 نقطة في مارس/ آذار.
ويعني انخفاض المؤشر عن مستوى 50 نقطة أن ثمة انكماشاً، في حين أن تخطيه هذا المستوى يشير إلى النمو.
ويستند مؤشر مديري المشتريات إلى خمس ركائز رئيسة، هي الطلبيات الجديدة ومستويات المخزون والإنتاج وحجم تسليم المُوردين، وبيئة التوظيف والعمل.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عمل سريعا على إقناع المملكة وروسيا الموافقة على خفض إنتاج النفط في نيسان/إبريل. ولم ينفع الاتفاق في إنقاذ أسعار النفط حيث كانت المحاولة قليلة ومتأخرة.
ووجهت المملكة شركة النفط الوطنية (أرامكو) إلى تخفيض إنتاجها من النفط الخام ليونيو/حزيران بقدر طوعي إضافي يبلغ مليون برميل يوميا، فوق التخفيضات التي تعهدت بها المملكة سابقا بموجب اتفاق (أوبك بلس).
وتواجه المملكة بأسعار 30 دولارا للبرميل أسوأ أزمة اقتصادية وإمكانية خسارة الحامي الأمريكي.
وعلقت صحيفة “لوموند” الفرنسية، قائلة إن أحلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في عام 2020، قضي عليها بفعل الانفجار المفاجئ لفيروس كورونا.
وأوضحت الصحيفة أن بن سلمان كان يراهن على قمة العشرين، في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وستتحول القمة إلى لقاءات عن بعد، عبر الإنترنت، وهو ما يخلق واقعا جديدا له، يضعف من آماله وطموحاته والمشاريع التي روج لها بوصفها حداثة.
ورأت الصحيفة أن إعلان وزير الاقتصاد السعودي تجميد عدد من المشاريع الكبرى الخاصة بالتنمية، ورغم عدم إعلان أسمائها، إلا أن مشروع “نيوم” الذي كان سيكلف 500 مليار دولار سيكون الضحية الأولى.
وأشارت إلى أن المشاريع السياحية، التي جعل منها بن سلمان شعارا آخر لمخطط انفتاحه، ستشهد بطئا.
وقال الدبلوماسي الفرنسي السابق فرانسوا توازي، إن الموجة الثانية من إجراءات التقشف في السعودية، مثل تجميد المساعدات المباشرة، التي كان يتم تقديمها للمحتاجين والرفع من الضريبة المضافة من 5% إلى 15%، كلها ستؤدي إلى “نهاية دولة الرفاهية”، وهو منعطف حقيقي في السعودية.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الكثير من الإجراءات الأخيرة، تعود إلى تهاوي سعر البترول دون 30 دولارا للبرميل بعدما كان في بداية آذار/مارس يفوق 50 دولارا، علما أن البترول يشكل 70% من مداخيل المملكة، وبهذا تجد البلاد نفسها أمام أزمة غير مسبوقة منذ عقود.