تساءلت جولي ميلر من مجلة “فانيتي فير” عن السبب الذي جعل شركات الأفلام والعرض عبر الإنترنت ودور العرض السينمائي تخاف من فيلم “المنشق”.
وقالت إن المخرج الحائز على جائزة أوسكار عن فيلم “إيكاروس” بريان فوغيل يعود إلى حادثة قتل جمال خاشقجي البشعة في 2018 في تركيا.
وهو موضوع هربت منه شركات التوزيع السينمائية الكبرى، خوفا على ما يبدو.
وقالت ميلر: بعد عام على مقتل كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” بطريقة بشعة داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، طار مالك الصحيفة جيف بيزوس إلى إسطنبول.
تضامن كبير
وجلس إلى جانب خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، لإحياء الذكرى الأولى على مقتله. وقال أمام المشاركين والصحافيين والمصورين لجنكيز: “لم تكوني تستحقي العذاب الذي عانيته”.
في إشارة للثاني من تشرين الأول/أكتوبر عندما انتظرت جمال أمام القنصلية السعودية بعد دخوله للحصول على أوراق لتسهيل زاوجهما.
وقال بيزوس: “هذا أمر لا يمكن تصوره. وعليك أن تعرفي أنك في قلوبنا ونحن هنا وأنت لست وحيدة”.
وبعد ذلك عانق بيزوس جنكيز ووضع على حسابه في منصات التواصل صورة له معها إلى جانب هاشتاغ جمال في تحية للصحافي الذي ضحى بحياته من أجل حرية التعبير.
وبعد أشهر من حفل التأبين كتبت جنكيز له تطلب مساعدته لكنه لم يرد. وتقول الصحافية إن ممثلا عن بيزوس لم يرد على طلب فانيتي فير للتعليق.
وكانت جنكيز في ذلك الوقت تعمل مع فوغل على فيلم وثائقي حول جريمة قتل خاشقجي ودور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فيها.
حفاوة واسعة
وبعد إنجازه حصل الفيلم على حفاوة واسعة في مهرجان صانداس للإفلام عندما عرض فيه لأول مرة.
وشارك عدد من نقاد الأفلام بكتابة مراجعات مشجعة وكذا عدد من السياسيين بمن فيهم هيلاري كلينتون.
لكن شبكات العرض كلها ترددت في شراء حقوق عرضه، لا أمازون أو نتفكلس أو أبل ولا أتش بي أو هولو.
وقال فوغل: “كانت جبهة موحدة” و”اختار كل طرف يستطيع تقديم منبر حقيقي لهذا الفيلم عدم توزيعه”.
وتعلق ميلر أن الموقف وإن كان مخيبا للآمال إلا أنه ليس مفاجئا في شبكات التلفزة التي تتنافس على السوق العالمية.
وربما تردد في عرض “المعارض/ المنشق” والذي بدأ عرضه يوم الجمعة عبر شركة مستقلة وهي برايركليف إنترتيمنت.
معلومات جديدة
ومن أجل صناعة فيلمه تحدث فوغل وطويلا مع جنكيز وقابل عددا من مسؤولي الأمن الأتراك الذين زودوه بلقطات لم يكشف عنها من قبل.
وحصل على نص مكتوب من 37 صفحة لما ورد في تسجيلات داخل القنصلية وسجلت اللحظات الأخيرة لجمال خاشقجي.
واتصل مع الناشط السعودي عمر عبد العزيز الذي عمل مع خاشقجي لمواجهة الحكومة السعودية التي حاولت إسكات المعارضين على منصات التواصل الاجتماعي.
ويقدم “المعارض” صورة ولي العهد السعودي كقاتل متعطش للسلطة سجن المعارضين له ومضى بدون رادع في اقتصاد دولي يعتمد على مملكته الغنية بالنفط.
ضغوط سعودية
وظلت قطاعات إعلامية أمريكية متعددة تعمل مع السعوديين حتى بعد مقتل خاشقجي.
وفي 2020 وقعت نتفلكس عقدا مع الشركة السعودية “تلفاز11” لإنتاج أفلام موجهة للعالم العربي والمشاهد العالمي.
وحذفت الشركة بشكل مثير للجدل حلقة من حلقات الكوميدي الأمريكي حسن منهاج من منصتها في السعودية.
وقال المدير التنفيذي للشركة ريد هيستنغز مدافعا عن القرار: “نحن لا نحاول قول الحقيقة للسلطة بل والترفيه”.
وفي الوقت نفسه واصلت شركة إي أم سي بالتعاون مع البلد في عقود تجارية مربحة لزيادة عدد دور السينما فيه.
وذكر موقع “بزنس إنسايدر” أن السعودية استثمرت مليارات في شركات مثل ديزني وفيسبوك واشترت حصة بـ 500 مليون في”لايف نيشن”.
وفي حزيران/يونيو أعلنت شركة أمازون نفسها عن موقعها للتسوق في السعودية.
مصالح متضاربة
ويتفهم فوغيل هروب الشركات الكبيرة من موضوعات مثيرة للجدل والتي قد تعرض الشركات للخطر بما فيها ذلك القرصنة على هاتف بيزوس 2018.
وقابل فوغيل خبير أمن إلكتروني في الفيلم وربطه بفيروس أرسل إليه عبر هاتف خاص لمحمد بن سلمان.
وقال فوغيل: هذا هو العالم الذي نعيش فيه الآن بعدد من الشركات الكبرى التي تقوم باتخاذ قرارات حول ما يمكن أن يقف أو لا يقف أمام مصالحها العالمية.
وتابع: هذا أمر محزن ومربك ومخيف لمن يحاول تقديم قصة تريد قول الحقيقة للسلطة.
“وهذا مثير للغضب حيث يتم إسكات قصص عن انتهاكات حقوق الإنسان مقابل البحث عن أرباح وزيادة في عدد المشتركين”.
وقال فوغيل إن هذه الشركات خائفة من توزيع الفيلم مقارنة مع الشجاعة التي أبداها موضوع الفيلم، خاشقجي وكفاحه القاتل من أجل حرية التعبير.
خيبة أمل
وفي بيان من جنكيز للمجلة قالت: “خيبة أمل كبرى” لمعرفة أن لا شركة كبيرة اشترت الفيلم و”أشعر أحيانا أن جمال لن يرى هذا الجزء بعد وفاته” و”ربما انكسر قلبه”.
وينتهي الفيلم بملاحظة عن قلة ما عمل لمواجهة قتلة جمال خاشقجي، وجاءت محاولة من الكونغرس لمنع صفقة سلاح بـ 8 مليارات للسعودية في 2019 وهو قرار استخدام دونالد ترامب الفيتو ضده.
وكان فوغيل واقعيا عندما يفكر بالعدالة لخاشقجي مشيرا إلى الإفراج عن الناشطات السعوديات اللاتي اعتقلن بسبب رفع أصواتهن.
و”منح حقوق للمرأة” في السعودية إلى وقف صفقات الأسلحة إلى المملكة.
ويأمل المخرج أن يقوم المشاهدون بمحاسبة الشركات التي تتعامل مع السعودية.
وأشار إلى روسو بروذرز وفيلم “أفينجرز – إندغيم” الذي دعمت السعودية إنتاجه بـ 50 مليون دولار، حسب فانيتي فير.
ويقول فوغيل إن القائمة طويلة من الأطراف المستعدة لغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان مقابل الحصول على المال.
وتأمل جنكيز بأن يصل فيلم “المعارض” لقطاع واسع من المشاهدين ومن شخص لآخر. و”سأكون سعيدة لو شاهد الكثير من الناس الفيلم”.