ينعقد مؤتمر “دافوس الصحراء” الاستثماري اليوم الثلاثاء في العاصمة الرياض بمشاركة شركات عالمية ترى في أزمة المملكة الاقتصادية المتصاعدة وتخبط نظام آل سعود فرصة من أجل اصطياد المملكة في الوقت العكر.
وبينما يبحث نظام آل سعود عن مخرج من ورطة الصعوبات المالية والمخاطر الجيوسياسية، تستغل الشركات العالمية حاجة محمد بن سلمان للخروج من العزلة السياسية، مقابل الحصول على عقود جديدة، ربما ستكون مكلفة لاقتصاد املمكة الذي يترنح منذ مدة تحت وطأة الديون، وكلفة حرب اليمن، والخسائر الناجمة عن هجمات الحوثي، وهبوط مداخيل النفط.
وحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية فإنّ من بين الشركات المتوقع حضورها لمنتدى “دافوس الصحراء” مجموعة “سوفت بانك” الباحثة على الأرجح عن الحصول على امتياز “صندوق الرؤية” الثاني الضخم، حيث وعدت السعودية سابقاً باستثمار 45 مليار دولار في المجموعة، لكن هذه الوعود لم يتحقق منها شيء حتى الآن، وفق الوكالة.
وتعيش مجموعة “سوفت بانك” اليابانية متاعب مالية، بسبب استثماراتها في شركة “وي ورك” الأميركية التي تقترب من الإفلاس. ويحاول الرئيس التنفيذي للمجموعة السيطرة الكاملة على “وي ورك” لإنقاذ استثمار كلّف المجموعة وداعمها صندوق الرؤية السعودي، أكثر من 10 مليارات دولار. ولكن حتى الآن لا توجد حلول في الأفق لإنقاذ “وي ورك” من الإفلاس.
كما ستحضر شركة “بلاكستون”، التي وافق صندوق الاستثمار العام السعودي على تخصيص ما يصل إلى 20 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية معها، في عام 2017. ولكن “بلاكستون” لم تحضر المؤتمر، العام الماضي.
وستحضر كذلك شركة “بلاكروك” التي يخطط رئيسها التنفيذي لاري فينك، لافتتاح مكتب لها في السعودية، على أمل الحصول على فرص للاستثمار في مشاريع جديدة بالمملكة.
وعلى صعيد المصارف التي تسعى للحصول على حصة من صفقة اكتتاب شركة “أرامكو” النفطية المتعثرة، فإنّ مجموعة “سيتي غروب” تعد واحدة من 20 مصرفاً يطمع في إدارة الاكتتاب الضخم. وقد افتتحت المجموعة مكتباً في المملكة بعد غياب دام أكثر من 10 سنوات، على أمل الحصول على نصيب من صفقة “أرامكو”.
كما من المتوقع أن يحضر المنتدى السعودي مصرف “إتش إس بي سي” البريطاني و”كريدي سويس” و”غولدمان ساكس” و”مورغان ستانلي” و”جي بي مورغان” و”موليس وشركاه”.
وجميع هذه البنوك طامعة في إدارة اكتتاب “أرامكو”، والحصول على مصاريف ضخمة من الاستشارات والتسويق والدراسات.
ولكن، حتى الآن، وحسب العديد من المحللين، فإنّ اكتتاب “أرامكو” الذي أُجّل أكثر من 5 مرات، منذ الإعلان عنه قبل عامين، قد لا يتم في المستقبل القريب وربما البعيد.
ولا يستبعد محللون أن ينتهي “دافوس الصحراء 2019″، إلى توقيع “صفقات الوعود”، كما حدث في “دافوس الصحراء” العام الماضي.
فقد وقعت المملكة على الورق فقط 25 اتفاقاً في العام الماضي، بقيمة تزيد على 55 مليار دولار في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات والبنية التحتية والنقل ضمن استراتيجية التغطية على فشل المنتدى.
ووصف مشارك وقتها الصفقات بقوله “الأمر كان أشبه بأنّ على أرامكو إنقاذ موقف المنتدى، أخرجوا صفقات قديمة ووضعوا (وزير الطاقة خالد) الفالح و(الرئيس التنفيذي لأرامكو) الناصر وتوتال على المنصة وجعلوهم يوقعون أشياء يعرفها بالفعل أولئك الذين لديهم معرفة بالطاقة أنّها قديمة”.
ومعلوم أنّ المملكة ليست في وضع مالي يسمح لها بتمويل استثمارات جديدة، لكن المصارف ترغب في الحصول على مبالغ مالية ومصاريف إدارية مقابل الاستشارات، كما أنّ بعض المجموعات مثل “سوفت بانك” تعاني من أزمات مالية، وترغب في مقايضة العزلة التي تعيشها المملكة مقابل الحصول على وعود استثمارية تتمكّن لاحقاً من استغلالها في الحصول على قروض جديدة.
فعلى صعيد الديون، تشير الأرقام الرسمية الصادرة من مكتب إدارة الدين العام التابع لوزارة المالية السعودية، في إبريل/نيسان الماضي، إلى أنّ ديون السعودية بلغت، في نهاية العام الماضي، 150 مليار دولار.
كما قدرت وزارة المالية العجز في ميزانية العام الجاري بحوالى 35 مليار دولار، وهو ما يعني أنّ ديون المملكة ستقدر بحوالى 185 مليار دولار، بنهاية العام الجاري.
على صعيد خسائر المملكة من الهجوم الحوثي الأخير على المنشآت النفطية لشركة “أرامكو”، فإن الرئيس التنفيذي لشركة “روسنفت” الروسية، قدّر قبل أيام خسائر المملكة من الفاقد النفطي وحده بحوالى ملياري دولار. ولكن كلف التأمين وكلف الديون باتت متصاعدة بسبب حساب المخاطر.
أما بشأن تأجيل اكتتاب “أرامكو”، فكانت السعودية تخطط للحصول من اكتتاب حصة 5.0% من الشركة على مائة مليار دولار على حساب تقييم الشركة بترليوني دولار، ولكنها قنعت بتقييم جديد يقدر بحوالى 1.5 ترليون دولار، حسب وكالة “بلومبيرغ”.
وحتى الآن، لم تتمكّن المملكة من استيفاء شروط الاكتتاب في أي من البورصات العالمية، رغم ما يرشح من تكهنات هنا وهنالك. كما لم تتمكّن السعودية من الطرح الداخلي للشركة حتى الآن.
وحسب خبراء أجانب، فإن هنالك شبه استحالة في إمكانية قبول البورصات العالمية الكبرى لطرح “أرامكو” وسط انعدام الشفافية وسيطرة الدولة على الشركة، إذ يستحيل وسط هذه الظروف من الناحية القانونية، حماية حقوق أصحاب الأسهم من قبل البورصة التي ستطرح فيها أسهم “أرامكو”.
أما على صعيد أسعار النفط، فإنّ المملكة لا تتحدث عادة عن السعر الذي تحسب به ميزانيتها لكن المصادر المصرفية السعودية، والمصارف العالمية، وضعت تقديرات تراوح بين 75 و86 دولاراً للبرميل. وبالتالي فإنّ “منتدى دافوس الصحراء”، الذي سيعقد غداً الثلاثاء، يواجه صعوبات تفوق صعوبات منتدى العام الماضي.
ولا تختلف الأجواء التي يعقد فيها “دافوس الصحراء 2019” والذي ينطلق اليوم عن دافوس الصحراء 2018 الذي عقد في مثل هذه الأيام من العام الماضي وحمل اسم ملتقى “مبادرة مستقبل الاستثمار”.
فحكومة المملكة راهنت في نسخة السنة الماضية للمؤتمر على الترويج لبرنامج ولي العهد، الذي تصفه أطراف حكومية بالإصلاحي، والعمل على إنجاح رؤية 2030 التي واجهت مطبات وتعثرات شديدة منذ إطلاقها في العام 2016.
كما راهنت الحكومة على جذب استثمارات خارجية ضخمة تساهم في تنويع الاقتصاد الوطني بعيداً عن النفط عبر إقناع المستثمرين الأجانب بجدوى الاستثمار في المملكة، وأن البلاد تملك بيئة جاذبة لكل أنواع الاستثمار بما فيها السياحي والخدمي والصناعي، وكذا فرصا هائلة في قطاع البتروكيميائيات والصناعات التحويلية، إضافة إلى الترويج لبرنامج الخصخصة الذي أطلقته الدولة قبل سنوات وواجه التأجيل المستمر، والترويج كذلك لمشروعات كبرى منها “نيوم” أحد أبرز المشروعات التي تبناها محمد بن سلمان.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقبل انطلاق دافوس 2018 كانت فضيحة تورط شخصيات سعودية بارزة في قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول على أشدها، بل كانت حديث العالم أجمع.
وكانت حالة غموض شديدة تكتنف مناخ الاستثمار متأثرة بشدة بأجواء احتجاز الكثير من الأمراء النافذين وكبار رجال الأعمال والشخصيات الاقتصادية والسياسية في فندق ريتز كارلتون.
والنتيجة مقاطعات جماعية لمؤتمر دافوس 2018 من قبل رؤساء ومديري شركات وبنوك عالمية وصناديق استثمار كبرى كان صانع القرار السعودي يراهن عليها في ضخ مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد السعودي وتعويض نقص الإيرادات النفطية وهروب الاستثمارات من قبل مستثمرين محليين خوفا من ملاحقتها في إطار حملة “مكافحة الفساد”.
كما شهد المؤتمر مقاطعة واسعة من قبل الإعلام العالمي بما فيه كبريات الصحف والمجلات الاقتصادية الراعية له.
لا يختلف دافوس 2019 كثيراً عن مؤتمر 2018، فملف مقتل خاشقجي لا يزال مفتوحاً لم يغلق بعد، أما الجديد هذا العام فهو ما يشهده الاقتصاد السعودي وقطاع النفط من زيادة منسوب المخاطر الجيوسياسية، فهناك التوتر المتصاعد في منطقة الخليج على خلفية الخلاف الأميركي ــ الإيراني، والخلاف السعودي ــ الإيراني وتطورات حرب اليمن.
وهناك المخاطر النفطية المتصاعدة، فقد تعرضت منشآت نفطية سعودية لضربات متلاحقة من قبل جماعة الحوثي. لكن أخطر هذه الهجمات تلك التي حدثت منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، على منشأتي بقيق وخريص التابعتين لشركة أرامكو النفطية، وهو ما أدى إلى تعطل نصف الإنتاج النفطي السعودي وما يعادل 6% من الإنتاج العالمي.
كما أدى الهجوم إلى حدوث ارتباك في الأسواق العالمية وقفزة في أسعار النفط، لكن أخطر رسالة للهجوم هي تلك التي وصلت إلى المستثمرين الأجانب وتتعلق بضعف قدرة المملكة على حماية قطاعها النفطي من هجمات الحوثي رغم ترسانة الأسلحة التي تمتلكها وصفقات السلاح الضخمة التي تبرمها من حين لآخر.
كما يأتي دافوس 2019 وسط ارتباك ملحوظ في ملف طرح حصة من أسهم أرامكو في الأسواق، والتأجيلات المستمرة لقرار الطرح وتخفيض المؤسسات العالمية القيمة السوقية لأسهم الشركة بقيمة نصف مليار دولار بسبب هجوم الحوثي الأخير.