تهدد سياسة الضغط التي يتبعها النظام السعودي لجذب الاستثمارات الخارجية بنتائج معاكسة في ظل فرضها ضرائب باهظة على شركات دولية.
وقالت منصات اقتصادية دولية إن أسلوب ولي العهد محمد بن سلمان في الضغط المستمر من أجل جذب الاستثمارات يواجه مخاطر هائلة أبرزها انسحاب الاستثمارات الحالية أو على الأقل تقليلها.
وذكرت تلك المنصات أن الشركات الكبرى قد تنسحب بشكل تدريجي من أسواق المملكة أو تقلل تواجدها حال استمرار الضغط السعودي عليها وفرض فواتير ضرائب باهظة في ظل أزمة الركود العالمية بعد وباء كورونا.
وقبل أيام كشفت وكالة Bloomberg الدولية أن السعودية باغتت عدداً من شركات التكنولوجيا، مثل شركة “أوبر” Uber وشركتها التابعة “كريم” Careem، بفرض استحقاقات ضريبية ضخمة عليها بلغت عشرات الملايين من الدولارات.
وذكرت الوكالة أن شركتي “أوبر” و”كريم” تواجهان فاتورة ضريبية مجمعة تبلغ قيمتها نحو 100 مليون دولار. وترتبط هذه المطالبات بنزاع بين السعودية وهذه الشركات حول كيفية احتساب ضريبة القيمة المضافة مستحقة السداد على مدى السنوات القليلة الماضية، وآليات اقتسامها بين شركات اقتصاد العمل المؤقت والأفراد المتعاقدين معها، كما أن المطالبات تتضمن غرامات كبيرة لتأخر الشركات في السداد، حسبما قالت المصادر.
كما أشارت المصادر إلى أن عدداً من هذه الشركات يحاول التفاوض مع هيئة الزكاة والضرائب والجمارك في المملكة. ولم ترد هيئة الضرائب على طلب للتعليق، كما رفضت كل من شركتي “أوبر” و”كريم” التعليق.
يرتبط نزاع المملكة في الشركات مع نقاش عالمي حول كيفية حساب الضرائب المستحقة على أنشطة اقتصاد العمل المؤقت gig أو منصات “الاقتصاد التشاركي”، مثل “أوبر” أو “إير بي إن بي” Airbnb و”تاسك رابيت” TaskRabbit، وهي شركات تعتمد على التعاقد مع سائقين أفراد أو ناقلين أو مضيفين ممن يقعون خارج نطاق السقوف الضريبية.
ومع ذلك، فإن التكاليف غير المتوقعة لهذه النزاعات قد تثير مخاوف المستثمرين في وقت يحاول فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والمسؤولون السعوديون استقطاب الشركات متعددة الجنسيات إلى المملكة، وتعزيز الاستثمار الأجنبي فيها.
ولم تكن شركتا “أوبر” و “كريم” من أوائل الشركات التي تواجه هذه المشكلة، فقد برزت القضية إلى العلن لأول مرة هذا الشهر، عندما قال مستثمر كبير في الشركة المالكة لتطبيق “فيتشر” Fetchr -التي يقع مقرها في دبي وكانت ذات يوم إحدى أبرز الشركات الناشئة الواعدة في الشرق الأوسط- إن الشركة تدرس التقدم بطلب لتصفية أعمالها بعد “تعسُّرها مالياً” بسبب استحقاقات ضريبية متنازع عليها مع السعودية بقيمة 100 مليون دولار.
يذكر أن شركة فيتشر تعمل في مجال تطبيق إرسال وتسلم الطرود، وهي إحدى شركات العمل التشاركي، مثل أوبر وكريم، التي تعمل عن طريق تطبيق يستخدمه أفراد متعاقدون معها لتقديم الخدمة.
تذهب المصادر إلى أن المسألة أكبر من النزاع مع “فيتشر” وأن لها تداعيات على عديد من شركات التكنولوجيا الأخرى العاملة في المملكة.
ومع أن مسؤولين سعوديين تعهدوا مراراً بالإنصات إلى مخاوف القطاع الخاص، يشكو بعض رجال الأعمال من أن التحولات السياسة غير المتوقعة على مدى السنوات الخمس الماضية تعسِّر التخطيط للمستقبل وحساب المخاطر. كما أن ذلك يأتي في وقت يزداد فيه تنافس المملكة مع دبي على الأجدر بأن يكون وجهة للشركات الناشئة في المنطقة.
واعتادت السعودية الاعتماد اعتماداً يكاد يكون كاملاً على صادرات النفط الخام في إيرادات الدولة، لكنها في إطار الجهود المبذولة لتعزيز الإيرادات غير النفطية، قررت في عام 2018 فرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5%، ثم رفعت هذه النسبة إلى 15% بعد جائحة كورونا وما أدت إليه من انخفاض أسعار النفط، وإن كان الأمير محمد وعد بخفض النسبة في المستقبل.
ومنذ أن فُرضت الضريبة لأول مرة، كانت شركات مثل “أوبر” تدفعها عادةً على ما تعتبره القيمة المضافة الخاصة بها، أو عمولة الشركة. ومع ذلك فإن هذا ليس إلا جزءاً من المبلغ الإجمالي الذي يدفعه العملاء، والذي تذهب حصة كبيرة منه إلى السائقين الذين يستخدمون تطبيق الشركة.
لكن في العام الماضي، بدأت هيئة الضرائب السعودية في إرسال إشعارات بإعادة تقييم لضرائب الشركات، يتضمن ضرائب على الإيرادات بالكامل، ومنها حصة السائقين، حسبما قالت المصادر المطلعة على الأمر.
وقالت السلطات إن هؤلاء الأفراد يقعون تحت الحد الأدنى لضريبة القيمة المضافة، ولن يكون عملياً تحصيل الضرائب منهم مباشرة، بحسب ما كشفت المصادر.
لكن لما كانت هذه الفواتير تعود إلى عدة سنوات وتتضمن غرامات تراكمية، فإنها أوقعت الشركات في مأزق لسدادِ مستحقات على أرباح لم يحصدوها، على حد تعبير المصادر.
وقال شخصان مطلعان على الأمر إن بعض الشركات حاولت طلب المساعدة من وزارة الاستثمار السعودية وكيانات أخرى، لكن قيل لها إن المشكلة تتطلب حلاً سياسياً.